الجمعة، 24 نوفمبر 2017

مدونة الحائرون الملتاعون من الطلاق ونار الفراق دين الله أرحم من اختلافات الرجال

1. كتاب الصلاة و حكم تاركها لابن القيم ج1

 كتاب الصلاة و حكم تاركها

و سياق صلاة النبي صلى الله عليه و سلم من حين كان يكبر إلى أن يفرغ منها

الإمام شمس الدين محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية
 بسم الله الرحمن الرحيم
 الحمد لله رب العالمين
  ما يقول السادة العلماء الذين وفقهم الله وأرشدهم وهداهم وسددهم في تارك الصلاة عامدا هل يجب قتله أم لا . وإذا قتل فهل يقتل كما يقتل المرتد والكافر فلا يغسل ولا يصلي عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين أم يقتل حدا مع الحكم بإسلامه . وهل تحبط الأعمال وتبطل بترك الصلام أم لا ؟
 وهل تقبل صلاة النهار الليل وصلاة الليل بالنهار أم لا . تصح صلاة من صلى وحده وهو يقدر على الصلاة جماعة أم لا وإذا صحت هل يأثم بترك الجماعة أم لا وهل يشترط حضور المسجد أم يجوز فعلها في البيت ؟
 وما حكم من نقر الصلاة ولم يتم ركوعها وسجودها ؟
 وما كان مقدار صلاة رسول الله وما حقيقة التخفيف الذي نبه عليه بقوله صل بهم صلاة أخفهم وما معنى قوله لمعاذ قوله لمعاذ افتان أنت؟ والمسؤول سياق صلاته من حين كان يكبر إلى ان يفرغ منها سياقا مختصرا كأن السائل يشهده

# فأرشد الله من دل على سواء السبيل وجمع بين بيان الحكم والدليل وما أخذ الله الميثاق على أهل الجهل أن يتعلموا حتى أخذ الميثاق أهل العلم ان يعلموا ويبينوا . الشيخ الإمام العلامة بقية السلف ناصر السنة وقامع البدعة الشيخ شمس الدين محمد ابن أبي بكر الحنبلي المعروف بابن قيم الجوزية رضي الله عنه وأرضاه وجعل جنة الخلد متقلبه ومثواه عن الأسئلة بقوله

بسم الله الرحمن الرحيم .
 الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور انفسنا وسيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له  واشهد أن لا إله إلا الله واشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وسلم تسليما كثيرا
 حكم تارك الصلاة عمدا
لا يختلف المسلمون أن ترك الصلاة المفروضة عمدا من اعظم الذنوب وأكبر الكبائر وأن اثمه عند الله أعظم من إثم قتل النفس وأخذ الأموال ومن إثم الزنا والسرقة وشرب الخمر وأنه متعرض لعقوبة الله وسخطه وخزيه في الدنيا والآخرة  ثم اختلفوا في قتله وفي كيفية قتله وفي كفره  فأفتى سفيان بن سعيد الثوري وأبو عمرو الأوزاعي وعبدالله بن المبارك وحماد بن زيد ووكيع بن الجراح ومالك بن أنس ومحمد بن


إدريس الشافعي واحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه واصحابهم بأنه يقتل .
 ثم اختلفوا في كيفية قتله ,
 فقال جمهورهم يقتل بالسيف ضربا في عنقه , وقال بعض الشافعية يضرب بالخشب إلى ان يصلي او يموت . وقال ابن سريج ينخس بالسيف حتى يموت لأنه ابلغ في زجره وأرجى لرجوعه .
 والجمهور يحتجون بقوله إن الله كتب الإحسان في كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة مسلم رقم 1955 .
 العنق بالسيف أحسن القتلات وأسرعها إزهاقا للنفس وقد سن الله سبحانه في قتل الكفار المرتدين ضرب الأعناق دون النخس بالسيف وإنما شرع في حق الزاني المحصن القتل بالحجارة ليصل الألم إلى جميع بدنه حيث وصلت إليه اللذة بالحرام ولأن تلك القتلة أشنع القتلات والداعي إلى الزنا داع قوي في الطباع فجعلت غلظة هذه العقوبة في مقابلة قوة الداعي ولأن في هذه العقوبة تذكيرا لعقوبة الله لقوم لوط بالرجم بالحجارة على ارتكاب الفاحشة


 فصل في حكم تارك الصلاة
 # وقال ابن شهاب الزهري وسعيد بن المسيب وعمر بن عبدالعزيز وابو حنيفة وداود بن علي والمزاني يحبس حتى يموت او يتوب ولا يقتل . واحتج لهذا المذهب بما رواه أبو هريرة عن النبي قال امرت أن اقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها رواه البخاري رقم 1399 ومسلم رقم 26 .
 وعن ابن مسعود قال قال النبي لا يحل دم امرىء مسلم يشهد أن لا إله الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة أخرجاه في الصحيحين البخاري رقم 6878 مسلم رقم 1676 .
 قالوا ولأنها من الشرائع العملية فلا يقتل بتركها كالصيام والزكاة والحج
 قال الموجبون لقتله قال الله تعالى (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وءاتوا الزكاة فخلوا سبيلهم ) 9 سورة التوبة الآية 5 فأمر بقتلهم حتى يتوبوا من شركهم ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة

# ومن قال لا يقتل تارك الصلاة يقول متى تاب من شركه سقط عنه القتل وإن لم يقم الصلاة ولا آتى الزكاة  وهذا خلاف ظاهر القرآن  وفي الصحيحين البخاري رقم 4351 مسلم رقم 1562 من حديث ابي سعيد الخدري قال بعث علي ابن ابي طالب رضي الله عنه وهو باليمن إلى النبي بذهيبة فقسمها بين أربعة فقال رجل يا رسول الله اتق الله فقال ويلك الست احق اهل الارض ان يتقي الله ثم ولى الرجل فقال خالد بن الوليد يا رسول الله ألاأضرب عنقه فقال لا لعله أن يكون يصلي فقال خالد فكم من مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه فقال رسول الله إني لم أؤمر ان انقب عن قلوب الناس ولا اشق بطونهم فجعل النبي المانع من قتله كونه يصلي فدل على ان من لم يصل يقتل ولهذا قال في الحديث الآخر نهيت عن قتل المصلين ابو داود رقم 4928 والطبراني في الكبير مجمع الزوائد 1\ 296 وهو يدل على ان غير المصلين لم ينهه الله عن قتلهم # وروى الإمام أحمد والشافعي في مسنديهما مسند الامام أحمد 5/432 و 433 مسند الإمام الشافعي رقم 8 من حديث عبيدالله بن عدي بن الخيار أن رجلا من الأنصار حدثه أنه اتى النبي وهو في مجلس فساره يستأذنه في قتل رجل من المنافقين فجهر رسول الله فقال أليس يشهد أن لا إله إلا الله فقال الأنصاري بلى يا رسول الله ولا شهادة له قال أليس يشهد أن محمدا رسول الله قال بلى ولا

شهادة له قال اليس يصلي الصلاة قال بلى ولا صلاة له قال أولئك الذين نهاني الله عن قتلهم فدل على انه لم ينهه عن قتل من لم يصل .
 وفي صحيح مسلم رقم 1854 عن ام سلمة عن النبي قال إنه يستعمل عليكم امراء فتعرفون وتنكرون فمن انكر فقد بريء ومن كره فقد سلم ولكن من رضي وتابع فقالوا يا رسول الله ألا نقاتلهم فقال لا ما صلوا.
 وفي الصحيحين البخاري رقم 25 مسلم رقم 22 من حديث عبدالله بن عمر أن النبي قال امرت أن اقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله . فوجه الاستدلال به من وجهين :
 أحدهما أنه امر بقتالهم إلى ان يقيموا الصلاة .
 الثاني قوله إلا بحقها والصلاة من اعظم حقها . وعن ابي هريرة قال قال رسول الله أمرت ان اقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ثم قد حرمت علي دماؤهم وأموالهم وحسابهم على الله

رواه الامام أحمد المسند 2/345 وابن خزيمة في صحيحه رقم 22448 .
 فأخبر أنه امر بقتالهم إلىأن يقيموا الصلاة وأن دماءهم وأموالهم إنما تحرم بعد الشهادتين وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة فدماؤهم وأموالهم قبل ذلك غير محرمة بل هي مباحة . وعن انس بن مالك قال لما توفي رسول الله ارتد العرب فقال عمر يا أبا بكر كيف تقاتل العرب فقال أبو بكر إنما قال رسول الله أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة رواه النسائي رقم 3969 وهو حديث صحيح .
 وتقييد هذه الأحاديث يبين مقتضى الحديث المطلق الذي احتجوا به على ترك القتل معأنه حجة عليهم فإنه لم يثبت العصمة للدم والمال إلا بحق الإسلام والصلاة آكد حقوقه على الاطلاق .
 وأما حديث ابن مسعود وهو لا يحل دم امريء مسلم إلا بإحدى ثلاث البخاري رقم 6878 مسلم رقم 1676 فهو حجة لنا في المسألة فإنه جعل منهم التارك لدينه والصلاة ركن الدين الأعظم ولا سيما إن قلنا بأنه كافر فقد ترك الدين بالكلية وإن لم يكفر فقد ترك عمود الدين .
 قال الإمام أحمد وقد جاء في الحديث لا حظ في الاسلام لمن ترك الصلاة راجع طبقات الحنابلة 1/352 وقد كان عمر بن الخطاب يكتب إلى الآفاق إن أهم أموركم عندي الصلاة فمن حفظها حفظ دينه ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع ولاحظ في الاسلام لمن ترك الصلاة

# قال فكل مستخف بالصلاة مستهين بها فهو مستخف بالاسلام مستهين به وإنما حظهم من الاسلام على قدر حظهم من الصلاة ورغبتهم في الاسلام على القادر رغبتهم في الصلاة .
 فاعرف نفسك يا عبدالله واحذر أن تلقي الله ولا قدر للاسلام عندك فإن قدر الإسلام في قلبك كقدر الصلاة في قلبك .
 وقد جاء الحديث عن النبي أنه قال الصلاة عمود الدين المقاصد الحسنة رقم 632  ألست تعلم أن الفسطاط إذا سقط عموده سقط الفسطاط ولم ينتفع بالطنب ولا بالأوتاد وإذا قام عمود الفسطاط انتفعت بالطنب والأوتاد وكذلك الصلاة من الإسلام # وجاء في الحديث إن اول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة من عمله صلاته فإن تقبلت منه صلاته تقبل منه سائر عمله وإن ردت عليه صلاته رد عليه سائر عمله مجمع الزوائد 1/292-291 .
 فصلاتنا آخر ديننا وهي أول ما نسأل عنه غدا من اعمالنا يوم القيامة فليس بعد ذهاب الصلاة إسلام ولا دين إذا صارت الصلاة آخر ما يذهب من الأسلام هذا كله كلام احمد # والصلاة أول فروض الأسلام وهي آخر ما يفقد من الدين فهي اول الإسلام وآخره فإذا ذهب اوله وآخره فقد ذهب جميعه وكل شيء ذهب أوله وآخره فقد ذهب جميعه .
 قال الإمام أحمد كل شيء يذهب آخره فقد ذهب جميعه فإذا ذهبت صلاة المرء ذهب دينه

# والمقصود أن حديث عبدالله بن مسعود لا يحل دم امريء مسلم إلا بإحدى ثلاث الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه البخاري رقم 6878 مسلم رقم 1676 من اقوى الحجج في قتل تارك الصلاة
 فصل في اختلاف القائلين بقتل تارك الصلاة
 # واختلف القائلون بقتله في مسائل :
 إحداها انه هل يستتاب ام لا .
 فالمشهور أنه يستتاب فإن تاب ترك وإلا قتل هذا قول الشافعي وأحمد وأحد القولين في مذهب مالك .
 وقال ابو بكر الطرطوشي في تعليقه مذهب مالك انه يقال له صل ما دام الوقت باقيا فإن فعل ترك وإن امتنع حتى خرج الوقت قتل وهل يستتاب ام لا قال بعض اصحابنا يستتاب فإن تاب وإلا قتل وقال بعضهم لا يستتاب لأن هذا حد من الحدود يقام عليه فلا تسقطه التوبة كالزاني والسارق وهذا القول يلزم من قال يقتل حدا فإنه إذا كان حده على ترك الصلاة القتل كان كمن حده القتل على الزنا والمحاربة والحدود تجب باسبابها المتقدمة ولا تسقطها التوبة بعد الرفع إلى الامام وأما من قال يقتل لكفره فلا يلزمه هذا لأنه جعله كالمرتد وإذا اسلم سقط عنه القتل # قال الطرطوشي وهكذا حكم الطهارة والغسل من الجنابة والصيام

عندنا فإذا قال لا أتوضأ ولا اغتسل من الجنابة ولا اصوم قتل ولم يستتب سواء قال هي فرض علي أو جحد فرضها .
 قلت هذا الذي حكاه الطرطوشي عن بعض اصحابه أنه يقتل من غير استتابة هو رواية عن مالك وفي استتابه المرتد روايتان عن أحمد وقولان للشافعي ومن فرق بين المرتد وبين تارك الصلاة في الاستتابة فاستتاب المرتد دون تارك الصلاة كإحدى الروايتين عن مالك يقول الظاهر أن المسلم لا يترك دينه إلا لشبهة عرضت له تمنعه البقاء عليه فيستتاب رجاء زوالها والتارك للصلاة مع إقراره بوجوبها عليه لا مانع له فلا يمهل .
 قال المستتيبون له هذا قتل لترك واجب شرعت له الاستتابة فكانت واجبة كقتل الردة .
 قالوا بل الاستتابة هاهنا اولى لان احتمال رجوعه اقرب لأن التزامه للإسلام يحمله على التوبة مما يخلصه من العقوبة في الدنيا والآخرة .
 وهذا القول هو الصحيح لأن اسوأ احواله أن يكون كالمرتد وقد اتفق الصحابة على قبول توبة المرتدين ومانعي الزكاة وقد قال الله تعالى (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف ) 8 سورة الأنفال الآية 38 وهذا يعم المرتد وغيره .
 والفرق بين قتل هذا حدا وقتل الزاني والمحارب أن قتل تارك الصلاة إنما هو على إصراره على الترك في المستقبل وعلى الترك في الماضي بخلاف المقتول في الحد فإن سبب قتله الجناية المتقدمة على الحد لأنه لم يبق له سبيل إلى تداركها وهذا له سبيل الاستدراك بفعلها بعد خروج وقتها عند الأئمة الأربعة وغيرهم ومن يقول من اصحاب أحمد لا سبيل له

إلى الاستدراك كما هو قول طائفة من السلف يقول القتل ها هنا على ترك فيزول الترك بالفعل فأما الزنا والمحاربة فالقتل فيهما على فعل والفعل الذي مضى لا يزول بالترك
 فصل في أن يكون قتل تارك الصلاة بعد الدعوة والامتناع
  المسألة الثانية أنه لا يقتل حتى يدعى إلى فعلها فيمتنع .
 فالدعاء إليها لا يستمر ولذلك أذن النبي في الصلاة نافلة خلف الامراء الذين يؤخرون الصلاة حتى يخرج الوقت ولم يأمر بقتالهم ولم يأذن في قتلهم لأنهم لم يصروا على الترك فإذا دعي فامتنع لا من عذر حتى يخرج الوقت تحقق تركه وإصراره
 فصل في تعيين مقدار الترك الموجب لقتل تارك الصلاة
 # المسألة الثالثة بماذا يقتل هل بترك صلاة أو صلاتين أو ثلاث صلوات # هذا فيه خلاف بين الناس .
 فقال سفيان الثوري ومالك وأحمد في إحدى الروايات يقتل بترك

صلاة واحدة وهو ظاهر مذهب الشافعي وأحمد وحجة هذا القول ما تقدم من الاحاديث الدالة على قتل تارك الصلاة .
 وقد روى معاذ بن جبل أن رسول الله قال من ترك صلاة مكتوبة متعمدا فقد برئت منه ذمة الله رواه الإمام أحمد في مسنده 5/238 .
 وعن أبي الدرداء قال اوصاني ابو القاسم أن لا أترك الصلاة متعمدا فمن تركها متعمدا فقد برئت منه الذمة رواه عبدالرحمن ابن ابي حاتم في سننه مجمع الزوائد 4/217-216 ولأنه إذا دعي إلى فعلها في وقتها فقال لا اصلي ولا عذر له فقد ظهر إصراره فتعين إيجاب قتله وإهدار دمه واعتبار التكرار ثلاثا ليس عليه دليل من نص ولا إجماع ولا قول صاحب وليس أولى من اثنتين.
 وقال اسحاق بن منصور المعروف بالكوسج من أصحاب أحمد إن كانت الصلاة المتروكة تجمع إلى ما بعدها كالظهر والعصر والمغرب والعشاء لم يقتل حتى يخرج وقت الثانية لأن وقتها وقت الأولى في حال الجمع فأورث شبهة هاهنا وإن كانت لا تجمع إلى ما بعدها كالفجر والعصر وعشاء الآخرة قتل بتركها وحدها إذ لا شبهة ها هنا في التأخير .
 وهذا القول حكاه إسحاق عن عبدالله بن المبارك او عن وكيع بن الجراح الشك من اسحاق في تعيينه .
 قال ابو البركات عبدالسلام بن عبدالله ابن تيمية والتسوية أصح

وإلحاق التارك ها هنا بأهل الأعذار في الوقت لا يصح كما لم يصح إلحاقه بهم في اصل الترك .
 قلت وقول إسحاق اقوى وافقه لأنه قد ثبت أن هذا الوقت للصلاتين في الجملة فأورث ذلك شبهة في إسقاط القتل ولأن النبي منع من قتل الأمراء المؤخرين الصلاة عن وقتها وإنما كانوا يؤخرون الظهر إلى وقت العصر وقد يؤخرون العصر إلى آخر وقتها ولما قيل له ألا نقاتلهم قال لا ما صلوا مسلم رقم 1854 فدل على أن ما فعلوه صلاة يعصمون بها دماءهم

 فصل في متى يعد الرجل تاركا للصلاة
  وعلى هذا فمتى دعي إلى الصلاة في وقتها فقال لا اصلي وامتنع حتى فاتت وجب قتله وإن لم يتضيق وقت الثانية نص عليه الإمام أحمد .
 وقال القاضي محمد بن الحسين أبو يعلى وأصحابه كأبي الخطاب محفوظ بن محمد الكلواذاني وابن عقيل لا يقتل حتى يتضايق وقت التي بعدها .
 قال الشيخ ابو البركات ابن تيمية من دعي إلى صلاة في وقتها فقال لا اصلي وامتنع حتى فاتت وجب قتله وإن لم يتضيق وقت الثانية نص عليه

# قال وإنما اعتبرنا تضايق وقت الثانية في المثال الذي ذكره يعني أبا الخطاب لأن القتل بتركها دون الأولى لأنه لما دعي إليها كانت فائتة والفوائت لا يقتل تاركها .
 ولفظ أبي الخطاب الذي أشار إليه فإن اخر الصلاة حتى خرج وقتها جاحدا لوجوبها كفر ووجب قتله فإن اخرها تهاونا لا جحودا لوجوبها دعي إلى فعلها فإن لم يفعلها حتى تضايق وقت التي بعدها وجب قتله فالتي أخرها تهاونا هي التي اخرها حتى خرج وقتها فدعي إليها بعد خروج وقتها فإذا امتنع من فعلها حتى تضايق وقت الآخرة التي بعدها كان قتله بتأخير الصلاة التي دعي إليها حتى تضايق وقتها هذا تقرير ما ذكره الشيخ .
 قال وقال بعض أصحابنا يقتل لترك الأولي ولترك قضاء كل فائتة إذا أمكنه من غير عذر لأن القضاء عندنا على الفور فعلى هذا لا يعتبر تضايق وقت الثانية .
 قال والأول أصح لأن قضاء الفوائت موسع علىالتراخي عند الشافعي وجماعة من العلماء والقتل لا يجب في مختلف في إباحته وحظره .
 وعن أحمد رواية أخرى أنه إنما يجب قتله إذا ترك ثلاث صلوات وتضايق وقت الرابعة . وهذا اختيار الإصطخري من الشافعية,  ووجه هذا القول أن الموجب للقتل هو الاصرار على ترك الصلاة والانسان قد يترك الصلاتين لكسل أو ضجر او شغل يزول قريبا ولا

يدوم فلا يسمى بذلك تاركا للصلاة فإذا كرر الترك مع الدعاء إلى الفعل علم أنه إصرار .
 وعن احمد رواية ثالثة أنه يجب قتله بترك صلاتين ولهذه الرواية مأخذان :
 احدهما أن الترك الموجب للقتل هو الترك المتكرر لا مطلق الترك حتى يطلق عليه أنه تارك الصلاة وأقل ما يثبت به الترك المتكرر مرتان .
 المأخذ الثاني أن من الصلاة ما تجمع إحداهن إلى الأخرى فلا يتحقق تركها إلا بخروج وقت الثانية فجعل ترك الصلاتين موجبا للقتل وإسحاق وافق هذه الرواية في المجموعتين
 فصل في حكم ترك بعض شروط الصلاة أو ركن منها
 وحكم ترك الوضوء والغسل من الجنابة واستقبال القبلة وستر العورة حكم تارك الصلاة وكذلك حكم ترك القيام للقادر عليه هو كترك الصلاة وكذلك ترك الركوع والسجود .
 وإن ترك ركنا أو شرطا مختلفا فيه وهو يعتقد وجوبه فقال ابن عقيل حكمه حكم تارك الصلاة ولا بأس أن نقول بوجوب قتله وقال الشيخ أبو البركات ابن تيمية عليه الإعادة ولا يقتل من أجل ذلك بحال

فوجه قول ابن عقيل أنه تارك للصلاة عند نفسه وفي عقيدته فصار كتارك الزكاة والشرط المجمع عليه .
 ووجه قول أبي البركات ابن تيمية أنه لا يباح الدم بترك المختلف في وجوبه . اقرب إلى مأخذ الفقه وقول ابن عقيل اقرب إلى الاصول فإن تارك ذلك عازم وجازم على الاتيان بصلاة باطلة فهو كما لو ترك مجمعا عليه وللمسألة غور بعيد يتعلق بأصول الإيمان وأنه من اعمال القلوب واعتقادها
 فصل في حكم تارك الجمعة
 # روى مسلم في صحيحه رقم 652 من حديث ابن مسعود أن النبي قال لقوم يتخلفون عن الجمعة لقد هممت أن آمر رجلا يصلي بالناس ثم احرق على رجال يتخلفون عن الجمعة بيوتهم .
 وعنأبي هريرة وابن عمر أنهما سمعا رسول الله يقول على اعواد منبره لينتهين اقوام عن ودعهم الجمعات او ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين رواه مسلم في صحيحه رقم 865 .
 وفي السنن كلها ابو داود رقم 1052 الترمذي رقم 500 النسائي رقم 1369 ابن ماجة رقم 1125 من حديث ابي الجعد

الضمري وله صحبة أن النبي قال من ترك ثلاث جمع تهاونا طبع الله على قلبه رواه الامام أحمد من حديث جابر المسند 3/425-424 .
 وأخطأ على الشافعي من نسب إليه القول بأن صلاة الجمعة فرض على الكفاية إذا قام بها قوم سقطت عن الباقين فلم يقل الشافعي هذا قط فإنما غلط عليه من نسب ذلك إليه بسبب قوله في صلاة العيد إنها تجب على من تجب عليه صلاة الجمعة بل هذا نص من الشافعي أن صلاة العيد واجبة على الأعيان وهذا هو الصحيح في الدليل فإن صلاة العيد من اعاظم شعائر الإسلام الظاهرة ولم يكن يتخلف عنها احد من اصحاب رسول الله ولا تركها رسول الله مرة واحدة ولو كانت سنة لتركها ولو مرة واحدة كما ترك قيام رمضان بيانا لعدم وجوبه وترك الوضوء لكل صلاة بيانا لعدم وجوبه وغير ذلك .
وأيضا فإنه سبحانه وتعالى امر بالعيد كما أمر بالجمعة فقال (فصل لربك وانحر ) 108 سورة الكوثر / الآية 2 فأمر النبي الصحابة أن يغدوا إلى مصلاهم لصلاة العيد معه إن فات وقتها وثبت الشهر بعد الزوال أبو داود رقم 1157
وأمر النبي العواتق وذوات الخدور وذوات الحيض ان يخرجن إلى العبد وتعتزل الحيض المصلي البخاري رقم 974 مسلم رقم 890 ولم يأمر بذلك في الجمعة  قال شيخنا ابن تيمية فهذا يدل على ان العيد آكد من الجمعة

وقوله خمس صلوات كتبهن الله علىالعبد في اليوم والليلة الموطأ 1/123 أبو داود رقم 425 النسائي رقم 461 ابن ماجه رقم 1401 لا ينفي صلاة العيد فإن الصلوات الخمس وظيفة اليوم والليلة وأما العيد فوظيفة العام ولذلك لم يمنع ذلك من وجوب ركعتي الطواف عند كثير من الفقهاء لأنها ليست من وظائف اليوم والليلة المتكررة ولم يمنع وجوب صلاة الجنازة ولم يمنع من وجوب سجود التلاوة عند من أوجبه وجعله صلاة ولم يمنع من وجوب صلاة الكسوف عند من اوجبها من السلف وهو قول قوي جدا .
 والمقصود ان الشافعي رحمه الله نص على ان من وجبت عليه الجمعة وجب عليه العيد .
 ولكن قد يقال إن هذا لا يستفاد منه وجوبه على الأعيان فإن فرض الكفاية يجب على الجميع ويسقط بفعل البعض .
 وفائدة ذلك تظهر في مسألتين :
 إحداهما أنه لو اشترك الجميع في فعله أثيبوا ثواب من أدى الواجب لتعلق الوجوب # الثانية لو اشتركوا في تركه استحق الجميع الذم والعقاب # فلا يلزم من قوله تجب صلاة العيد على من تجب عليه صلاة الجمعة أن تكون واجبة علىالأعيان كالجمعة فهذا يمكن أن يقال ولكن ظاهر تشيبه العيد بالجمعة والتسوية بين من تجب عليه الجمعة ومن يجب عليه العيد يدل على استوائهما في الوجوب ولا يختلف قوم أن الجمعة واجبة على الأعيان فكذا العيد

والمقصود بيان حكم تارك الجمعة # قال ابو عبدالله ابن حامد ومن جحد وجوب الجمعة كفر # فإن صلاها اربعا مع اعتقاد وجوبها قال فإن قلنا هي ظهر مقصورة لم يكفر وإلا كفر
 حكم تارك الصوم والحج والزكاة
 # وهل يلحق تارك الصوم والحج والزكاه بتارك الصلاة في وجوب قتله فيه ثلاث روايات عن الإمام أحمد # إحداها يقتل بترك ذلك كله كما يقتل بترك الصلاة # وحجة هذه الرواية أن الزكاة والصيام والحج من مباني الاسلام فيقتل بتركها جميعا كالصلاة ولهذا قاتل الصديق مانعي الزكاة وقال والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة البخاري رقم 1400 مسلم رقم 20 إنها لقرينتها في كتاب الله وأيضا فإن هذه المباني من حقوق الاسلام والنبي لم يأمر برفع القتال إلا عمن التزم كلمة الشهادة وحقها وأخبر أن عصمة الدم لا تثبت إلا بحق الإسلام فهذا قتال للفئة الممتنعة والقتل للواحد المقدوم عيله إنما هو لتركه حقوق الكلمة وشرائع الإسلام وهذا أصح الأقوال # الرواية الثانية لا يقتل بترك غير الصلاة # لأن الصلاة عبادة بدنية لا تدخلها النيابة ولقول عبدالله بن شقيق كان أصحاب محمد لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة الترمذي رقم 2624


ولأن الصلاة قد اختصت من سائر الأعمال بخصائص ليست لغيرها # فهي أول ما فرض الله من الاسلام ولهذا امر النبي نوابه ورسله ان يبدؤوا بالدعوة إليها بعد الشهادتين فقال لمعاذ ستأتي قوما اهل كتاب فليكن اول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله وأن الله فرض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة البخاري رقم 4347 مسلم رقم 19 # ولأنها أول ما يحاسب عليها العبد من عمله ولأن الله فرضها في السماء ليلة المعراج ولأنها اكثر الفروض ذكرا في القرآن ولأن اهل النار لما يسألون ( ^ ما سلككم في سقر ) 74 سورة المدثر الآية 42 لم يبدؤوا بشيء غير ترك الصلاة ولأن فرضها لا يسقط عن العبد بحال دون حال ما دام عقله معه بخلاف سائر الفروض فإنها تجب في حال دون حال ولأنها عمود فسطاط الإسلام وإذا سقط الفسطاط وقع الفسطاط ولأنها آخر ما يفقد من الدين ولأنها فرض على الحر والعبد والذكر والأنثى والحاضر والمسافر والصحيح والمريض والغني والفقير .
 ولم يكن رسول الله يقبل من إجابة إلى الاسلام إلا بالتزام الصلاة كما قال قتادة عن انس لم يكن رسول الله يقبل من اجابه إلى الاسلام إلا بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة # ولأن قبول سائر الاعمال موقوف على فعلها فلا يقبل الله من تاركها صوما ولا حجا ولا صدقة ولا جهادا ولا شيئا من الاعمال كما قال عون بن عبدالله إن العبد إذا دخل قبره سئل عن صلاته اول شيء يسأل عنه فإن جازت له نظر فيما سوى ذلك من عمله وإن لم تجز له لم ينظر في شيء من عمله بعد

# ويدل على هذا الحديث الذي في المسند والسنن من رواية أبي هريرة عن النبي أول ما يحاسب به العبد من عمله يحاسب بصلاته فإن صلحت فقد افلح وأنجح وان فسدت فقط فقد خاب وخسر الترمذي رقم 413 النسائي رقم 465 ولو قبل منه شيء من اعمال البر لم يكن من الخائبين الخاسرين .
 الرواية الثالثة يقتل بترك الزكاة والصيام ولا يقتل بترك الحج لأنه مختلف فيه هل هو على الفور أو على التراخي فمن قال هو على التراخي قال كيف يقتل بأمر موسع له في تأخيره وهذا المأخذ ضعيف جدا لأن من يقتله بتركه لا يقتله بمحرد التأخير وإنما صورة المسألة أن يعزم على ترك الحج ويقول هو واجب علي ولا احج ابدا فهذا موضوع النزاع والصواب القول بقتله لأن الحج من حقوق الاسلام والعصمة تثبت لمن تكلم بالاسلام إلا بحقه والحج أعظم حقوقه
 فصل في تارك الصلاة هل يقتل حدا أم كفرا
 # وأما المسألة الثالثة وهو انه هل يقتل حدا كما يقتل المحارب والزاني أم يقتل كما يقتل المرتد والزنديق هذا فيه قولان للعلماء وهما روايتان عن الامام أحمد # يقتل كما يقتل المرتد وهذا قول سعيد بن جبير وعامر الشعبي وإبراهيم النخعي وأبي عمرو الأوزاعي وأيوب السختياني وعبدالله بن المبارك وإسحاق بن راهويه وعبدالملك بن حبيب من


المالكية وأحد الوجهين في مذهب الشافعي وحكاه الطحاوي عن الشافعي نفسه وحكاه ابو محمد ابن حزم عن عمر بن الخطاب ومعاذ بن جبل وعبدالرحمن بن عوف وأبي هريرة وغيرهم من الصحابة .
 والثانية يقتل حدا لا كفرا وهو قول مالك والشافعي واختار أبو عبدالله ابن بطة هذه الرواية .
 ونحن نذكر حجج الفريقين
 أدلة الذين لا يكفرون تارك الصلاة
 # قال الذين لا يكفرونه بتركها قد ثبت له حكم الإسلام بالدخول فيه فلا نخرجه عنه إلا بيقين .
قالوا وقد روى عبادة بن الصامت عن النبي أنه قال من شهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وان محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبدالله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه والجنة حق والنار حق ادخله الله الجنة على ما كان من العمل أخرجاه في الصحيحين البخاري رقم 3435 مسلم رقم 28.
 وعن انس أن النبي قال ومعاذ رديفة على الرحل يا معاذ قال لبيك يا رسول الله وسعديك ثلاثا قال ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله إلا حرمه الله على النار قال يارسول الله افلا اخبر بها الناس فيستبشروا قال إذا يتكلوا فأخبر بها معاذ عند موته تأثما متفق على صحته البخاري رقم 128 مسلم 230

# وعن أبي هريرة عن النبي قال اسعد الناس بشفاعتي من قال لاإله إلا الله خالصا من قلبه رواه البخاري رقم 99 .
 وعن أبي ذر ان النبي قام بآية من القرآن يرددها حتى صلاة الغداة وقال دعوت لامتي وأجبت بالذي لو اطلع عليه كثير منهم تركوا الصلاة فقال أبو ذر أفلا ابشر الناس قال بلى فانطلق فقال عمر أنك إن تبعث إلى الناس بهذا ينكلوا عن العبادة فناداه أن ارجع فرجع والآية (إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ) 5 سورة المائدة الآية 118 رواه الإمام أحمد في مسنده 5/170 .
 وفي المسند أيضا 6/240 من حديث عائشة قالت قال رسول الله الدواوين عند الله ثلاثة ديوان لا يعبأ الله به شيئا وديوان لا يترك الله منه شيئا وديوان لا يغفره الله فأما الديوان الذي لا يغفره الله فالشرك بالله قال الله عز وجل (إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ) 5 سورة المائدة الآية 72 وأما الديوان الذي لا يعبأ الله به شيئا فظلم العبد نفسه فيما بينه وبين ربه من صوم تركه أو صلاة تركها فإن الله عز وجل يغفر ذلك ويتجاوز عنه إن شاء وأما الديوان الذي لا يترك الله منه شيئا فظلم العباد بعضهم بعضا القصاص لا محالة .
 وفي المسند ايضا 5/316-315 و 319 عن عبادة بن الصامت قال سمعت رسول الله يقول خمس صلوات كتبهن الله على العباد من أتى بهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء غفر له  المسند ايضا 2/290 من حديث أبي هريرة قال

رسول الله أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة المكتوبة فإن أتمها وإلا قيل انظروا هل له من تطوع فإن كان له تطوع أكملت الفريضة من تطوعه ثم يفعل بسائر الأعمال المفروضة مثل ذلك رواه أهل السنن أبو داود رقم 864 الترمذي رقم 413 النسائي رقم 467 ابن ماجة رقم 1425 وقال الترمذي هذا حديث حسن  قالوا وقد ثبت عنه أنه قال من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة أبو داود 3116 .
 لفظ آخر من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة مسلم رقم 26 .
 وفي صحيح قصة عتبان بن مالك البخاري رقم 425 مسلم رقم 33 وفيها إن الله قد حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله .
 وفي حديث الشفاعة البخاري رقم 7510 مسلم رقم 193 يقول الله عز وجل وعزتي وجلالي لأخرجن من النار من قال لا إله إلا الله وفيه مجمع الزوائد 10/375 فيخرج من النار من لم يعمل خيرا قط .
 وفي السنن الترمذي رقم 2641 مستدرك الحاكم 1/529 صحيح ابن حبان رقم 225 ابن ماجة رقم 4300 والمسانيد مسند أحمد 2/213 قصة صاحب البطاقة الذي ينشر له تسعة

وتسعون سجلا كل سجل منها مد البصر ثم تخرج له بطاقة فيها شهادة أن لا إله إلا الله فترجح سيئاته .
 ولم يذكر في البطاقة غير الشهادة ولو كان فيها غيرها لقال ثم تخرج له صحائف حسناته فترجح سيئاته ويكفينا في هذا قوله فيخرج من النار من لم يعمل خيرا قط ولو كان كافرا لكان مخلدا في النار غير خارج منها .
 فهذه الأحاديث وغيرها تمنع من التكفير والتخليد وتوجب من الرجاء له ما يرجى لسائر أهل الكبائر .
 قالوا ولأن الكفر جحود التوحيد وإنكار الرسالة والمعاد وجحد ما جاء به الرسول وهذا يقر بالوحدانية شاهدا أن محمدا رسول الله مؤمنا بأن الله يبعث من في القبور فكيف يحكم بكفره والإيمان هو التصديق وضده التكذيب لا ترك العمل فكيف يحكم للمصدق بحكم المكذب الجاحد
 أدلة الذين يكفرون تارك الصلاة
 # قال المكفرون الذين رويت عنهم هذه الأحاديث التي استدللتم بها على عدم تكفير تارك الصلاة هم الذين حفظ عنهم الصحابة تكفير تارك الصلاة بأعيانهم .
 قال أبو محمد ابن حزم المحلى 1/242 وقد جاء عن عمر وعبدالرحمن بن عوف ومعاذ بن جبل وأبي هريرة وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم أن من ترك صلاة فرض واحدة متعمدا حتى يخرج وقتها فهو كافر مرتد

قالوا ولا نعلم لهؤلاء مخالفا من الصحابة وقد دل على كفر تارك الصلاة الكتاب والسنة وإجماع الصحابة
 فصل في الأستدلال بالكتاب
  أما الكتاب فالدليل الأول قال تعالى ( ^ أفنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون أم لكم كتاب فيه تدرسون إن لكم في لما تخيرون أم لكم أيمن علينا بالغة إلى يوم القيامة إن لكم لما تحكمون سلهم أيهم بذلك زعيم أم لهم شركاء فليأتوا بشركائهم إن كانوا صادقين يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون ) 68 سورة القلم / الآيات 43-35 فوجه الدلالة من الآية أنه سبحانه أخبر أنه لا يجعل المسلمين كالمجرمين وأن هذا الأمر لا يليق بحكمته ولا بحكمه ثم ذكر أحوال المجرمين الذين هم ضد المسلمين فقال (يوم يكشف عن ساق ) 68 سورة القلم / الآية 42 وأنهم يدعون إلى السجود لربهم تبارك وتعالى فيحال بينهم وبينه فلا يستطيعون السجود مع المسلمين عقوبة لهم على ترك السجود له مع المصلين في دار الدنيا وهذا يدل على أنهم مع الكفار والمنافقين الذين تبقى ظهورهم إذا سجد المسلمون كميا من البقر ولو كانوا من المسلمين لأذن لهم بالسجود كما أذن للمسلمين.
 الدليل الثاني قوله تعالى (كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين في جنات يتساءلون عن المجرمين ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين حتى أتانا اليقين ) 74 سورة المدثر / الآيات 47-38 فلا يخلو إما أن يكون كل

واحد من هذه الخصال هو الذي سلكهم في سقر وجعلهم من المجرمين او مجموعها فإن كان كل واحد منها مستقلا بذلك فالدلالة ظاهرة وإن كان مجموع الأمور الأربعة فهذا إنما هو لتغليظ كفرهم وعقوبتهم وإلأ فكل واحد منها مقتض للعقوبة إذ لا يجوز أن يضم ما لا تأثير له في العقوبة إلى ما هو مستقل بها .
 ومن المعلوم أن ترك الصلاة وما ذكر معه ليس شرطا في العقوبة على التكذيب بيوم الدين بل هو وحده كاف في العقوبة فدل على أن كل وصف ذكر معه كذلك إذ لا يمكن لقائل ان يقول لا يعذب إلا من جمع هذه الأوصاف الأربعة فإذا كان كل واحد منها موجبا للإجرام وقد جعل الله سبحانه المجرمين ضد المسلمين كان تارك الصلاة من المجرمين السالكين في سقر وقد قال (إن المجرمين في ضلال وسعر يوم يسحبون في النار على وجهم ذوقوا مس سقر ) 54 سورة القمر / الآيتان 48-47 وقال تعالى (إن الذين أجرموا كانوا من الذين ءامنوا يضحكون ) سورة المطففين الآية 29 فجعل المجرمين ضد المؤمنين المسلمين .
 الدليل الثالث قوله تعالى (وأقيموا الصلاة واءتوا الزكواة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون ) 24 سورة النور / الآية 56 فوجه الدلالة أنه سبحانه علق حصول الرحمة لهم بفعل هذه الأمور فلو كان ترك الصلاة لا يوجب تكفيرهم وخلودهم في النار لكانوا مرحومين بدون فعل الصلاة والرب تعالى إنما جعلهم على رجاء الرحمة إذا فعلوها # الدليل الرابع قوله تعالى ( ^ فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون ) 107 سورة الماعون / الآيتان 4 و 5 وقد اختلف السلف في

معنى السهو عنها فقال سعد ابن ابي وقاص ومسروق بن الاجدع وغيرهما هو تركها حتى يخرج وقتها # وروى في ذلك حديث مرفوع قال محمد بن نصر المروزي تعظيم قدر الصلاة رقم 42 حدثنا شيبان ابن ابي شيبة حدثنا عكرمة بن إبراهيم حدثنا عبدالملك بن عمير عن مصعب بن سعد عن أبيه أنه سأل النبي عن ( الذين هم عن صلاتهم ساهون ) 107 سورة الماعون / الآية 5 قال هم الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها سنن البيهقي 2/214 .
 وقال حماد بن زيد حدثنا عاصم عن مصعب بن سعد قال قلت لأبي يا ابتا أرأيت قول الله ( ^ الذين هم عن صلاتهم ساهون ) 107 سورة الماعون / الآية 5 أينا لا يسهو أينا لا يحدث نفسه قال إنه ليس ذاك ولكنه إضاعة الوقت سنن البيهقي 2/214 .
 وقال حيوة بن شريح أخبرني ابو صخر أنه سأل محمد بن كعب القرظي عن قوله ( ^ الذين هم عن صلاتهم ساهون ) 107 سورة الماعون / الآية 5 قال هو تاركها ثم سأله عن ( ^ الماعون ) 107 سورة الماعون / الآية 7 قال منع المال عن حقه تعظيم قدر الصلاة رقم 45 .
 إذا عرف هذا فالوعيد بالويل اطرد في القرآن للكفار كقوله ( ^ قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فاستنفدوه إليه واستغفروا وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون ) 41سورة

فصلت / الآيتان 6 و 7 وقوله ( ^ ويل لكل أفاك أثيم يسمع الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها فبشره بعذاب أليم وإذا علم من ءاياتنا شيئا اتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين ) 45 سورة الجاثية / الآيات 9-7 وقوله ( ^ وويل للكافرين من عذاب شديد ) 14 سورة إبراهيم / الآية 2 إلا في موضعين وهما ( ^ ويل للمطففين ) 83 سورة المطففين / الآية 1 و ( ^ ويل لكل همزة لمزة ) 104 سورة الهمزة / الآية 1 فعلق الويل بالتطفيف وبالهمز واللمز وهذا لا يكفر به بمجرده فويل تارك الصلاة إما ان يكون ملحقا بويل الكفار أو بويل الفساق فإلحاقه بويل الكفار أولى لوجهين .
 أحدهما أنه قد صح عن سعد ابن أبي وقاص في هذه الآية أنه قال لو تركوها لكانوا كفارا ولكن ضيعوا وقتها .
 الثاني ما سنذكر من الأدلة على كفره يوضحه .
 الدليل الخامس وهو قوله سبحانه ( ^ فخلف من بعدهم خلف اضاعوا الصلواة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا ) 19 سورة مريم / الآية 59.
 قال شعبة بن الحجاج حدثنا أبو إسحاق عن أبي عبيدة عن عبدالله هو ابن مسعود في هذه الآية قال هو نهر في جهنم خبيث الطعم بعيد القعر مستدرك الحاكم 2/374.
 قال محمد بن نصر تعظيم قدر الصلاة رقم 26 حدثنا عبدالله بن سعد بن إبراهيم حدثنا محمد بن زياد بن زبار حدثني شرقي بن القطامي قال حدثني لقمان بن عامر الخزاعي قال جئت أبا

أمامه الباهلي فقلت حدثني حديثا سمعته من رسول الله فقال سمعت من رسول الله يقول لو أن صخرة قذف بها من شفير جهنم ما بلغت قعرها سبعين خريفا ثم تنتهي إلى غي وأثام قلت وما غي وأثام قال بئران في اسفل جهنم يسيل فيهما صديد أهل جهنم فهذا الذي ذكره الله في كتابه ( فسوف يلقون غيا ) 19 سورة مريم / الآية 59 و ( ^ أثاما 25 سورة الفرقان /الآية 68 .
 قال محمد بن نصر تعظيم قدر الصلاة رقم 37 حدثنا الحسن بن عيسى حدثنا عبدالله بن المبارك أخبرنا هشيم بن بشير قال أخبرني زكريا ابن ابي مريم الخزاعي قال سمعت ابا امامة الباهلي يقول إن ما بين شفير جهنم إلى قعرها مسيرة خمسين خريفا من حجر يهوي أو قال صخرة تهوي عظمها كعشر عشراوات عظام سمان فقال له مولى لعبد الرحمن بن خالد بن الوليد هل تحت ذلك من شيء يا أبا أمامة قال نعم غي وأثام .
 وقال أيوب بن بشير عن شفي بن ماتع قال إن في جهنم واديا يسمى غيا يسيل دما وقيحا فهو لمن خلق له قال تعالى ( ^ فسوف يلقون غيا ) 19 سورة مريم / الآية 59 الدر المنثور 5/528.
 فوجه الدلالة من الآية أن الله سبحانه جعل هذا المكان من النار لمن أضاع الصلاة واتبع الشهوات ولو كان مع عصاة المسلمين لكانوا في الطبقة العليا من طبقات النار ولم يكونوا في هذا المكان الذي هو اسفلها فإن هذا ليس من أمكنة أهل الإسلام بل من أمكنه الكفار .
 ومن الآية دليل آخر وهو قوله تعالى ( ^ فسوف يلقون غيا إلا من تاب واءمن وعمل صالحا ) 19 سورة مريم / الآيتان 59 و 60

# فلو كان مضيع الصلاة مؤمنا لم يشترط في توبته الإيمان وأنه يكون تحصيلا للحاصل .
 الدليل السادس قوله تعالى ( ^ فإن تابوا وأقاموا الصلواة واءتوا الزكواة فإخوانكم في الدين 9 سورة التوبة / الآية 11 فعلق اخوتهم للمؤمنين بفعل الصلاة فإذا لم يفعلوا لم يكونوا إخوة المؤمنين فلا يكونوا مؤمنين لقوله تعالى ( ^ إنما المؤمنون إخوة ) 49 سورة الحجرات / الآية 10 .
 الدليل السابع قوله تعالى ( ^ فلا صدق ولا صلى ولكن كذب وتولى 75 سورة القيامة / الآيتان 31 و 32 فلما كان الإسلام تصديق الخبر والانقياد للأمر جعل سبحانه له ضدين عدم التصديق وعدم الصلاة وقابل التصديق بالتكذيب والصلاة بالتولي فقال ( ^ ولكن كذب وتولى ) 75 سورة القيامة / الآية 32 فكما أن المكذب كافر فالمتولي عن الصلاة كافر فكما يزول الإسلام بالتكذيب يزول بالتولي عن الصلاة .
 قال سعيد عن قتادة ( ^ فلا صدق ولا صلى ) 75 سورة القيامة / الآية 31 لا صدق بكتاب الله ولا صلى لله ولكن كذب بآيات الله وتولى عن طاعته ( ^ أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى ) 75 سورة القيامة / الآيتان 34 و 35 وعيد على إثر وعيد .
الدليل الثامن قوله تعالى ( ^ يا أيها الذين اءمنوا لا تلهكم أموالكم ولا اولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون ) 63 سورة المنافقون / الآية 9 # قال ابن جريج سمعت عطاء ابن ابي رباح يقول هي الصلاة المكتوبة الدر المنثور 8/180

ووجه الاستدلال بالآية إن الله حكم بالخسران المطلق لمن الهاه ماله وولده عن الصلاة والخسران المطلق لا يحصل إلا للكفار فإن المسلم ولو خسر بذنوبه ومعاصيه فآخر أمره إلى الربح يوضحه أنه سبحانه وتعالى اكد خسران تارك الصلاة في هذه الآية بأنواع من التأكيد .
 أحدهما إتيانه بلفظ الاسم الدال على ثبوت الخسران ولزومه دون الفعل الدال على التجدد والحدوث .
 الثاني تصدير الاسم بالألف واللام المؤدية لحصول كمال المسمى لهم فإنك إذا قلت زيد العالم الصالح أفاد ذلك إثبات كمال ذلك له بخلاف قولك عالم صالح .
 الثالث إتيانه سبحانه بالمبتدأ والخبر معرفتين وذلك من علامات انحصار الخبر في المبتدأ كما في قوله تعالى ( ^ وأولئلك هم المفلحون ) 2 سورة البقرة / الآية 5 وقوله تعالى ( ^ هم الظلمون ) ( ^ أولئك هم المؤمنون حقا ) 8 سورة الأنفال / الآية 4 ونظائره .
 الرابع إدخال ضمير الفصل بين المبتدأ والخبر وهو يفيد مع الفصل فائدتين اخريين قوة الاسناد واختصاص المسند إليه بالمسند كقوله ( وإن الله لهو الغني الحميد ) 22 سورة الحج / الآية 64 وقوله ( والله هو السميع العليم ) 5 سورة المائدة / الآية 76 وقوله ( ^ هو الغفور الرحيم ) 28 سورة القصص / الآية 16 ونظائر ذلك .
 التاسع قوله سبحانه ( ^ إنما يؤمن بئايتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون ) 32 سورة السجدة / الآية 15 ووجه الاستدلال بالآية أنه سبحانه نفى الإيمان عمن إذا

ذكروا بآيات الله لم يخروا سجدا مسبحين بحمد ربهم ومن أعظم التذكير بآيات الله التذكير بآيات الصلاة فمن ذكر بها ولم يتذكر ولم يصل ولم يؤمن بها لأنه سبحانه خص المؤمنين بها بأنهم اهل السجود وهذا من أحسن الاستدلال واقربه فلم يؤمن بقوله تعالى ( ^ وأقيمو الصلواة ) 2 سورة البقرة / الآية 43 إلا من التزم إقامتها .
 العاشر قوله تعالى ( ^ وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون ويل يومئذ للمكذبين ) 77 سورة المرسلات / الآيتان 48 و 49 ذكر هذا بعد قوله ( ^ كلوا وتمتعوا قليلا إنكم مجرمون ) 77 سورة المرسلات / الآية 46 ثم توعدهم على ترك الركوع وهو الصلاة إذا دعوا إليها ولا يقال إنما توعدهم على التكذيب فإنه سبحانه وتعالى إنما أخبر عن تركهم لها وعليه وقع الوعيد .
 على أنا نقول لا يصر على ترك الصلاة إصرارا مستمرا من يصدق بأن الله أمر بها اصلا فإنه يستحيل في العادة والطبيعة أن يكون الرجل مصدقا تصديقا جازما أن الله فرض عليه كل يوم وليلية خمس صلوات وأنه يعاقبه على تركها أشد العقاب وهو مع ذلك مصر على تركها هذا من المستحيل قطعا فلا يحافظ على تركها مصدق بفرضها أبدا فإن الايمان يأمر صاحبه بها فحيث لم يكن في قلبه مايأمر بها فليس في قلبه شيء من الإيمان .
 ولا تصغ إلى كلام من ليس له خبره ولا علم بأحكام القلوب وأعمالها وتأمل في الطبيعة بأن يقوم بقلب العبد إيمان بالوعد والوعيد والجنة والنار وأن الله فرض عليه الصلاة وأن الله يعاقبه معاقبة على تركها وهو محافظ على الترك في صحته وعافيته وعدم الموانع المانعة له

من الفعل وهذا القدر هو الذي خفي على من جعل الإيمان مجرد التصديق وإن لم يقارنه فعل واجب ولا ترك محرم وهذا من امحل المحال ان يقوم بقلب العبد إيمان جازم لا يتقاضاه فعل طاعة ولا ترك معصية .
 ونحن نقول الإيمان هو التصديق ولكن ليس التصديق مجردا اعتقادا صدق المخبر دون الانقياد له ولو كان مجرد اعتقاد التصديق إيمانا لكان إبليس وفرعون وقومه وقوم صالح واليهود الذين عرفوا أن محمدا رسول الله كما يعرفون أبناءهم مؤمنين مصدقين وقد قال تعالى ( فإنهم لا يكذبونك ) 6 سورة الأنعام / الآية 33 اي يعتقدون أنك صادق ( ولكن الظالمين بئايات الله يجحدون ) 6 سورة الأنعام / الآية33 والجحود لا يكون إلا بعد معرفة الحق قال تعالى ( ^ وجحدوا بها واستيقنتها انفسهم ظلما وعلوا ) 27 سورة النمل / الآية 14 وقال موسى لفرعون ( ^ لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض بصائر ) 17 سورة الإسراء / الآية 102 وقال تعالى عن اليهود ( ^ يعرفونه كما يعرفون ابناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون ) 2 سورة البقرة / الآية 146 وأبلغ من هذا قول النفرين اليهوديين لما جاءا إلى النبي وسألاه عما دلهما على نبوته فقالا نشهد أنك نبي فقال ما يمنعكما من اتباعي قالا إن داود دعا أن لا يزال في ذريته نبي وإنا نخاف إن اتبعناك أن تقتلنا اليهود النسائي رقم 4078 الترمذي رقم 2734 و 3143 .
 فهؤلاء قد اقروا بألسنتهم إقرارا مطابقا لمعتقدهم أنه نبي ولم يدخلوا بهذا التصديق والإقرار في الإيمان لأنهم لم يلتزموا طاعته والانقياد لأمره ومن هذا كفر أبي طالب فإنه عرف حقيقة المعرفة أنه صادق وأقر بذلك بلسانه وصرح به في شعره ولم يدخل بذلك في الإسلام

فالتصديق إنما يتم بأمرين .
. أحدهما اعتقاد الصدق.
 والثاني محبة القلب وانقياده .
 ولهذا قال تعالى لإبراهيم ( ^ ياإبراهيم قد صدقت الرؤيا ) 37 سورة الصافات /الآيتان 104 و105 وإبراهيم كان معتقدا لصدق رؤياه من حين رآها فإن رؤيا الأنبياء وحي وإنما جعله مصدقا لها بعد أن فعل ما أمر به .
 وكذلك قوله والفرج يصدق ذلك كله أو يكذبه البخاري رقم 6243 مسلم رقم 2657 فجعل التصديق عمل الفرج لا ما يتمنى القلب والتكذيب تركه لذلك وهذا صريح في ان التصديق لا يصح إلا بالعمل .
 وقال الحسن ابن ابي شيبة 11 / 22 ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل وقد روي هذا مرفوعا الكامل لابن عدي 6/2290 # والمقصود أنه يمتنع مع التصديق الجازم بوجوب الصلاة والوعد على فعلها والوعيد على تركها وبالله التوفيق
 فصل في الاستدلال بالسنة
 # وأما الاستدلال بالسنة على ذلك فمن وجوه.
 الدليل الأول ما رواه مسلم في صحيحه رقم 82 عن جابر بن

عبدالله قال قال رسول الله بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة .
 رواه أهل السنن أبو داود رقم 4687 والترمذي رقم 2622 وصححه الترمذي .
 الدليل الثاني ما رواه بريدة بن الحصيب الأسلمي قال سمعت رسول الله يقول العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر رواه الامام احمد المسند 5/346 واهل السنن النسائي رقم 2463 الترمذي رقم 2623 ابن ماجة رقم 1079 وقال الترمذي حديث صحيح إسناده على شرط مسلم .
الدليل الثالث ما رواه ثوبان مولى رسول الله قال سمعت رسول الله يقول بين العبد وبين الكفر والإيمان الصلاة فإذا تركها فقد أشرك رواه هبةالله الطبري وقال إسناده صحيح على شرط مسلم الترغيب والترهيب 1/379 .
 الدليل الرابع ما رواه عبدالله بن عمرو بن العاص عن النبي أنه ذكر الصلاة يوما فقال من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نورا ولا برهانا ولا نجاة وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وابي بن خلف رواه الامام احمد في مسنده 2/ 169 وابو حاتم ابن حبان في صحيحه رقم 1467 .
 وإنما خص هؤلاء الاربعة بالذكر لأنهم من رؤس الكفرة .
 وفيه نكتة بديعة وهو أن تارك المحافظة على الصلاة إما أن يشغله ماله أو ملكه أو رياسته او تجارته فمن شغله عنها ماله فهو مع قارون

ومن شغله عنها ملكه فهو مع فرعون ومن شغله عنها رياسة ووزارة فهو مع هامان ومن شغله عنها تجارته فهو مع أبي بن خلف.
 الدليل الخامس ما رواه عبادة بن الصامت قال اوصانا رسول الله فقال لا تشركوا بالله شيئا وإن قطعتم او حرقتم او صلبتم ولا تتركوا الصلاة عمدا فمن تركها عمدا متعمدا فقد خرج من الملة ولا تقربوا الخمر فإنها رأس الخطايا رواه عبدالرحمن ابن أبي حاتم في سننه مجمع الزوائد 4/ 216 تعظيم قدر الصلاة رقم 920 .
الدليل السادس ما رواه معاذ بن جبل قال قال رسول الله من ترك صلاة مكتوبة متعمدا فقد برئت منه ذمة الله رواه الإمام أحمد المسند 5/238 ولو كان باقيا على إسلامه لكانت له ذمة الإسلام .
 الدليل السابع ما رواه أبو الدرداء قال اوصاني ابو القاسم أن لا أترك الصلاة متعمدا فمن تركها متعمدا فقد برئت منه الذمة رواه عبدالرحمن ابن أبي حاتم في سننه مجمع الزوائد 4/217-216 .
 الدليل الثامن ما رواه معاذ بن جبل عن النبي أنه قال رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة تعظيم قدر الصلاة رقم 195 وهو حديث صحيح مختصر .
 الاستدلال به أنه أخبر أن الصلاة من الأسلام بمنزلة العمود الذي تقوم عليه الخيمة فكما تسقط الخيمة بسقوط عمودها فهكذا يذهب الاسلام بذهاب الصلاة وقد احتج أحمد بهذا بعينه .
 الدليل التاسع في الصحيحين البخاري رقم 8 مسلم رقم 16 والسنن الترمذي رقم 2736 النسائي رقم 5001 والمسانيد

من حديث عبدالله بن عمر قال قال رسول الله بني الاسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان رواه الإمام أحمد المسند 2/26 و 143 وفي بعض الفاظه الاسلام خمس فذكره.
 ووجه الاستدلا به من وجوه .
 أنه جعل الاسلام كالقبة المبنية على خمسة أركان فإذا وقع ركنها الاعظم وقعت قبة الإسلام .
 أنه جعل هذه الاركان في كونها أركانا لقبة الأسلام قرينة الشهادتين فهما ركن والصلاة ركن والزكاة ركن فما بال قبة الإسلام تبقى بعد سقوط أحد أركانها دون بقية أركانها .
 الثالث أنه جعل هذه الأركان نفس الإسلام وداخلة في مسمى اسمه وما كان اسما لمجموع أمور إذا ذهب بعضها ذهب ذلك المسمى ولا سيما إذا كان من اركانه لا من اجزائه التي ليست بركن له كالحائظ للبيت فإنه إذا سقط البيت بخلاف العود والخشبة واللبنة ونحوها .
 الدليل العاشر قول رسول الله من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فهو المسلم له ما لنا وعليه ما علينا البخاري رقم 391 .
 ووجه الدلالة فيه من وجهين .
 أنه إنما جعله مسلما بهذه الثلاثة فلا يكون مسلما بدونها الثاني أنه صلى إلى الشرق لم يكن مسلما حتى يصلي إلى قبلة المسلمين فكيف إذا ترك الصلاة بالكلية

الدليل الحادي عشر وما رواه الدارقي عبد الله عبدالله بن عبدالرحمن تعظيم قدرالصلاة رقم 175 قال حدثنا يحيى بن حسان حدثنا سليمان بن قرم عن ابي يحيى القتات عن مجاهد عن جابر بن عبدالله عن النبي قال مفتاح الجنة الصلاة الترمذي رقم 4 مسند أحمد 3/340 .
 وهذا يدل على أن من لم يكن من أهل الصلاة لم تفتح له الجنة وهي تفتح لكل مسلم فليس تاركها مسلم ولا تناقض بين هذا وبين الحديث الآخر وهو قوله مفتاح الجنة شهادة أن لا إله إلا الله مسند أحمد 5/242 فإن الشهادة أصل المفتاح والصلاة وبقية الأركان أسنانه التي لا يحصل الفتح إلا بها إذ دخول الجنة موقوف على المفتاح وأسنانه .
البخاري تعليقا فتح الباري 3/131 وقيل لوهب بن منبه أليس مفتاح الجنة لاإله إلا الله قال بلى ولكن ليس مفتاح إلا وله أسنان فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك وإلا لم يفتح لك .
 الدليل الثاني عشر ما رواه محجن بن الادرع الاسلمي أنه كان في مجلس مع النبي فأذن بالصلاة فقام النبي ثم رجع ومحجن في مجلسه فقال له ما منعك أن تصلي الست برجل مسلم قال بلى ولكني صليت في أهلي فقال له إذا جئت فصل مع الناس وإن كنت قد صليت رواه الامام احمد المسند 4/34 والنسائي رقم 857 .
 فجعل الفارق بين المسلم والكافر الصلاة وأنت تجد تحت الفاظ

الحديث إنك لو كنت مسلما لصليت وهذا كما تقول مالك كل لا تتكلم ألست بناطق وما لك لا تتحرك ألست بحي ولو كان الاسلام يثبت مع عدم الصلاة لما قال لمن رآه لا يصلي الست برجل مسلم
 فصل في الاستدلال بإجماع الصحابة
  إجماع الصحابة فقال ابن زنجويه حدثنا عمر بن الربيع حدثنا يحيى بن أيوب عن يونس عن ابن شهاب قال حدثني عبيدالله بن عبدالله بن عتبة ان عبدالله بن عباس اخبره انه جاء عمر بن الخطاب حين طعن في المسجد قال فاحتملته انا ورهط كانوا معي في المسجد حتى ادخلناه بيته قال فأمر عبدالرحمن بن عوف ان يصلي بالناس قال فلما دخلنا على عمر بيته غشي عليه من الموت فلم يزل في غشيته حتى اسفر ثم افاق فقال هل صلى الناس قال فقلنا نعم فقال لا إسلام لمن ترك الصلاة وفي سياق آخر لا حظ في الاسلام لمن ترك الصلاة ثم دعا بوضوء فتوضأ وصلى وذكر القصة تعظيم قدر الصلاة رقم 923 .
 فقال هذا بمحضر من الصحابة ولم ينكروه عليه وقد تقدم مثل ذلك عن معاذ بن جبل وعبدالرحمن بن عوف وابي هريرة ولا يعلم عن صحابي خلافهم .
 وقال الحافظ عبدالحق الاشبيلي رحمه الله في كتابه في الصلاة ذهب جملة من الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم إلى تكفير تارك الصلاة متعمدا لتركها حتى يخرج جميع وقتها منهم عمر بن الخطاب ومعاذ بن

جبل وعبدالله بن مسعود وابن عباس وجابر وابو الدرداء وكذلك روي عن علي ابن ابي طالب كرم الله وجهه هؤلاء من الصحابة ومن غيرهم أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهوية وعبدالله بن المبارك وإبراهيم النخعي والحكم بن عيينة وأيوب السختياني وأبو داود الطيالسي وابو بكر ابن أبي شيبة وابو خيثمة زهير بن حرب .
 المانعون من التكفير يجب حمل هذه الاحاديث وما شاكلها على كفر النعمة دون كفر الجحود كقوله من تعلم الرمي ثم تركها فهي نعمة كفرها أبو داود رقم 2513 النسائي رقم 3578 .
 وقوله لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم البخاري رقم 6830 مسلم رقم 62 # تبرؤه من نسب وإن دق كفر بعد إيمان مسند أحمد 2/215 .
 سباب المسلم فسوق وقتاله كفر البخاري رقم 48 مسلم رقم 64.
 من أتى امرأة في دبرها فقد كفر بما أنزل على محمد مسند أحمد 2/408 الترمذي رقم 135 أبو داود رقم 3904 ابن ماجه رقم 639 .
 من حلف بغير الله فقد كفر رواه الحاكم في صحيحه 1/18 بهذا اللفظ # وقوله اثنتان في امتي هما بهم كفر الطعن في الانساب والنياحة على الميت مسلم رقم 67

ونظائر ذلك كثيرة .
 قالوا وقد نفى النبي الإيمان عن الزاني والسارق وشارب الخمر والمنتسب ولم يوجب زوال هذا عنهم الاسم عنهم كفر الجحود والخلود في النار فكذلك كفر تارك الصلاة ليس بكفر جحود ولا يوجب التخليد في الجحيم وقد قال النبي لا إيمان لمن لا أمانة له مسند أحمد 3/135 فنفى عنه الإيمان ولا يوجب ترك أداء الأمانة أن يكون كافرا كفرا ينقل عن الملة .
 وقد قال ابن عباس في قوله تعالى ( ^ ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) 5 سورة المائدة / الآية 44 ليس بالكفر الذي يذهبون إليه .
 قال طاووس سئل ابن عباس عن هذه الآية فقال هو به كفر وليس كمن كفر بالله وملائكته وكتبه ورسله .
 قال أيضا كفر لا ينقل عن الملة .
 وقال سفيان عن ابن جريح عن عطاء كفر دون كفر وظلم دون ظلم وفسق دون فسق
 فصل في الحكم بين الفريقين وفصل الخطاب بين الطائفين
 # معرفة الصواب في هذه المسألة مبني على معرفة حقيقة الإيمان والكفر ثم يصح النفي والإثبات بعد ذلك فالكفر والإيمان متقابلان إذا زال أحدهما خلفه الآخر


# كان الإيمان أصلا له شعب متعددة وكل شعبة منها تسمى إيمانا فالصلاة من الإيمان وكذلك الزكاة والحج والصيام والأعمال الباطنة كالحياء والتوكل والخشية من الله والإنابة إليه حتى تنتهي هذه الشعب إلى إماطة الأذى عن الطريق فإنه شعبة من شعب الإيمان .
 وهذه الشعب منها ما يزول الإيمان بزوالها كشعبة الشهادة ومنها ما لا يزول بزوالها كترك إماطة الأذى عن الطريق وبينهما شعب متفاوتة تفاوتا عظيما منها ما يلحق بشعبة الشهادة ويكون إليها أقرب ومنها ما يلحق بشعبة إماطة الأذى ويكون إليها أقرب .
 وكذلك الكفر ذو أصل وشعب فكما أن شعب الإيمان إيمان فشعب الكفر كفر والحياء شعبة من الإيمان وقلة الحياء شعبة من شعب الكفر والصدق شعبة من شعب الإيمان والكذب شعبة من شعب الكفر والصلاة والزكاة والحج والصيام من شعب الإيمان وتركها من شعب الكفر والحكم بماأنزل الله من شعب الإيمان والحكم بغير ما أنزل الله من شعب الكفر والمعاصي كلها من شعب الكفر كما ان الطاعات كلها من شعب الإيمان .
 الإيمان قسمان قولية وفعلية وكذلك شعب الكفر نوعان قولية وفعلية ومن شعب الإيمان القولية شعبة يوجب زوالها زوال الإيمان فكذلك من شعبة الفعلية ما يوجب زوالها زوال الإيمان وكذلك شعب الكفر القولية والفعلية فكما يكفر بالأتيان بكلمة الكفر اختيارا وهي شعبة من شعب الكفر فكذلك يكفر بفعل شعبة من شعبه كالسجود للصنم والاستهانة بالمصحف فهذا اصل .
 وها هنا أصل آخر وهو ان حقيقة الإيمان مركبة من قول وعمل والقول قسمان قول القلب وهو الاعتقاد وقول اللسان وهوالتكلم بكلمة

الإسلام والعمل قسمان عمل القلب وهو نيته وإخلاصه وعمل الجوارح فإذا زالت هذه الأربعة زال الإيمان بكماله وإذا زال تصديق القلب لم تنفع بقية الأجزاء فإن تصديق القلب شرط في اعتقادها وكونها نافعة وإذا زال عمل القلب مع اعتقاد الصدق فهذا موضع المعركة بين المرجئة وأهل السنة #
 فأهل السنة مجمحون على زوال الإيمان وأنه لا ينفع التصديق مع انتفاء عمل القلب وهومحبته وانقياده كما لم ينفع إبليس وفرعون وقومه واليهود والمشركين الذين كانوا يعتقدون صدق الرسول بل ويقرون به سرا وجهرا ويقولون ليس بكاذب ولكن لا نتبعه ولا نؤمن به وإذا كان الإيمان يزول بزوال عمل القلب فغير مستنكر أن يزول بزوال أعظم اعمال الجوارح ولا سيما إذا كان ملزوما لعدم محبة القلب وانقياده الذي هو ملزوم لعدم التصديق الجازم كما تقدم تقريره فإنه يلزمه من عدم طاعة القلب عدم طاعة الجوارح إذ لو اطاع القلب وانقاد أطاعت الجوارح وانقادت ويلزم من عدم طاعته وانقياده عدم التصديق المستلزم للطاعة وهو حقيقة الإيمان فإن الإيمان ليس مجرد التصديق كما تقدم بيانه وإنما هو التصديق المستلزم للطاعة والانقياد وهكذا الهدى ليس هو مجرد معرفة الحق وتبينه بل هو معرفته المستلزمة لاتباعه والعمل بموجبه وإن سمي الأول هدى فليس هو الهدى التام المستلزم للاهتداء كما أن اعتقاد التصديق وإن سمي تصديقا فليس هو التصديق المستلزم للإيمان فعليك بمراجعة هذا الأصل ومراعاته


 فصل في نوعي الكفر
 # وها هنا أصل آخر وهو أن الكفر نوعان كفر عمل وكفر جحود وعناد #
الجحود أن يكفر بما علم أن الرسول جاء به من عند الله جحودا وعنادا من اسماء الرب وصفاته وأفعاله وأحكامه وهذا الكفر يضاد الإيمان من كل وجه #
 وأما كفر العمل فينقسم إلى ما يضاد الإيمان وإلى ما لا يضاده فالسجود للضم والاستهانة بالمصحف وقتل النبي وسبه يضاد الإيمان وأما الحكم بغير ما أنزل الله وترك الصلاة فهو من الكفر العملي قطعا ولا يمكن أن ينفي عنه اسم الكفر بعد أن اطلقه الله ورسوله عليه فالحاكم بغير ما انزل الله كافر وتارك الصلاة كافر بنص رسول الله ولكن هو كفر عمل لا كفر اعتقاد ومن الممتنع أن يسمي الله سبحانه الحاكم بغير ما انزل الله كافرا ويسمى رسول الله تارك الصلاة كافرا ولا يطلق عليهما اسم كافر وقد نفى رسول الله الإيمان عن الزاني والسارق وشارب الخمر وعمن لا يأمن جاره بوائقه وإذا نفي عنه اسم الإيمان فهو كافر من جهة العمل وانتفى عنه كفر الجحود والاعتقاد #
وكذلك قوله لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض البخاري رقم 1739 مسلم رقم 1679 فهذا كفر عمل #
 وكذلك قوله من أتى كاهنا فصدقه أو امرأة في دبرها فقد كفر بما

أنزل على محمد مسند أحمد 2/408 الترمذي رقم 135 أبو داود رقم 3904 ابن ماجة رقم 639 # وقوله إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها احدهما البخاري رقم 6103 مسلم رقم 60 #
 وقد سمى الله سبحانه وتعالى من عمل ببعض كتابه وترك العمل ببعضه مؤمنا بما عمل به وكافرا بما ترك العمل به فقال تعالى ( ^ وإذا اخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان وإن يأتوكم أسرى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم افتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحيواة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون ) 2 سورة البقرة / الآيتان 84 و 85 فاخبر سبحانه أنهم أقروا بميثاقه الذي أمرهم به والتزموه به وهذا يدل على تصديقهم به أنهم لا يقتل بعضهم بعضا ولا يخرج بعضهم بعضا من ديارهم ثم أخبر أنهم عصوا امره وقتل فريق منهم فريقا وأخرجوهم من ديارهم فهذا كفرهم بما أخذ عليهم في الكتاب ثم أخبر انهم يفدون من اسر من ذلك الفريق وهذا إيمان منهم بماأخذ عليهم في الكتاب فكانوا مؤمنين بما عملوا به من الميثاق كافرين بما تركوه منه فالإيمان العملي يضاده الكفر العملي والإيمان الاعتقادي يضاده الكفر الاعتقادي #
 وقد اعلن النبي بما قلناه في قوله في الحديث الصحيح سباب المسلم فسوق وقتاله كفر البخاري رقم 48 مسلم رقم 64 ففرق بين قتاله وسبابه وجعل احدهما فسوقا لا يكفر به والآخر كفر ومعلوم أنه

إنما أراد الكفر العلمي لا الاعتقادي وهذا الكفر لا يخرجه من الدائرة الأسلامية والملة بالكلية كما لا يخرج الزاني والسارق والشارب من الملة وإن زال عنه اسم الإيمان #
وهذا التفصيل هو قول الصحابة الذين هم اعلم الأمة بكتاب الله وبالاسلام والكفر ولوازمهما فلا تتلقى هذه المسائل إلا عنهم فإن المتأخرين لم يفهموا مرادهم فانقسموا فريقين فريقا اخرجوا من الملة بالكبائر وقضوا على اصحابها بالخلود في النار وفريقا جعلوهم مؤمنين كاملي الإيمان فهؤلاء غلوا وهؤلاء جفوا وهدى الله اهل السنة للطريقة المثلى والقول الوسط الذي هو في المذاهب كالإسلام في الملل فها هنا كفر دون كفر ونفاق دون نفاق وشرك دون شرك وفسوق دون فسوق وظلم دون ظلم # قال سفيان بن عيينة عن هشام بن حجير عن طاووس عن ابن عباس في قوله تعالى ( ^ ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الكفرون ) ه سورة المائدة / الآية 44 ليس هو بالكفر الذي يذهبون إليه #
 عبدالرزاق أخبرنا معمر عن ابن طاووس عن ابيه قال سئل ابن عباس عن قوله ( ^ ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكفرون ) 5 سورة المائدة الآية 44 قال هو بهم كفر وليس كمن كفر بالله وملائكته كتبه ورسله #
 وقال في رواية أخرى عنه كفر لا ينقل عن الملة #
 وقال طاووس ليس بكفر ينقل عن الملة

# وقال وكيع عن سفيان عن ابن جريج عن عطاء كفر دون كفر وظلم دون ظلم وفسق دون فسق # الذي قاله عطاء بين في القرآن لمن فهمه فإن الله سبحانه سمى الحاكم بغير ما أنزله كافرا وسمى جاحدا ما أنزله على رسوله كافرا وليس الكافران على حد سواء وسمى الكافر ظالما كما في قوله تعالى ( ^ والكافرون هم الظالمون ) 2 سورة البقرة / الآية 254 وسمى متعدي حدوده في النكاح والطلاق والرجعة والخلع ظالما فقال ( ^ ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه ) 65 سورة الطلاق / الآية 1 وقال نبيه يونس ( لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ) 21 سورة الأنبياء / الآية 87 وقال صفية آدم ( ^ ربنا ظلمنا أنفسنا ) 7 سورة الأعراف الآية 23 وقال كليمه موسى ( ^ رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي ) 28 سورة القصص / الآية 16 وليس هذا الظلم مثل ذلك الظلم #
 الكافر فاسقا كما في قوله كما في قوله ( ^ وما يضل به إلا الفسقين الذين ينقضون عهج الله من بعد ميثقه ) 2 سورة البقرة / الآيتان 26 و 27 الآية وقوله ( ( ^ ولقد أنزلنا إليك آيت بينت يكفر بها إلا الفسقون ) 2 سورة البقرة / الآية 99 وهذا كثير في القرآن # المؤمن من فاسق كما في قوله ( ^ يأيها الذين ءامنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهلة فتصبحوا على ما فعلتم ندمين ) 49 سورة الحجرات / الآية 6 نزلت في الحكم ابن أبي العاص وليس الفاسق كالفاسق وقال تعالى ( والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمنين جلدة ولا تقبلوا لهم شهدة أبدا وألئك هم الفاسقون ) 24 سورة النور / الآية 4

وقالعن ابليس ( ^ ففسق عن امر ربه ) 18 سورة الكهف / الآية 50 وقال ( ^ فمن فرش فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ) 2 سورة البقرة / الآية 197 وليس الفسوق كالفسوق # والكفر كفران والظلم ظلمان والفسق فسقان وكذا الجهل جهلان # جهل كفر كما في قوله تعالى ( ^ خذ العفو وأمر بالعرف واعرض عن الجاهلين ) 7 سورة الأعراف / الآية 199 #
غير كفر كقوله تعالى ( ^ إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهلة ثم يتوبون من قريب ) 4 سورة النساء / الآية 17 # كذلك الشرك شركان شرك ينقل عن الملة وهو الشرك الأكبر وشرك لا ينقل عن الملة وهو الشرك الأصغر وهو شرك العمل كالرياء # تعالى في الشرك الأكبر ( ^ إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار ) 5 سورة المائدة / الآية 72 وقال ( ^ ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير او تهوي به الريح في مكان سحيق ) 22 سورة الحج /الآية 31 # شرك الرياء ( ^ فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه احدا ) 18 سورة الكهف / الآية 110 #
 ومن هذا الشرك الأصغر قوله من حلف بغير الله فقد اشرك رواه ابو داود رقم 3251 وغيره مسند أحمد 2/125 الترمذي رقم 1535 # أن حلفه بغير الله لا يخرجه عن الملة ولا يوجب له حكم الكفار

ومن هذا قوله الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل مسند أحمد 4/403 # فانظر كيف انقسم الشرك والكفر والفسوق والظلم والجهل إلى ما هو كفر ينقل عن الملة وإلى ما لا ينقل عنها #
 النفاق نفاقان نفاق اعتقاد ونفاق عمل #
فنفاق الاعتقاد هو الذي أنكره الله على المنافقين في القرآن واوجب لهم الدرك الأسفل من النار #
ونفاق العمل كقوله في الحديث الصحيح آية المنافق ثلاث ْإذا حدث كذب وإذا وعد اخلف وإذا ائتمن خان البخاري رقم 33 مسلم رقم 59 #
وفي الصحيح ايضا أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر وإذا ائتمن خان البخاري رقم 34 مسلم رقم 58 #
 فهذا نفاق عمل قد يجتمع مع اصل الايمان ولكن إذا استحكم وكمل فقد ينسلخ صاحبه عن الإسلام بالكلية وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم فإن الإيمان ينهى المؤمن عن هذه الخلال فإذا كملت في العبد ولم يكن له ما ينهاه عن شيء منها فهذا لايكون إلا منافقا خالصا #
 الإمام أحمد يدل على هذا فإن إسماعيل بن سعيد الشالنجي قالسألت أحمد ابن حنبل عن المصر على الكبائر يطلبها بجهده إلا أنه لم يترك الصلاة والزكاة والصوم وهل يكون مصرا من كانت هذه حاله

قال هو مصر مثل قوله لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن يخرج من الإيمان ويقع في الإسلام ونحو قوله لا يشرب الخمر حين بشربها وهو مؤمن ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن البخاري رقم 2475 مسلم رقم 57 ونحو قول ابن عباس في قوله تعالى ( ^ ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) 5 سورة المائدة / الآية 44 قال اسماعيل فقلت له ما هذا الكفر قال كفر لا ينقل عن الملة مثل الإيمان بعضه دون بعض فكذلك الكفر حتى يجيء من ذلك أمر لا يختلف فيه
 فصل في اجتماع الكفر والإيمان
 # وههنا أصل آخر وهو أن الرجل قد يجتمع فيه كفر وإيمان وشرك وتوحيد وتقوى وفجور ونفاق وإيمان هذا من أعظم اصول أهل السنة وخالفهم فيه غيرهم من أهل البدع كالخوارج والمعتزلة والقدرية ومسألة خروج أهل الكبائر من النار وتخليدهم فيها مبنية على هذا الأصل # وقد دل عليه القرآن والسنة والفطرة وإجماع الصحابة # قال تعالى ( ^ وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) 12 سورة يوسف / الآية 106 فأثبت لهم إيمانا به سبحانه مع الشرك #
قال تعالى ( ^ قالت الاعراب ءامنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الايمن في قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من اعمالكم شيئا إن الله غفور رحيم 49 سورة الحجرات / الآية 14 فأثبت لهم إسلاما وطاعة لله ورسوله مع نفي الإيمان عنهم وهو الإيمان المطلق الذي يستحق اسمه بمطلقه ( ^ الذين

ءامنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجهدوا بأموالهم وانفسهم في سبيل الله ) 49 سورة الحجرات / الآية 15 وهؤلاء ليسوا منافقين في اصح القولين بل هم مسلمون بما معهم من طاعة الله ورسوله وليسوا مؤمنين وإن كان معهم جزء من الإيمان أخرجهم من الكفار #
قال الإمام احمد من أتى هذه الأربعة أو مثلهن او فوقهن يرد الزنا والسرقة وشرب الخمر والانتهاب فهو مسلم ولا اسمية مؤمنا ومن اتى دون ذلك يريد دون الكبائر سميته مؤمنا ناقص الإيمان فقد دل على هذا قوله فمن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق البخاري رقم 34 مسلم رقم 58 فدل على أنه يجتمع في الرجل نفاق وإسلام #
 الرياء شرك فإذا راءى الرجل في شيء من عمله اجتمع فيه الشرك والإسلام وإذا حكم بغير ما أنزل الله أو فعل ما سماه رسول الله كفرا وهو ملتزم للإسلام وشرائعه فقد قام به كفر وإسلام #
بينا ان المعاصي كلها شعب من شعب الكفر كما ان الطاعات كلها شعب من شعب الإيمان فالعبد تقوم به شعبة أو اكثر من شعب الإيمان وقد يسمى بتلك الشعبة مؤمنا وقد لا يسمى كما أنه قد يسمى بشعبة من شعب الكفر كافرا وقد لا يطلق عليه هذا الاسم # فها هنا امران امر اسمي لفظي وأمر معنوي حكمي #
 فالمعنوي هل هذه الخصلة كفر أم لا واللفظي هل يسمى من قامت به كافرا أم لا # فالأمر الأول شرعي محضن والثاني لغوي وشرعي


 فصل في أنه لا يلزم من القيام بالجزء التسمية بالكل
 # هنا اصل آخر وهو أنه لا يلزم من قيام شعبة من شعب الإيمان بالعبد ان يسمى مؤمنا وإن كان ما قام به إيمانا ولا من قيام شعبة من شعب الكفر به أن يسمى كافرا وإن كان ما قام به كفرا كماأنه لا يلزم من قيام جزء من اجزاء العلم به ان يسمى عالما ولا من معرفة بعض مسائل الفقه والطب أن يسمى فقهيا ولا طبيبا ولا يمنع ذلك ان تسمى شعبة الايمان إيمانا وشعبة النفاق نفاقا وشعبة الكفر كفرا وقد يطلق عليه الفعل كقوله فمن تركها فقد كفر الترمذي رقم 2623 النسائي رقم 463 ومن حلف بغير الله فقد كفر الترمذي رقم 1535 أبو داود رقم 3251 وقوله من اتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر ومن حلف بغير الله فقد كفر رواه الحاكم في صحيحه 1/18 و 4/297 بهذا اللفظ #
 فمن صدر منه خلة من خلال الكفر فلا يستحق اسم كافر على الإطلاق وكذا يقا لمن ارتكب محرما إنه فعل فسوقا وإنه فسق بذلك المحرم ولا يلزمه اسم فاسق إلا بغلبة ذلك عليه وهكذا الزاني والسارق والشارب والمنتهب لا يسمى مؤمنا وإن كان معه إيمان كما أنه لا يسمى كافرا وإن كان ما أتى به من خصال الكفر وشعبه إذ المعاصي كلها من شعب الكفر كما ان الطاعات كلها من شعب الإيمان #
 أن سلب الإيمان من تارك الصلاة أولى من سلبه عن

مرتكب الكبائر وسلب اسم الاسلام عنه اولى من سلبه عمن لم يسلم المسلمون من لسانه ويده فلا يسمى تارك الصلاة مسلما ولا مؤمنا وإن كان شعبة من شعب الإسلام والإيمان #
نعم يبقى ان يقال فهل ينفعه ما معه من الإيمان في عدم الخلود في النار فيقال ينفعه إن لم يكن المتروك شرطا في صحة الباقي واعتباره وإن كان المتروك شرطا في اعتبار الباقي لم ينفعه ولهذا لم ينفع الإيمان بالله ووحدانيته وأنه لا إله إلا هو من أنكر رسالة محمد ولا تنفع الصلاة من صلاها عمدا بغير وضوء فشعب الإيمان قد يتعلق بعضها ببعض تعلق المشروط بشرطه وقد لايكون كذلك
 الصلاة شرط لصحة الإيمان
 # فيبقى النظر في الصلاة هل هي شرط لصحة الإيمان #
 هذا سر المسألة والأدلة التي ذكرناها وغيرها تدل على أنه لا يقبل من العبد شيء من اعماله إلا بفعل الصلاة فهي مفتاح ديوانه ورأس مال ربحه ومحال بقاء الربح بلا رأس مال فإذا خسرها خسر أعماله كلها وإن اتى بها صورة #
 أشار إلى هذا في قوله فإن ضيعها فهو لما سواها أضيع الموطأ 1/6 وفي قوله إن أول ما ينظر في شيء من اعماله بعد راجع ابو داود رقم 413 و 864 والنسائي رقم 465 وابن ماجة رقم 1425 و 1426 والحاكم 1/262 و 263 ومجمع الزوائد 1/291 و 292

# العجب ان يقع الشك في كفر من أصر على تركها ودعى إلى فعلها على رؤوس الملأ وهو يرى بارقة السيف على رأسه ويشد للقتل وعصبت عيناه وقيل له تصلي وإلا قتلناك فيقول اقتلوني ولا اصلي ابدا #
ومن لا يكفر تارك الصلاة يقول هذا مؤمن مسلم يغتسل ويصلي عليه ويدفن في مقابر المسلمين وبعضهم يقول إنه مؤمن كامل الإيمان إيمانه كإيمانه جبريل وميكائيل فلا يستحي من هذا قوله من إنكاره تكفير من شهد بكفره الكتاب والسنة واتفاق الصحابة والله الموفق
 فصل في سياق اقوال العلماء من التابعين ومن بعدهم في كفر تارك الصلاة ومن حكى الإجماع على ذلك #
 قال محمد بن نصر تعظيم قدر الصلاة رقم 978 حدثنا محمد بن يحيى حدثنا أبو النعمان حدثنا حماد بن زيد عن ايوب قال ترك الصلاة كفر لا يختلف فيه #
وحكى محمد بن نصر 979 عن ابن المبارك قال من أخر صلاة حتى يفوت وقتها متعمدا من غير عذر فقد كفر #
وقال علي بن الحسن بن شقيق سمعت عبدالله بن المبارك يقول من قال إني لا أصلي المكتوبة اليوم فهو اكفر من حمار تعظيم قدر الصلاة رقم 980

# وقال يحيى بن معين قيل لعبدالله بن المبارك إن هؤلاء يقولون من لم يصم ولم يصل بعد أن يقر به فهو مؤمن مستكمل الإيمان فقال عبدالله لا نقول نحن ما يقول هؤلاء من ترك الصلاة متعمدا من غير علة حتى أدخل وقتا في وقت فهو كافر تعظيم قدر الصلاة رقم 981 #
 وقال ابن أبي شيبة قال النبي من ترك الصلاة فقد كفر فيقال له ارجع عن الكفر فإن فعل وإلا قتل بعد أن يؤجله الوالي ثلاثة أيام تعظيم قدر الصلاة رقم 988 #
 وقال أحمد بن يسار سمعت صدقة بن الفضل وسئل عن تارك الصلاة فقال كافر فقال له السائل أتبين منه امرأته فقال صدقة وأين الكفر من الطلاق لو أن رجلا كفر ولم تطلق منه امرأته تعظيم قدر الصلاة رقم 989 #
 قال أب و عبدالله محمد بن نصر تعظيم قدر الصلاة رقم 990 سمعت إسحاق يقول صح عن النبي أن تارك الصلاة كافر وكذلك كان رأي أهل العلم من لدن النبي إلى يومنا هذا أن تارك الصلاة عمدا من غير عذر حتى يذهب وقتها كافر
 فصل في أن ترك الصلاة يحبط الأعمال #
 وأما المسألة الرابعة وهي قوله هل تحبط الأعمال بترك الصلاة أم لا فقد عرف جوابها مما تقدم وإنا نفرد هذه المسألة بالكلام عليها بخصوصيتها فنقول

# أما تركها بالكلية فإنه لا يقبل معه عمل كما لا يقبل مع الشرك عمل فإن الصلاة عمود الإسلام كما صح عن النبي وسائر الشرائع كالأطناب والأوتاد ونحوها وإذا لم يكن للفسطاط عمود لم ينتفع بشيء من اجزائه فقبول سائر الاعمال موقوف على قبول الصلاة فإذا ردت ردت عليه سائر الأعمال وقد تقدم الدليل على ذلك #
 وأما تركها أحيانا فقد روي البخاري في صحيحه رقم 553 من حديث بريدة قال قال رسول الله بكروا بصلاة العصر فإن من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله # وقد تكلم قوم في معنى هذا الحديث فأتوا بما لا حاصل له قال المهلب معانه من تركها مضيفا لها متهاونا بفضل وقتها مع قدرته على أدائها حبط عمله في الصلاة خاصة أي لا يحصل له أجر المصلي في وقتها ولا يكون له عمل ترفعه الملائكة # وحاصل هذا القول إن من تركها فاته أجرها ولفظ الحديث ومعناه يأبى ذلك ولا يفيد حبوط عمل قد ثبت وفعل وهذا حقيقة الحبوط في اللغة والشرع ولا يقال لمن فاته ثواب عمل من الأعمال إنه قد حبط عمله وإنما يقال فاته أجر ذلك العمل # وقالت طائفة يحبط عمل ذلك اليوم لا جميع عمله فكأنهم استصعبوا حبوط الأعمال الماضية كلها بترك الصلاة واحدة وتركها عنده ليس بردة تحبط الاعمال فهذا الذي استشكله هؤلاء هو وارد عليهم بعينه في حبوط عمل ذلك اليوم #
 والذي يظهر في الحديث والله أعلم بمراد رسوله أن الترك نوعان ترك كلي لا يصليها أبدا فهذا يحبط العمل جميعه وترك معين في يوم

معين فهذا يحبط عمل ذلك اليوم فالحبوط العام في مقابلة الترك العام والحبوط المعين في مقابلة الترك المعين #
 فإن قيل كيف تحبط الأعمال بغير الردة #
قيل نعم قد دل القرآن والسنة والمنقول عن الصحابة أن السيئات تحبط الحسنات كما الحسنات يذهبن السيئات #
 قال تعالى ( ^ يأيها الذين ءامنوا لا تبطلوا صدقتكم بالمن والأذى ( ^ يأيها الذين ءامنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم أن تبحط أعمالكم وأنتم لا تشعرون ) 49 سورة الحجرات / الآية 2 #
 وقالت عائشة لأم زيد بن أرقم أخبري زيدا أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله إلا أن يتوب لما باع بالعينة #
 نص الإمام أحمد على هذا فقال ينبغي للعبد في هذا الزمان أن يستدين ويتزوج لئلا ينظر ما لا يحل فيحبط عمله # وآيات الموازنة في القرآن على هذا فكما أن السيئة تذهب حسنة أكبر منها فالحسنة يحبط أجرها بسيئة أكبر منها #
 فإن قيل فأي فائدة في تخصيص صلاة العصر بكونها محبطة دون غيرها من الصلوات #
قبل الحديث لم ينف الحبوط بغير العصر إلا بمفهوم لقب وهو

مفهوم ضعيف جدا وتخصيص العصر بالذكر لشرفها من بين الصلوات ولهذا كانت هي الصلاة الوسطى بنص رسول الله الصحيح الصريح راجع مسلم رقم 628 ولهذا خصها بالذكر في الحديث الآخر وهو قوله الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله البخاري رقم 552 مسلم رقم 626 اي فكأنما سلب أهله وماله فأصبح بلا أهل ولا مال وهذا تمثيل لحبوط عمله بتركها كأنه شبه أعماله الصحالة بانتفاعه وتمتعه بها بمنزلة أهله وماله فإذا ترك صلاة العصر فهو كمن له أهل ومال فخرج من بيته لحاجة وفيه أهله وماله فرجع وقد اجتيح الأهل والمال فبقي وترا دونهم وموتورا بفقدهم فلو بقيت عليه أعماله الصالحة لم يكن التمثيل مطابقا
 فصل في أنواع حبوط الأعمال
  والحبوط نوعان عام وخاص
 فالعام حبوط الحسنات كلها بالردة والسيئات كلها بالتوبة # والخاص حبوط السيئات والحسنات بضعها ببعض وهذا حبوط مقيد جزئي وقد تقدم دلالة القرآن والسنة والآثار وأقوال الأئمة عليه

# ولما كان الكفر والإيمان كل منهما يبطل الآخر ويذهبه كانت شعبة كل واحد منهما لها تأثير في إذهاب بعض شعب الآخر فإن عظمت الشعبة ذهب في مقابلتها شعب كثيرة #
 وتأمل قول أم المؤمنين في مستحل العينة إنه قد أبطل جهاده مع رسول الله كيف قويت هذه الشعبة التي أذن الله فاعلها بحربه وحرب رسوله على إبطال محاربة الكفار فأبطل الحراب المكروه الحراب المحبوب كما تبطل محاربة أعدائه التي يحبها محاربته التي يبغضها والله المستعان
 فصل في قبول صلاة الليل بالنهار وصلاة النهار بالليل وقضاء الفائتة
  وأما المسألة الخامسة التي هى قوله هل تقبل صلاة الليل بالنهار وصلاة النهار باليل أم لا فهذه المسألة لها صورتان .

 إحداهما يقبل فيها بالنص والإجماع وهي ما إذا فاتته صلاة النهار بنوم أو نسيان فصلاها بالليل وعكسه # كما ثبت في الصحيحين البخاري رقم 597 مسلم رقم 684 من حديث أنس بن مالك عن النبي قال من نسي صلاة أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها واللفظ لمسلم

# وروى مسلم عنه أيضا رقم 684 قال قال رسول الله إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها فإن الله يقول ( ^ وأقم الصلواة لذكري ) 20 سورة طه / الآية 14 # وفي صحيح مسلم رقم 680 عن أبي هريرة أن رسول الله حين قفل من غزوة خيبر سار ليلة حتى إذا ادركه الكرى عرس وقال لبلال أكد لنا الليل فصلى بلال ما قدر له ونام رسول الله وأصحابه فلما تقارب الفجر استند بلال إلى راحلته مواجه الفجر فغلبت بلالا عيناه وهو مستند إلى راحلته فلم يستيقظ رسول الله ولا بلال ولاأحد من أصحابه حتى ضربتهم الشمس فكان رسول الله اولهم استيقاظ ففزع رسول الله فقال اي بلال فقال بلال أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك بأبي أنت وأمي يا رسول الله قال قتادة فاقتادوا رواحلهم شيء ثم توضأ رسول الله وأمر بلالا فأقام الصلاة فصلى بهم الصبح فلما قضى الصلاة قال من نسي الصلاة فليصلها إذا ذكرها فإن الله تعالى قال ( ^ وأقم الصلواة لذكري ) 20 سورة طه / الآية 14 # وفي الصحيحين البخاري رقم 344 مسلم رقم 682 من حديث عمران بن حصين نحو هذه القصة #
وفي صحيح مسلم رقم 681 عن أبي قتادة قال ذكروا للنبي نومهم عن الصلاة قال إنه ليس في النوم تفريط إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الأخرى

# وفي مسند الإمام أحمد 1/386 و 464 من حديث عبدالله بن مسعود قال أقبل النبي من الحديبية ليلا فنزلنا منزلا دهاسا من الأرض فقال من يكلؤنا فقال بلال أنا قال إذا تنام قال لا فنام حتى طلعت الشمس فالستيقظ فلا وفلان فيهم عمر فقال اهضبوا فاستيقظ النبي فقال افعلوا كما كنتم تفعلون فلما فعلوا قال هكذا فافعلوا لمن نام منكم أو نسي فهذا متفق عليه بين الأئمة #
واختلفوا في مسألتين لفظية وحكمية # فاللفظية هل تسمى هذه الصلاة أداء قضاء # فيه نزاع لفظي محض فهي قضاء لما فرض الله عليهم واداء باعتبار الوقت في حق النائم والناسي فإن الوقت في حقهما وقت الذكر والأنتباه فلم يصلها إلا في وقتها الذي أمرنا بإيقاعها فيه وأما ما يذكره الفقهاء في كتبهم من قوله فليصلها إذا ذكرها فإن ذلك وقتها فهذه الزيادة لم أجدها في شيء من كتب الأحاديث ولا اعلم لها إسنادا ولكن قد روى البيهقي السنن 2/219 والدارقطني 1/423 من حديث أبي الزناد عن الأعرج عن ابي هريرة أن النبي قال من نسي صلاة فوقتها إذا ذكرها


 فصل في قضاء الفائتة على الفور أو التراخي #
 وأما المسألة الحكمية فهل تجب المبادرة إلى فعلها على الفور حين يستيقظ ويذكر أم يجوز له التأخير #
 فيه قولان :
 أصحهما وجوبها على الفور وهذا قول جمهور الفقهاء منهم إبراهيم النخعي ومحمد بن شهاب الزهري وربيعة ابن أبي عبدالرحمن ويحيى بن سعيد الأنصاري وابو حنيفة ومالك والإمام أحمد وأصحابهم وأكثر العلماء وظاهر مذهب الشافعي أنه على التراخي واحتج من نص على هذا القول بأن النبي لم يصلها في المكان الذي ناموا به بل أمرهم فاقتادوا رواحلهم إلى مكان آخر فصلى فيه وفي حديث أبي قتادة فلما استيقظوا قال اركبوا فركبنا فسرنا حتى ارتفعت الشمس نزل ثم دعا بميضأة فيها ماء فتوضأ ثم أذن بلال بالصلاة فصلى رسول الله ركعيتن ثم صلى الغداة # قالوا ولو وجب القضاة على الفور لم يفارق منزله حتى يفعلها #
قالوا ولا يصح الاعتذار عن هذا بأن ذلك المكان كان فيه شيطان فلم يصلوا فيه فإن حضور الشيطان في المكان لا يكون عذرا في تأخير الواجب #
قال الشافعي ولو كان وقت الفائتة يضيق لماأخره لأجل الشيطان

فقد صلى وهو يخنق الشيطان راجع البخاري رقم 461 مسلم رقم 541 #
 قال الشافعي فخنقه للشيطان في الصلاة أبلغ من واد فيه شيطان #
 قالوا ولأنها عبادة مؤقتة فإذا فاتت لم يجب قضاؤها على الفور كصوم رمضان بل أولى لأن الأداء متوسع في الصلاة دون الصوم فكانت التوسعة في القضاء أولى # وقال أبو اسحاق إبراهيم بن أحمد المروزي الشافعي إن اخرها لعذر قضاها على التراخي للحديث وإن اخرها لغير عذر قضاها على الفور لئلا يثبت بتفريطه ومعصيته رخصة لم تكن #
 واحتج الجمهور بما رواه مسلم في صحيحه رقم 681 من حديث أبي قتادة أنهم ذكروا للنبي نومهم عن الصلاة فقال ليس في النوم تفريط فإذا نسي أحدكم صلاة اونام عنها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك #
 وفي صحيحه أيضا رقم 680 عن أبي هريرة قال قال رسول الله من نسي الصلاة فليصلها إذا ذكرها فإن الله قال ( ^ وأقم الصلواة لذكري ) 20 سورة طه / الآية 14 # وعند الدارقطني 1/423 في هذا الحديث من نسي صلاة فوقتها إذا ذكرها # وهذه الألفاظ صريحة في الوجوب على الفور #
 قالوا وما استدللتم به على جواز التأخير فإنما يدل على التأخير اليسير الذي لا يصير صاحبه مهملا معرضا عن القضاء بل يفعله لتكميل

الصلاة من اختيار بقعة على بقعة وانتظار رفقة او جماعة لتكثير اجر الصلاة ونحو ذلك من تأخير يسير لمصلحتها وتكميلها فكيف يؤخذ من هذا التأخير اليسير لمصلحتها جواز تأخير جواز تأخيرها سنين عددا #
 وقد نص الإمام أحمد على ان المسافر إذا نام في منزله عن الصلاة حتى فاتت أنه يستحب له أن ينتقل عنه إلى غيره فيقضيها فيه للخبر مع أن مذهبه وجوب فعلها على الفور وإذا كانت اوامر الله ورسوله المطلقة على الفور فكيف المقيدة ولهذا أوجب الفورية في المقيدة اكثر من نفاها في المطلقة #
 وأما ما تمسكوا به من القياس على قضاء رمضان فجوابه من وجهين #
 أحدهما أن السنة فرقت بين الموضعين فجوزت تأخير قضاء رمضان وأوجبت فعل المنسية عند ذكرها فليس لنا أن نجمع ما فرقت السنة بينهما #
 الثاني أن هذا القياس حجة عليهم فإن تأخير رمضان إنما يجوز إذا لم يأتي رمضان وهم يجوزون تأخير الفائتة وإن اتى عليها اوقات صلوات كثيرة فأين القياس # وأما قولهم لو وجب الفور لما جاز التأخير لأجل الشيطان فقد تقدم جوابه وهو ان الموجبين للفور يجوزون التأخير اليسير لمصلحة التكميل #
 وأما نقضهم بخنق النبي للشيطان في صلاته راجع البخاري رقم 461 مسلم رقم 541 فمن أعجب النقض فإن التأخير اليسير للعدول عن مكان الشيطان لا تترك به الصلاة ولا يذهب به وقتها ولا يقطعها المصلي بخلاف من عرض له الشيطان في صلاته فإنه لو تركها

لأجله لكان قد أبطل صلاته وقطعها بعد دخوله فيها ولعله إن تعرض له في الصلاة الثانية فيقطعها فيترك الصلاة بالكلية فأين إحدى المسألتين من الأخرى والله أعلم بالصواب
 فصل في هل يصح قضاء الفائتة عمدا أم لا
 # وأما الصورة الثانية وهي ما إذا ترك الصلاة عمدا حتى خرج وقتها فهي مسألة عظيمة تنازع فيها الناس هل ينفعه القضاء ويقبل منه ام لا ينفعه ولا سبيل له إلى استدراكها ابدا # فقال ابو حنيفة والشافعي وأحمد ومالك يجب عليه قضاؤها ولا يذهب القضاء عنه إثم التفويت بل هو مستحق للعقوبة إلى أن يعفو الله عنه # وقالت طائفة من السلف والخلف من تعمد تأخير الصلاة عن وقتها من غير عذر يجوز له التأخير فهذا لا سبيل له إلى استدراكها ولايقدر على قضائها ابدا ولا يقبل منه # ولا نزاع بينهم أن التوبة النصوح تنفعه ولكن هل من تمام توبته قضاء تلك الفوائت التي تعمد تركها فلا تصح التوبة بدون قضائها أم لا تتوقف التوبة على القضاء فيحافظ عليها في المستقبل ويستكثر من النوافل وقد تعذر عليه استدراك ما مضى # هل هذا محل الخلاف ونحن نذكر حجج الفريقين #
 قال الموجبون للقضاء لما امر النبي النائم والناسي بالقضاء

وهما معذوران غير مفرطين فإيجاب القضاء على المفرط العاصي أولى واحرى فلو كانت الصلاة لا تصح إلا في وقتها لم ينفع قضاؤها بعد الوقت في حق النائم والناسي # قالوا وقد صلى العصر بعد المغرب يوم الخندق هو وأصحابه راجع البخاري رقم 596 مسلم رقم 631 ومعلوم قطعا أنهم لم يكونوا نائمين ولا ساهين عنها ولو اتفق النسيان لبعضهم لم يتفق للجميع #
 قالوا وكيف يكون المفرط بالتأخر أحسن حالا من المعذور فيخفف عن المفرط ويشدد على المعذور #
 قالوا وإنما أنام الله سبحانه وتعالى رسوله والصحابة ليبين للأمة حكم من فاتته الصلاة وأنها لا تسقط عنه بالتفويت بل يتداركها فيما بعد #
 قالوا وقد أمر النبي من افطر بالجماع في رمضان ان يقضي يوما مكانه أبو داود رقم 2393 ابن ماجة رقم 1671 #
 قالوا ولاقياس يقتضي وجوب القضاء فإن الامر متوجه علىالمكلف بفعل العبادة في وقتها فإذا فرط في الوقت وتركه لم يكن ذلك مسقط بفعل العبادة في وقتها فإذا فرط في الوقت وتركه لم يكن ذلك مسقطا لفعل العبادة عنه #
قال الآخرون أوامر الرب تبارك وتعالى نوعان نوع مطلق غير مؤقت فهذا يفعل في كل وقت نوع مطلق غير مؤقت بوقت محدود وهو نوعان #
 احدهما ما وقته بقدر فعله كالصيام #
ما وقته أوسع من فعله كالصلاة

# وهذا القسم فعله في وقته شرط في كونه عبادة مأمورا بها فإنه إنما امر به على هذه الصفة فلا تكون عبادة على غيرها #
 قالوا فما أمر الله به في الوقت فتركه المأمور حتى فات وقته لم يمكن فعله بعد الوقت شرعا وإن أمكن حسا بل لا يمكن حسا ايضا فإن إيتانه بعد الوقت امر غير المشروع #
قالوا ولهذا لا يمكن فعل الجمعة بعد خروج وقتها ولا الوقوف بعرفة بعد وقته # قالوا ولا مشروع إلا ما شرعه الله ورسوله وهو سبحانه ما شرع فعل الصلاة والصيام والحج إلا في أوقات مختصة به فإذا فاتت تلك الأوقات لم تكن مشروعة ولم يشرع الله سبحانه فعل الجمعة يوم السبت ولاالوقوف بعرفة في اليوم العاشر ولاالحج في غير اشهره #
وأما الصلوات الخمس فقد ثبت بالنص والإجماع أن المعذور بالنوم والنسيان وغلبة العقل يصليها إذا زال عذره وكذلك صوم رمضان شرع الله سبحانه قضاءه بعذر المرض والسفر والحيض وكذلك شرع رسوله الجمع بين الصلاتين المشتركتين في الوقت للمعذور بسفر أو مرض او شغل يبيح الجمع فهذه يجوز تأخيرها عن وقتها المختص إلى وقت الأخرى للمعذور ولا يجوز لغيره بالاتفاق بل هو من الكبائر العظام كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه الجمع بين الصلاتين من غير عذر من الكبائر ولكن يجب عليه فعلها وإن اخرها إلى وقت الثانية في هذه الصورة لأنها تفعل في هذا الوقت في الجملة # وقد أمر النبي بالصلاة خلف الأمراء الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها وقيل له ألا نقاتلهم قال لا ما صلوا مسلم رقم

وهم كانوا يؤخرون الظهر خاصة إلى وقت العصر فأمر بالصلاة خلفهم وتكون نافلة للمصلي وأمره أن يصلي الصلاة في وقتها ونهى عن قتالهم #
 قالوا وأما من اخر صلاة النهار فصلاها بالليل أوصلاة الليل فصلاها بالنهار فهذا الذي فعله غير الذي أمر به وغير ما شرعه الله ورسوله فلا يكون صحيحا ولامقبولا #
 قالوا وقد قال رسول الله من ترك صلاة العصر حبط عمله البخاري رقم 553 # وقال الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر اهله وماله البخاري رقم 552 مسلم رقم 626 #
فلو كان يمكنه استدراكها بالليل لم يحبط عمله ولم يكن موتورا من أعماله بمنزلة الموتر من أهله وماله #
قالوا وقد صح عنه أنه قال من ادرك ركعة من العصر قبل ان تغرب الشمس فقد أدرك العصر البخاري رقم 556 مسلم رقم 608 فكذا من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ولو كان فعلها بعد المغرب وطلوع الشمس صحيحا مطلقا لكان مدركا سواء أدرك ركعة أو اقل من ركعة أو لم يدرك منها شيئا فإنه لم يرد أدرك ركعة صحت صلاته بلا إثم إذ لاخلاف بين الأمة أنه لا يحل له تأخيره إلى ان يضيق وقتها عن كمال فعلها وإنما أراد بالإدراك اصحة والأجزاء وعندكم تصح وتجزيء ولو ادرك منها قدر تكبيرة أو لم يدرك منها شيئا فلا معنى للحديث عندكم البتة

# قالوا والله سبحانه قد جعل لكل صلاة وقتا محدود الأول والآخر ولم يأذن في فعلها قبل دخول وقتها ولا بعد خروج وقتها والمفعول قبل الوقت وبعده أمر غير المشروع فلو كان الوقت ليس شرطا في صحتها لكان لا فرق في الصحة بين فعلها قبل الوقت وبعده لأن كلا الصلاتين صلاها في غير وقتها فكيف قبلت من هذا المفرط بالتنفويت ولم تقبل من المفرط بالتعجيل #
قالوا والصلاة في الوقت واجبة على كل حال حتى أنه يترك جميع الواجبات والشروط لأجل الوقت فإذا عجز عن الوضوء والاستقبال أو طهارة الثوب والبدن وستر العورة أو قراءة الفاتحة او القيام في الوقت وأمكنه ان يصلي بعد الوقت بهذه الأمور فصلاته في الوقت بدونها هي التي شرها الله واوجبها ولم يكن له أن يصلي بعد الوقت مع كمال هذه الشروط والواجبات فعلم أن الوقت مقدم عندالله ورسوله على جميع الواجبات فإذا لم يكن إلا أحد الامرين وجب أن يصلي في الوقت بدون هذه الشروط والواجبات ولو كان له سبيل إلى استدراك الصلاة بعد خروج وقتها لكانت صلاته بعد الوقت مع كمال الشروط والواجبات خيرا من صلاته في الوقت بدونها وأحب إلى الله وهذا باطل بالنص والإجماع #
 قالوا وأيضا فقد توعد الله سبحانه من فوت الصلاة عن وقتها بوعيد التارك لها قال تعالى ( ^ فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون ) 107 سورة الماعون / الآيتان 4 و 5 وقد فسر أصحاب رسول الله السهو عنها بأنه تأخيرها عن وقتها كما ثبت ذلك عن سعد ابن أبي وقاص وفيه حديث مرفوع سنن البيهقي 2/214 وقال تعالى ( ^ فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلواة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا ) 19 سورة

مريم / الآية 59 وقد فسر الصحابة والتابعون إضاعتها بتفويت وقتها راجع صفحة 32 # والتحقيق أن اضاعتها تتناول تركها وترك وقتها وترك واجباتها وأركانها وأيضا إن مؤخرها عن وقتها عمدا متعد لحدود الله كمقدمها عن وقتها فما بالها تقبل مع تعدي هذا الحد ولا تقبل مع تعدي الحد الآخر #
قالوا وأيضا فنقول لمن قال إنه يستدركها بالقضاء أخبرنا عن هذه الصلاة التي تأمر بفعلها هي التي امر الله بها أم هي غيرها #
 قال هي بعينها قيل له فالعامد بتركها حينئذ ليس عاصيا لأنه قد فعل ماأمر الله به بعينه فلا يلحقه الإثم والملامة وهذا باطل قطعا وإن قال ليست هي التي أمر الله بها قيل له فهذا من اعظم حججنا عليك إذ أقررت أن هذه غير مأمور بها #
ثم نقول أيضا ما تقولون في من تعمد تفويتها حتى خرج وقتها ثم صلاها أطاعه صلاته تلك ام معصية فإن قالوا صلاته طاعة وهو مطيع بها خالفوا الإجماع والقرآن والسنن الثابتة وإن قالوا هي معصية قيل فكيف يتقرب إلى الله بالمعصية وكيف تنوب المعصية عن الطاعة فإن قلتم هو مطيع بفعلها عاص بتأخيرها وهو أنه إذا تقرب بالفعل الذي هو طاعة لا بالتفويت الذي هو معصية قيل لكم الطاعة هي موافقة الأمر وامتثاله على الوجه الذي امر به فأين الله ورسوله ممن تعمد تفويت الصلاة بفعلها بعد خروج وقتها حتى يكون مطيعا له بذلك فلو ثبت ذلك لكان فاصلا للنزاع في المسألة # قالوا وأيضا فغير أوقات العبادة لا تقبل تلك العبادة بوجه كما أن الليل لا يقبل الصيام وغير اشهر الحج لا يقبل الحج وغير وقت الجمعة لا

تقبل الجمعة فأي فرق بين من قال ان أفطر النهار وأصوم الليل أو قال أنا أفطر رمضان في هذا الحر الشديد وأصوم مكانه شهرا في الربيع أو قال أنا أؤخر الحج من شهره إلى المحرم أو قال أنا اصلي الجمعة بعد العشاء الآخرة أو اصلي العيدين في وسط الشهر وبين من قال انا أؤخر صلاة النهار إلى الليل وصلاة الليل إلى النهار فهل يمكن أحدا قط أن يفرق بين ذلك # قالوا وقد جعل الله سبحانه للعبادات أمكنه وأزمنة وصفات فلا ينوب مكان عن المكان الذي جعله الله مكانا ميقاتا لها كعرفة ومزدلفة ومنى ومواضع الجمار والمبيت والصفا والمروة ولا تنوب صفة من صفاتها التي اوجبها الله عليها عن صفة فكيف ينوب زمان عن زمانها الذي أوجبها الله فيه عنه # قالوا وقد دل النص والإجماع على أن من اخر الصلاة عن وقتها عمدا أنها قد فاتته كما قال النبي من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله البخاري رقم 552 مسلم رقم 626 وما فات فلا سبيل إلى إدراكه ألبتة ولو امكن أن يدرك لما سمي فائتا وهذا مما لا شك فيه لغة وعرفا وكذلك هو في الشرع وقد قال النبي لا يفوت الحج حتى يطلع الفجر من يوم عرفة الموطأ 1/390 مجمع الزوائد 3/255 أفلا تراه جعله فائتا بفوات وقته لما لم يمكن أن يدرك في يوم بعد ذلك اليوم وهذا بخلاف المنسية والتي نام عنها فإنها لا تسمى فائتة ولهذا لم تدخل في قوله الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر اهله وماله البخاري رقم 552 مسلم رقم 626 # قالوا والأمة مجمعة على أن من ترك الصلاة عمدا حتى يخرج وقتها

فقد فاتته ولو قبلت منه وصحت بعد الوقت لكان تسميتها فائتة لغوا وباطلا وكيف يفوت ما يدرك # قالوا وكما أنه لا سبيل إلى استدراك الوقت الفائت ابدا فلا سبيل إلى استدراك فرضه ووصفه # قالوا وهذا معنى قوله في الحديث الذي رواه أحمد المسند 2/386 وغيره أبو داود رقم 2396 الترمذي رقم 723 ابن ماجة رقم 1672 من أفطر يوما من رمضان من غير عذر لم يقضه عنه صيام الدهر فأين هذا من قولكم يقضيه عنه صيام يوم من اي شهر اراد # قالوا وقد امر الله سبحانه المسلمين حال مواجهة عدوهم أن يصلوا صلاة الخوف فيقصروا من اركانها ويفعلوا فيها الأفعال الكثيرة ويستدبروها فيها القبلة ويسلمون قبل الأمام بل يصلون رجالا وركبانا حتى لو لم يمكنهم إلا الإيماء اتوا بها على دوابهم إلى غير القبلة في وقتها ولو قبلت منهم في غير وقتها وصحت لجاز لهم تأخيرها إلى وقت الأمن وإمكان الإتيان بها وهذا يدل على أنها بعد خروج وقتها لا تكون جائزة ولا مقبولة منهم مع العذر الذي أصابهم في سبيله وجهاد اعدائه فكيف تقبل من صحيح مقيم لا عذر له البتة وهو يسمع داعي الله جهرة فيدعها حتى يخرج وقتها ثم يصليها في غير الوقت وكذلك لم يفسح في تأخيرها عن وقتها للمريض بل امره أن يصلي على جنبه بغير قيام ولا ركوع ولا سجود إذا عجز عن ذلك ولو كانت تقبل منه وتصح في غير وقتها لجاز تأخيرها إلى زمن الصحة # فأخبرونا أي كتاب أو سنة أو اثر عن صاحب نطق بأن من اخر الصلاة وفوتها عن وقتها الذي امر الله بإيقاعها فيه عمدا يقبلها الله منه

بعد خروج وقتها وتصح منه وتبرأ ذمته منها ويثاب عليها ثواب من ادى فريضته هذا والله ما لا سبيل لكم إليه البتة حتى تقوم الساعة ونحن نوجد لكم عن اصحاب رسول الله مثل ما قلناه وخلاف قولكم
 فصل في قول ابي بكر الصديق الذي لم يعلم ان احدا من الصحابة أنكره عليه
 # قال عبدالله بن المبارك في الزهد رقم 914 أخبرنا إسماعيل ابن أبي خالد عن زيد ان ابا بكر قال لعمر بن الخطاب إني موصيك بوصية إن حفظتها إن لله حقا بالنهار لا يقبله بالليل وحقا بالليل لا يقبله بالنهار وإنها لا تقبل نافلة حتى تؤدي الفريضة وإنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتباعهم في الدنيا الحق وثقله عليهم وحق لميزان لا يوضع فيه إلا الحق أن يكون ثقيلا وإنما خفت موازين من خفت موازينه يوم القيامة باتباعهم الباطل وخفته عليهم وحق لميزان لا يوضع فيه إلا الباطل أن يخف وإن الله عز وجل ذكر أهل الجنة وصالح ما عملوا وتجاوز عن سيئاتهم فإذا ذكرتهم خفت ألا أكون منهم وذكر اهل النار وأعمالهم فإذا ذكرتهم قلت أخشى أن أكون منهم وذكر آية الرحمة وآية العذاب ليكون المؤمن راغبا راهبا فلا يتمنى على الله غير الحق ولا يلقى بيده إلى التهلكة فإن حفظت قولي فلا يكونن غائب أحب اليك من الموت ولا بد لك منه وإن ضيعت وصيتي فلا يكونن غائباحب إليك من الموت ولن تعجزه # وقال هناد بن السري الزهد 1/496 حدثنا عبده عن إسماعيل ابن ابي خالد عن زبيد اليامي قال لما حضرت أبا بكر الوفاة فذكره


# قالوا فهذا أبو بكر قال إن الله لا يقبل عمل النهار بالليل ولا عمل الليل بالنهار ومن يخالفنا بهذه المسألة يقولون بخلاف هذا صريحا وأنه يقبل صلاة العشاء الآخرة وقت الهاجرة ويقبل صلاة العصر نصف النهار #
 قالوا فهذا قول أبي بكر وعمر وابنه عبدالله وسعد ابن ابي وقاص وسلمان الفارسي وعبدالله بن مسعود والقاسم بن محمد ابن أبي بكر وبديل العقيلي ومحمد بن سيرين ومطرف بن عبدالله وعمر بن عبدالعزيز رضي الله عنهم وغيرهم #
 قال شعبة عن يعلى بن عطاء عن عبدالله بن خراش قال رأى ابن عمر رجلا يقرأ في صحيفة قال له يا هذا القاريء إنه لا صلاة لمن لم يصل الصلاة لوقتها فصل ثم أقرأ ما بدا لك #
قالوا ولا يصح تأويلكم ذلك على أنه لا صلاة كاملة لوجوه #
أن النفي يقتضي نفي حقيقة المسمى والمسمى هنا هو الترتيب وحقيقة منتفية هذه حقيقة اللفظ فما الموجب للخروج عنها #
 الثاني إنكم إذا أردتم بنفي الكمال الكمال المستحب فهذا باطل فإن الحقيقة الشرعية لا تنتفي لنفي مستحب فيها وإنما تنتفي لنفي ركن من أركانها وجزء من اجزائها وهكذا كل نفي ورد على حقيقة شرعية كقوله لا إيمان لمن لا أمانة له مسند أحمد ولا صلاة لمن لا وضوء له مسند أحمد 2/418 أبو داود رقم 101 ابن ماجة رقم 399 ولا عمل لمن لا نية له ابن ابي الدنيا الإخلاص والنية

رقم 59 ولا صيام لمن لا يبيت الصيام من الليل أبو داود رقم 2454 النسائي رقم 2331 الترمذي رقم 730 ابن ماجه رقم 1700 ولا صلاة لمن لا يقرأ بفاتحة الكتاب البخاري رقم 756 مسلم رقم 394 ولو انتفت لانتفاء بعض مستحباتها فما من عبادة إلا وفوقها من جنسها ما هوه احب إلى الله منها وقد ساعدتمونا على أن الوقت من واجباتها فإن انتفت بنفي واجب فيها لم تكن صحيحة ولا مقبولة #
الثالث إنه إذا لم يكن نفي حقيقة المسمى فنفي صحته والاعتداد به اقرب إلى نفيه من كماله المستحب #
وقال محمد بن المثنى حدثنا عبدالأعلى حدثنا سعيد ابن أبي عروبة عن قتادة قال ذكر لنا أن عبدالله بن مسعود كان يقول إن للصلاة وقتا كوقت الحج المصنف لعبد الرزاق رقم 3747 فصلوا الصلاة لميقاتها المحلى 2/372 فهذا عبدالله قد صرح بأن وقت الصلاة كوقت الحج فإذا كان الحج لا يفعل في غير وقته فما بال الصلاة تجزيء في غير وقتها #
 وقال عبدالرزاق المصنف رقم 2234 1/587 عن معمر عن بديل العقيلي قال بلغني أن العبد إذا صلى الصلاة لوقتها صعدت ولها نور ساطع في السماء وقالت حفظتني حفظك الله وإذا صلاها لغير وقتها طويت كما يطوى الثوب الخلق فيضرب بها وجهه


 فصل في حجج الذين يقولون بقضاء الصلاة المتروكة عمدا
 # قال الذين يعتدون بها بعد الوقت ويبرئون بها الذمة واللفظ لأبي عمر ابن عبدالبر فإنه انتصر لهذه المسألة اتم انتصار ونحن نذكر كلامه بعينه قال في الاستذكار في باب النوم عن الصلاة قرأت على عبدالوارث أن قاسما حدثهم حدثنا أحمد بن زهير حدثنا ابن الاصبهاني حدثنا عبيدة بن حميد عن يزيد بن أبي زياد عن تميم بن سلمة عن مسروق عن ابن عباس قال كان رسول الله في سفر فعرسوا من آخر الليل فلم يستيقظوا حتى طلعت الشمس فأمر بلالا فأذن ثم صلى ركعتين قال ابن عباس فما يسرني بها الدنيا وما فيها يعني الرخصة مسند أحمد 1/259 ومجمع الزوائد 1/321 #
 قال أبو عمر ذلك عندي والله اعلم لأنه كان سببا إلى أن أعلم أصحابه المبلغين عنه إلى سائر أمته بأن مراد الله عن عباده في الصلاة وإن كانت مؤقته أن من لم يصلها في وقتها يقضيها أبدا متى ذكرها ناسيا كان لها او نائما عنه او متعمدا لتركها #
 ألا ترى ألا حديث مالك في هذا الباب عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن رسول الله قال من نسي الصلاة فليصلها إذا ذكرها الموطأ 1/13 والنسيان في لسان العرب يكون للترك عمدا او يكون ضد الذكر قال الله تعالى ( ^ نسوا الله فنسيهم ) 9 سورة التوبة الآية 67 اي تركوا طاعة الله والإيمان بما جاء به رسول الله

فتركهم الله من رحمته وهذا لا خلاف فيه ولا يجهله من له اقل علم بتأويل القرآن # فإن قيل فلم خص النائم والناسي بالذكر في قوله في غير هذا الحديث من نام عن الصلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها الموطأ 1/13 قيل خص النائم والناسي ليرتفع التوهم والظن فيهما لرفع القلم في سقوط التأثيم عنهما بالنوم والنسيان فأبان رسول الله أن سقوط الاثم عنهما غير مسقط لما لزمهما من فرض الصلاة وأنها واجبة عليهما عند الذكر لها يقضيها كل واحد منهما بعد خروج وقتها إذا ذكرها ولم يحتج إلى ذكر العامد معهما لأن العلة المتوهمة في الناسي والنائم ليست فيه ولا عذر له في ترك فرض قد وجب عليه من صلاته إذا كان ذاكرا له وسوى الله سبحانه وتعالى في حكمها على لسان رسوله بين حكم الصلاة المؤقتة والصيام الؤقت في شهر رمضان بل كل واحد منهما يقضى بعد خروج وقته فنص على النائم والناسي في الصلاة كما وصفنا ونص على المريض والمسافر في الصوم وأجمعت الامة ونقلت الكافة فيمن لم يصم شهر رمضان عامدا وهو مؤمن بفرضه وإنما تركه أشرا وبطرا ثم تاب منه بعد ذلك أن عليه قضاءه وكذلك من ترك الصلاة عامدا فالعامد والناسي في القضاء للصلاة والصيام سواء وإن اختلفا في الاثم كالجاني على الاموال المتلف لها عامدا وناسيا سواء إلا في الاثم وكان الحكم في هذا النوع بخلاف رمي الجمار في الحج الذي لا يقضى في غير وقته لعامد ولا ناس لوجوب الدم فيما ينوب عنها وبخلاف الضحايا أيضا لأن الضحايا ليست بواجبة فرضا والصلاة والصيام كلاهما فرض واجب ودين ثابت يؤدي ابدا , ان خرج الوقت المؤجل لهما قال رسول الله دين الله احق ان يقضى البخاري رقم 1953 مسلم رقم 1148 وإذا

كان النائم والناسي للصلاة وهما معذوران يقضيانها بعد خروج وقتها كان المتعمد لتركها الآثم في فعله ذلك وإن أبي لا يسقط عنه فرض الصلاة وأن يحكم عليه بالأتيان بها لأن التوبة من عصيانه في عمد تركها هي أداؤها وإقامتها مع الندم على ما سلف من تركه لها في وقتها #
وقد شذ بعض أهل الظاهر اي ابن حزم واقدم على خلاف جمهور علماء المسلمين وسبيل المؤمنين فقال ليس على المتعمد لترك الصلاة في وقتها أن يأتي بها في غير وقتها لأنه غير نائم ولا ناس وإنما قال رسول الله من نام عن صلاته أو نسيها فليصلها إذا ذكرها الموطأ 1/13 قال والمتعمد غير الناسي والنائم المحلى 2/235 # قال وقياسه عليهما غير جائز عندنا كما أن من قتل الصيد لا يجزيه عندنا # فخالف في المسألتين جمهور العلماء وظن أنه يستتر في ذلك برواية شاذة جاءت عن بعض التابعين شذ فيها عن جماعة من علماء المسلمين وهو محجوج بهم مأمور باتباعهم فخالف هذا الظاهري طريق النظر والاعتبار وشذ عن جماعة علماء الأمصار ولم يأت فيما ذهب إليه من ذلك بدليل يصح في العقول # ومن الدليل على أن الصلاة تصلى وتقضي بعد خروج وقتها كالصيام سواء وإن كان إجماع الامة الذين أمر من شذ عنهم بالرجوع إليهم وترك الخروج عن سبيلهم يغني عن الدليل في ذلك قول النبي من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر ومن أدرك ركعة من الصبح قبل ان تطلع الشمس فقد أدرك الصبح البخاري رقم 556 مسلم رقم 608

# ولم يستثن متعمدا من ناس
 ونقلت الكافة عنه أن من ادرك ركعة من صلاة العصر قبل الغروب صلى تمام صلاة العصر بعد الغروب البخاري رقم 556 وذلك بعد خروج الوقت عند الجميع ولا فرق بين عمل صلاة العصر كلها لمن تعمد او نسي او فرط وبين عمل بعضها في نظر ولا اعتبار # ودليل آخر وهو أن رسول الله لم يصل هو ولا أصحابه يوم الخندق صلاة الظهر والعصر حتى غربت الشمس لشغله بما نصبه المشركون من الحرب ولم يكن يومئذ نائما ولا ناسيا ولا كانت بين المسلمين والكافرين يومئذ حرب قائمة ملتحمة وصلى الظهر والعصر بالليل #
ودليل آخر ايضا وهو أن رسول الله قال بالمدينة لأصحابه يوم انصرافه من الخندق لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة البخاري رقم 946 ومسلم رقم 1770 فخرجوا مبادرين وصلى بعضهم العصردون بني قريظة خوفا من خروج وقتها المعهود ولم يصلها بعضهم إلا في بني قريظة بعد غروب الشمس لقوله لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة فلم يعنف رسول الله أحدا من الطائفتين وكلهم غير ناس ولا نائم وقد اخر بعضهم الصلاة حتى خرج وقتها ثم صلاها وقد علم رسول الله ذلك فلم يقل لهمإن الصلاة لم تصل في وقتها ولا تقضى بعد خروج وقتها # ودليل آخر وهو قوله سيكون بعدي امراء يؤخرون الصوات عن ميقاتها قالوا انفصليها معهم قال نعم #
 حدثنا عبدالوراث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا إسحاق بن الحسن الحربي حدثنا أبو حذيفة موسى بن مسعود حدثنا

سفيان الثوري عن منصور عن هلال بن يساف عن أبي المثنى الحمصي قال اتى الي عن امرأة عبادة بن الصامت عن عبادة بن الصامت قال كنا عند النبي فقال إنه سيجيء بعدي امراء تشغلهم اشياء حتى لا يصلوا الصلاة لميقاتها قالوا نصليها معهم يا رسول الله قال نعم مسند أحمد 3/314 #
 قال ابو عمر ابو مثنى الحمصي هو الاملوكي ثقة # وفي هذا الحديث أن رسول الله اباح الصلاة بعد خروج ميقاتها ولم يقل إن الصلاة لا تصلى إلا في وقتها # والأحاديث في تأخير الأمراء الصلاة حتى يخرج وقتها كثيرة جدا وقد كان الامراء من بني امية واكثرهم يصلون الجمعة عند الغروب وقد قال إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يدخل وقت الأخرى وقد اعلمهم أن وقت الظهر في الحضر ما لم يدخل وقت العصر وروي ذلك عنه من وجوه صحاح قد ذكرت بعضها في صدر الكتاب يعني الإستذكار في المواقيت # وحدثنا عبدالله بن محمد بن راشد حدثنا حمزة بن محمد بن علي حدثنا أحمد بن شعيب النسوي حدثنا سويد بن نضر حدثنا عبدالله يعني ابن المبارك عن سليمان بن مغيرة عن ثابت بن عبدالله بن رباح عن ابي قتادة أن رسول الله قال ليس في النوم تفريط إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يدخل وقت الأخرى مسلم رقم 681 الترمذي رقم 117 ابو داود رقم 437 # فقد سمى رسول الله من فعل هذا مفرطا والمفرط ليس بمعذور

وليس كالنائم والناسي عند الجميع من جهة العذر وقد اجاز رسول الله صلاته على ما كان عليه من تفريطه #
 وقد روي في حديث أبي قتادة هذا ان رسول الله قال وإذا كان الغد فليصلها لميقاتها مسلم رقم 681 #
وهذا ابعد وأوضح في اداء المفرط للصلاة عند الذكر وبعد الذكر وحديث أبي قتادة هذا صحيح الأسناد إلا ان هذا المعنى قد عارضه حديث عمران بن الحصين في نوم رسول الله في صلاة الصبح بسفره وفيه قالوا يا رسول الله ألا نصليها لميقاتها من الغد قال لا إن الله لا ينهاكم عن الربا ثم يقبله منكم مسند أحمد 4/441 # وروى من حديث أبي هريرة عن النبي مثله وقد ذكرنا الأسانيد بذلك كله في التمهيد #
وقد روى عبدالرحمن بن علقمة الثقفي وهو مذكور في الصحابة قال قدم وفد ثقيف على رسول الله فجعلوا يسألونه فلم يصل يومئذ الظهر إلا مع العصر #
وأقل ما في هذا أنه اخرها عن وقتها الذي كان يصليها فيه لشغل اشتغل به #
وعبد الرحمن بن علقمة من ثقات التابعين وكبارهم #
وقد أجمع العلماء على ان من ترك الصلاة عامدا حتى يخرج وقتها عاص لله وذكر بعضهم أنها كبيرة من الكبائر وأجمعوا على ان على العاصي ان يتوب من ذنبه بالندم عليه واعتقاد ترك العود إليه قال الله تعالى ( ^ وتوبوا إلى الله جميعا أيه المؤمنون لعلكم تفلحون ) 24 سورة

النور / الآية 31 ومن لزمه حق الله أو لعباده لزمه الخروج منه وقد شبه رسول الله حق الله عز وجل بحقوق الآدميين وقال دين الله أحق أن يقضي البخاري رقم 1953 مسلم رقم 1148 #
والعجب من هذا الظاهري في نقضه أصله بجهله وحبه لشذوذه وأصل أصحابه فيما وجب من الفرائض بإجماع أنه لا يسقط إلا بإجماع مثله أو سنة ثابتة لا ينازع في قبولها والصلوات المكتوبات واجبات بإجماع ثم جاء من الاختلاف شذوذ خارج عن اقوال علماء الأمصار فاتبعه دون سنة رويت في ذلك واسقط به الفريضة المجمع على وجوبها ونقض اصله ونسي نفسه #
 ثم ذكر أن مذهب داود وأصحابه وجوب قضاء الصلاة إذا فوتها عمدا ثم قال فهذا قول داود وهو وجه أهل الظاهر # وما أرى هذا الظاهري إلا وقد خرج عن جماعة العلماء من السلف والخلف وخالف جميع فرق الفقهاء وشذ عنهم ولا يكون إماما في العلم من اخذ بالشاذ من العلم وقد أوهم في كتابه أن له سلفا من الصحابة والتابعين تجاهلا منه فذكر عن ابن مسعود ومسروق وعمر بن عبدالعزيز في قوله ( ^ أضاعوا الصلواة ) 19 سورة مريم / الآية 59 أن ذلك عن مواقيتها ولو تركوها لكانوا بتركها كفارا وهو لا يقول بتكفير تارك الصلاة عمدا إذا إذا أبى إقامتها ولا بقتله إذا كان مقرا بها فقد خالفهم فكيف يحتج بهم على انه معلوم أن من قضى الصلاة فقد تاب من تضييعها قال تعالى ( ^ وإني لغفار لمن تاب وءامن وعمل صلحا ثم اهتدى ) 20 سورة طه / الآية 82 ولا تصح لمضيع الصلاة توبة إلا بأدائها كما لا تصح التوبة من دين

الآدمي إلا بأدائه ومن قضى صلاة فرط فيها فقد تاب وعمل صالحا والله لا يضيع أجر من احسن عملا #
 وذكر عن سلمان أنه قال الصلاة مكيال فمن وفاه وفي له ومن طففه قد علمتم ما قاله الله في المطففين #
 وهذا لا حجة فيه لأن الظاهر من معناه أن المطفف قد يكون من لم يكمل صلاته بركوعها وسجودها وحدودها وإن صلاها في وقتها #
وذكر عن ابن عمر أنه قال لا صلاة لمن لم يصل الصلاة لوقتها #
وكذا نقول لا صلاة له كاملة الأجزاء كما جاء لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد سنن البيهقي 3/111 و 174 ولا إيمان لمن لا امانة له مسند أحمد 3/135 ومن قضى الصلاة فقد صلاها وتاب من نسي عمله بتركها وكل ما ذكر في هذا المعنى فغير صحيح ولا له في شيء منه حجة لأن ظاهره خلاف ما تأوله
 فصل في حجج المانعين من صحة قضاء الصلاة المتروكة عمدا
 # قال المانعون من صحتها بعد الوقت وقبولها لقد ارعدتم وابرقتم ولم تنصفونا في حكاية قولنا على وجهه ولافي نقلنا مذاهب السلف ولا في حججنا فإنا لم نقل قط ولا احد من اهل الاسلام إنها سقطت من ذمته بخروج وقتها وإنها لم تبق واجبة عليه حتى تجلبوا علينا بما أجلبتم وتشنعوا علينا بما شنعتم بل قولنا وقول من حكينا قوله من الصحابة والتابعين اشد على مؤخر الصلاة ومفوتها من قولكم فإنه قد تحتمت


عقوبته وباء بإثم لا سبيل له إلى استدراكه إلا بتوبة يحدثها وعمل يستأنفه #
 وقد ذكر من الادلة ما لاسبيل لكم إلى رده فإن وجدتم السبيل إلىالرد فأهلا بالعلم أين كان ومع من كان فليس القصد إلا طاعة الله وطاعة رسوله ومعرفة ما جاء به ونحن نبين ما في كلامكم من مقبول ومردود #
 فأما قولكم إن سرور ابن عباس بتلك الصلاة التي صلاها بعد طلوع الشمس لأنه كان سببا إلى ان اعلم رسول الله أصحابه المبلغين عنه إلى سائر أمته بأن مراد الله من عباده في الصلاة وإن كانت مؤقتة ان من لم يصلها في وقتها يقضيها ابدا ناسيا كان لها او نائما او متعمدا لتركها فهذا ظن محض منكم أن ابن عباس اراده ومعلوم ان كلامه لا يدل على ذلك بوجه من وجوه الدلالة ولا هو يشعر به ولعل ابن عباس إنما سر بها ذلك السرور العظيم لكونه صلاها مع رسول الله وأصحابه وفعل مثل ما فعلوا وحصل له سهمان من الاجر كما حصل للصحابة وخص تلك الصلاة بذلك تنبيها للسامع أنها مع كونها ضحى قد فعلت بعد طلوع الشمس فلا يظن أنها ناقصة وأنها لأاجر فيها فما يسرني بها الدنيا وما فيها # وليس ما فهمتموه عن ابن عباس اولى من هذا الفهم ولعله أراد أن ذلك من رحمة الله بالأمة ليقتدي به من نام عن الصلاة ولم يفرط بتأخيرها فمن اين يدل كلامه هذا على أن سروره بتلك الصلاة لأنها تدل على ان من لم يصل وأخر صلاة الليل إلى النهار عمدا وصلاة النهار إلى الليل أنها تصح منه وتقبل وتبرأ بها ذمته وإن فهم هذا من كلام ابن عباس لمن اعجب العجب فأخبرونا كيف وقع لكم هذا الفهم من كلامه وبأي طريق فهمتموه


 فصل في الكلام عن النسيان وأنواعه
 # وأما قولكم إن النسيان في لغة العرب هو الترك كقوله ( ^ نسوا الله فنسيهم ) 9 سورة التوبة / الآية 67 الخ فنعم لعمر الله إن النسيان في القرآن على وجهين نسيان ترك ونسيان سهو ولكن حمل الحديث على نسيان الترك عمدا باطل لاربعة اوجه # أحدها أنه قال فليصلها إذا ذكرها الموطأ 1/13 وهذا صريح في ان النسيان في الحديث نسيان سهولا نسيان عمد وإلا كان قوله إذا ذكرها كلاما لا فائدة فيه فالنسيان إذا قوبل بالذكر لم يكن إلا نسيان سهو كقوله ( ^ واذكر ربك إذا نسيت ) 18 سورة الكهف / الآية 24 وقوله إذا نسيت فذكروني البخاري رقم 1933 مسلم رقم 1155 # الثاني أنه قال فكفارتها ان يصليها إذا ذكرها ومعلوم أن من تركها عمدا لا يكفر عنه فعلها بعد الوقت إثم التفويت هذا مما لاخلاف فيه بين الامة ولا يجوز نسبته إلى رسول الله إذ يبقى معنى الحديث من ترك الصلاة عمدا حتى خرج وقتها فكفارة إثمه صلاتها بعد الوقت وشناعة هذا القول أعظم من شناعتكم علينا القول بأنها لا تنفعه ولا تقبل منه فأين هذا من قولكم # الثالث أنه قابل الناسي في الحديث بالنائم وهذه المقابلة تقتضي أنه الساهي كما يقول جملة أهل الشرع النائم والناسي غير مؤاخذين # الرابع أن الناسي في كلام الشارع إذا علق به الاحكام لم يكن مراده


إلا الساهي وهذا مطرد في جميع كلامه كقوله من اكل او شرب ناسيا فليتم صومه فإنما أطعمه الله مسلم رقم 572
 فصل في الكلام عن متعمد تأخير الصلاة والناسي
 # وأما قولكم وسوى الله سبحانه في حكمهما اي حكم العامد والناسي على لسان رسوله بين حكم الصلاة المؤقتة والصيام المؤقت في شهر رمضان بأن كل واحد منهما يقضى بعد خروج وقته فنص علىالنائم والساهي في الصلاة كما وصفنا ونص على المريض والمسافر في الصوم واجتمعت الأمة ونقلت الكافة فيمن لم يصم شهر رمضان عامدا وهو مؤمن بفرضه وإنم تركه اشرا وبطرا ثم تاب منه أن عليه قضاءه إلى آخره فجوابه من وجوه # أحدها قولكم إن الله سبحانه وتعالى سوى بينهما اي بين العامد والناسي فكلام باطل على إطلاقه فما سوى الله سبحانه بين عامد وناس أصلا وكلامنا في هذا العامد العاصي الآثم المفرط غاية التفريط فأين سوى الله سبحانه بين حكمهما في صلاة أو صيام # وقولكم فنص على النائم والناسي في الصلاة كما وصفنا قد تقدم ان النسيان المذكور في الصلاة لا يصح حمله على العمد بوجه وأن الذي نص عليه في الحديث هو نسيان السهو الذي هو نظير النوم فلا تعرض فيه للعامد # وأما نصه على المريض والمسافر في الصوم فهما وإن أفطرا عامدين


فلا يمكن أخذ حكم تارك الصلاة عمدا من حمكها وما سوى الله ولا رسوله بين تارك الصلاة عمدا او اشرا حتى يخرج وقتها وبين تارك الصوم لمرض او سفر حتى يؤخذ حكم احدهما من الآخر فمؤخر الصوم في المرض والسفر كمؤخر الصلاة لنوم أو نسيان وهذان هما اللذان سوى الله ورسوله بين حكمهما نص الله على حكم المريض والمسافر في الصوم المعذورين ونص رسول الله على حكم النائم والناسي في الصلاة المعذورين فقد استوى حكمهما في الصوم والصلاة ولكن اين استوى حكم العامد المفرط الآثم والمريض والمسافر والنائم والناسي المعذورين يوضحه أن الفطر بالمرض قد يكون واجبا بحيث يحرم عليه الصوم والفطر في السفر إما واجب عند طائفة من السلف والخلف أو أنه افضل من الصوم عند غيرهم أو هما سواء أو الصوم أفضل منه لمن لا يشق عليه عند آخرين # وعلى كل تقدير فإلحاق تارك الصلاة والصوم عمدا وعدوانا به من أفسد الإلحاق وأبطل القياس وهذا مما لا خفاء به عند كل عالم # وقولكم إن الأمة اجتمعت والكافة نقلت أن من لم يصم شهر رمضان عامدا أشرا او بطرا ثم تاب منه فعليه قضاؤه فيقال لكم أوجدونا عشرة من اصحاب رسول الله فن دونهم صرح بذلك ولن تجدوا إليه سبيلا وقد انكر الأئمة كالإمام أحمد والشافعي وغيرهما دعوى هذه الإجماعات التي حاصلها عدم العلم بالخلاف لا العلم بعدم الخلاف فإن هذا مما لا سبيل إليه إلا فيما علم بالضرورة أن الرسول جاء به وأما ما قامت الأدلة الشرعية عليه فلا يجوز لأحد ان ينفي حكمه لعدم علمه بمن قال به فإن الدليل يجب اتباع مدلوله وعدم العلم بمن قال به لا يصح أن يكون معارضا بوجه ما فهذا طريق جميع الأئمة المقتدى بهم

# قال الأمام أحمد في رواية ابنه عبدالله من ادعى الإجماع فهو كاذب لعل الناس اختلفوا هذه دعوى بشر المريسي والأصم ولكن يقول لا نعلم للناس اختلافا إذا لم يبلغه # وقال في رواية المروزي كيف يجوز للرجل أن يقول أجمعوا إذا سمعتهم يقولون أجمعوا فاتهمهم لو قال إني لا اعلم مخالفا كان أسلم # وقال في رواية أبي طالب هذا كذب ما اعلمه أن الناس مجمعون ولكن يقول ما اعلم فيه اختلافا فهو احسن من قوله اجمع الناس # وقال في رواية ابي الحارث لا ينبغي لأحد أن يدعي الإجماع لعل الناس اختلفوا # وقال الشافعي في أثناء مناظرته لمحمد بن الحسن لايكون لأحد أن يقول أجمعوا حتى يعلم إجماعهم في البلدان ولا يقبل على اقاويل من نأت داره منهم ولا قربت إلا خبر الجماعة عن الجماعة فقال لي تضيق هذا جدا قلت له وهو مع ضيقه غير موجود # وقال في موضع آخر وقد بين ضعف دعوى الاجماع وطالب من يناظره بمطالبات عجز عنها فقال له المناظر فهل من إجماع قلت نعم الحمد لله كثيرا في كل الفرائض التي لا يسع جهلها وذلك الإجماع هو الذي إذا قلت اجمع الناس لم تجد احدا يقول لك ليس هذا بإجماع فهذه الطريق التي يصدق بها من ادعى الإجماع فيها # وقال بعد كلام طويل حكاه في مناظرته أو ما كفاك عيب الإجماع أنه لم يرو عن احد بعد رسول الله دعوى الإجماع إلا فيما لم يختلف

فيه احد إلى ان كان اهل زمانك هذا قال له المناظر فقد ادعاه بعضكم قلت افحمدت ما ادعى منه قال لا قلت فكيف صرت إلى ان تدخل فيما زعمت في اكثر ما عبت الاستدلال من طريق عن الأجماع وهو ترك ادعاء الإجماع فلا تحسن النظر لنفسك إذاقلت هذا إجماع فتجد حولك من يقول لك معاذ الله أن يكون هذا إجماعا # وقال الشافعي في رسالته ما لا يعلم فيه خلاف فليس إجماعا فهذا كلام أئمة اهل العلم في دعوى الإجماع كما ترى # فلنرجع إلى المقصود فنقول من قال من أصحاب رسول الله إن من ترك الصلاة عمدا لغير عذر حتى خرج وقتها أنها تنفعه بعد الوقت وتقبل وتبرأ ذمته فالله يعلم أنا لم نظفر على صاحب واحد منهم قال ذلك وقد نقلنا عن الصحابة والتابعين ما تقدم حكايته # وقد صرح الحسن بما قلناه فقال محمد بن نصر المروزي في كتابه في الصلاة رقم 1078 حدثنا إسحاق حدثنا النضر عن الاشعت عن الحسن قال إذا ترك الرجل صلاة واحدة متعمدا فإنه لا يقضيها # قال محمد وقول الحسن هذا يحتمل معنيين # أحدهما انه كان يكفره بترك الصلاة متعمدا فلذلك لم يرد عليه القضاء لأن الكافر لا يؤمر بقضاء ما ترك من الفرائض في كفره # والثاني أنه لم يكفره بتركها وأنه ذهب إلى أن الله عز وجل إنما فرض ان يأتي بالصلاة في وقت معلوم فإذا تركها حتى ذهب وقتها فقد لزمته المعصية لتركه الفرض في الوقت المأمور بإتيانه فيه فإذا اتى به بعد ذلك فإنما أتى به في وقت لم يؤمر بإتيانه فيه فلا ينفعه أن يأتي بغير المأمور

به عن المأمور به وهذا قول غير مستنكر في النظر لولا أن العلماء قد أجمعت على خلافه # قال ومن ذهب إلى هذا قال في الناسي للصلاة حتى يذهب وقتها وفي النائم ايضا لو لم يأت الخبر عن النبي أنه قال من نام عن صلاة او نسيها فليصلها إذا استيقظ راجع البخاري رقم 597 مسلم رقم 684 وذكر أنه نام عن صلاة الغداة فقضاها بعد ذهاب الوقت لما وجب عليه في النظر قضاؤها أيضا فلما جاء الخبر عن النبي بذلك وجب علي قضاؤها وبطل حظ النظر # فقد نقل محمد الخلاف صريحا وظن أن الأمة أجمعت على خلافه وهذا يحتمل م6عنيين # أحدهما أنه يرى أن الإجماع ينعقد بعد الخلاف # والثاني أنه لايرى خلاف الواحد قادحا في الإجماع # وفي المسألتين نزاع معروف # وأما قوله إن القياس يقتضي ان لا يقتضي النائم والناسي لولا الخبر فليس كما زعمتم لأن وقت النائم والناسي هو وقت ذكره وانتباهه لا وقت له غير ذلك كما تقدم والله أعلم # وأما قولكم إن الكافة نقلت والأمة اجمعت ان من لم يصم شهر رمضان اشرا وبطرا ان عليه قضاءه فأين النقل بذلك إذا جاء عن أصحاب رسول الله وقد روى عنه اهل السنن ابو داود رقم 2396 الترمذي رقم 723 ابن ماجه رقم 1672 والامام أحمد في مسنده 2/386 من حديث ابي هريرة من افطر يوما من رمضان من غير عذر

لم يقضه عنه صيام الدهر وإن صامه فهذه الرواية المعروفة فأين الرواية عنه او عن أصحابه من افطر رمضان او بعضعه اجزأ عنه ان يصوم مثله # وأما قولكم إن الصلاة والصيام دين ثابت يؤدي ابدا وإن خرج الوقت المؤجل لما لقول رسول الله دين الله احق ان يقضي البخاري رقم 1953 مسلم رقم 1148 # فنقول هذا الدليل مبني على مقدمتين # إحداهما إن الصلاة والصيام دين ثابت في ذمة من تركهما عمدا والمقدمة الثانية أن هذا الدين قابل للأداء فيجب أداؤه # فأما المقدمة الأولى فلا نزاع فيها ولانعلم أن أحدا من اهل العلم قال بسقوطها من ذمته بالتأخير ولعلكم توهمتم علينا أنا نقلو بذلك وأخذتم في الشناعة علينا وفي التشغيب ونحن لم نقل ذلك ولا أحد من أهل الإسلام # وأما المقدمة الثانية ففيها وقع النزاع وأنتم لم تقيموا عليها دليلا فادعاؤكم لها هو دعوى محل النزاع بعينه جعلتموه مقدمة من مقدمات الدليل وأثبتم الحكم بنفسه فمنازعوكم يقولون لم يبق للمكلف طريق إلى استدراك هذا الفائت وإن الله تعالى لا يقبل أداء هذا الحق إلافي وقته وعلى صفته التي شرعه عليها وقد أقاموا على ذلك من الأدلة ما قد سمعتم فما الدليل على أن هذا الحق قابل للأداء في غير وقته المحدود له شرعا وأنه يكون عبادة بعد خروج وقته # وأما قوله ( ^ اقضوا الله فالله أحق بالقضاء البخاري رقم

وقوله ( ^ دين الله أحق أن يقضى ) البخاري رقم 1953 مسلم رقم 1148 فهذا إنما قاله في حق المعذور لا المفرط # ونحن نقول في مثل هذا الدين يقبل القضاء وأيضا فهذا إنما قاله رسول الله في النذر المطلق الذي ليس له وقت محدود الطرفين ففي الصحيحين من حديث ابن عباس ان امرأة قالت يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم نذر أفأصوم عنها قال أرأيت لو كان على أمك دين فقضيتيه أكان يؤدي ذلك عنها قالت نعم قال فصومي عن أمك البخاري رقم 1953 مسلم رقم 1148 # وفي رواية أن امرأة ركبت البحر فنذرت إن نجاها الله أن تصوم شهرا فأنجاها الله سبحانه وتعالى فلم تصم حتى ماتت فجاءت قرابة لها إلى رسول الله فذكرت ذلك فقال صومي عنها رواه أهل السنن أ و داود رقم 3308 النسائي رقم 3816 # وكذلك جاء منه الأمر بقضاء هذا الدين في الحج الذي لا يفوت وقته إلا بنفاد العمر ففي المسند 4/5 والسنن النسائي رقم 3635 من حديث عبدالله بن الزبير قال جاء رجل من خثعم إلى رسول الله فقال إن ابي أدركه الإسلام وهو شيخ لا يستطيع ركوب رحل والحج مكتوب عليه أفأحج عنه قال أنت اكبر ولده قال نعم قال أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته عنه أكان ذلك يجزيء عنه قال نعم قال فحج عنه # وعن ابن عباس ان امرأة من جهينة جاءت إلى النبي فقالت إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت أفأحج عنها قال نعم حجي عنها أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته اقضوا الله فالله أحق

بالوفاء متفق على صحته البخاري رقم 6699 وراجع مسلم رقم 1334 و 1335 # وعن ابن عباس أيضا قال أتى النبي رجل فقال إن أبي مات وعليه حجة الإسلام افأحج عنه قال أرأيت لو ان اباك ترك دينا عليه فقضيته أكان يجزيء عنه قال نعم قال فحج عن ابيك رواه الدار قطني 2/260 # ونحن نقول في مثل هذا الدين القابل للأداء دين الله أحق أن يقضى فالقضاء المذكور في هذه الأحاديث ليس بقضاء عبادة مؤقتة محدودة الطرفين وقد جاهر بمعصيته الله سبحانه وتعالى بتفويتها بطرا وعدوانا فهذا الدين مستحقه لا يعتد به ولا يقبله إلا على صفته التي شرعه عليها ولهذا لو قضاه على غير تلك الصفة لم تنفعه
 فصل في الفرق بالقياس بين النائم والناسي وبين المتعمد
 # قولكم وإذا كان النائم والناسي للصلاة وهما معذوران يقضيانها بعد خروج وقتها كان المتعمد لتركها اولى # فجوابه من وجوه # أحدها المعارضة بما هو اصح منه او مثله وهو ان يقال لا يلزم من صحة القضاء بعد الوقت من المعذور المطيع لله ورسوله الذي لم يكن منه تفريط في فعل ما أمر به وقبوله منه صحته وقبوله منه متعد لحدود الله


مضيع لأمره تارك لحقه عمدا وعدوانا فقياس هذا على هذا في صحه العبادة وقبولها منه وبراء الذمة بها من افسد القياس # الوجه الثاني إن المعذور بنوم أو نسيان لم يصل الصلاة في غير وقتها بل في نفس وقتها الذي وقته الله له فإن الوقت في حق هذا حين يستيقظ ويذكر كما قال من نسي صلاة فوقتها إذا ذكرها رواه البيهقي السنن 2/219 والدارقطني 1/423 وقد تقدم # فالوقت وقتان وقت اختيار ووقت عذر فوقت المعذور بنوم او سهو هو وقت ذكره واستيقاظه فهذا لم يصل الصلاة إلا في وقتها فكيف يقاس عليه من صلاها في غير وقتها عمدا وعدوانا # الثالث إن الشريعة قد فرقت في مواردها ومصادرها بين العامد والناسي ويبن المعذور وغيره وهما مما لا خفاء به فإلحاق أحد النوعين بالآخر غير جائز # الرابع إنا لم نسقطها عن العامد المفرط ونأمر بها المعذور حتى يكون ما ذكرتم حجة علينا بل ألزمانا بها المفرط المتعدي على وجه لا سبيل له إلى استدراكها تغليظا عليه وجوزنا قضاءها للمعذور غير المفرط # وأما استدلالكم بقول من ادرك ركعة من العصر قبل ان تغرب الشمس فقد ادرك العصر البخاري رقم 579 مسلم رقم 608 فما أصحه من حديث وما أراه على مقتضى قولكم فإنكم تقولون هو مدرك العصر ولو لم يدرك من وقتها شيئا البتة بمعنى إنه مدرك لفعلها صحيحة منه مبرئة لذمته فلو كانت تصح بعد خروج وقتها وتقبل منه لم يتعلق من مبرئة لذمته فلو كانت تصح بعد خروج وقتها وتقبل منه لم يتعلق إدراكها بركعة ومعلوم أن النبي لم يرد أن من ادرك ركعة من العصر صحت صلاته بلا إثم بل هو آثم بتعمد ذلك اتفاقا فإنه امر أن يوقع

جميعها في وقتها فعلم أن هذا الإدراك لا يرفع الإثم بل هو مدرك آثم فلو كانت تصح بعد الغروب لم يكن فرق بين ان يدرك ركعة من الوقت أولا يدرك شيئا منه شيئا # فإن قلتم إذا أخرها إلى بعد الغروب كان أعظم اثرا # قيل لكم النبي لم يفرق بينإدراك الركعة وعدمها في كثرة الإثم وخفته وإنما فرق بينهما في الإدراك وعدمه ولا ريب أن المفوت لمجموعها في وقت أعظم من المفوت لأكثرها والمفوت لأكثرها فيه اعظم من المفوت لركعة منها فنحن نسألكم ونقول ما هذا الإدراك الحاصل بركعة أهذا إدراك يرفع الإثم فهذا لا يقوله4 أحد أو إدراك يقتضي الصحة فلا فرق فيه بين ان يفوتها بالكلية أو يفوتها إلا ركعة منها
 فصل في عدم صحة الاحتجاج بتأخير النبي للصلاة يوم الخندق
 # وأما احتجاجكم بتأخير النبي لها يوم الخندق من غير نوم ولا نسيان ثم قضاها فيقال يالله العجب لو اتينا نحن بمثل هذا لقامت قيامتكم واقمتم قيامتنا بالتشنيع علينا فكيف تحتجون على تفويت صاحبه عاص لله آثم متعد لحدود مستوجب لعقابه بتفويت صدر من اطوع الخلق لله وارضاهم له واتبعهم لأمره وهو مطيع لله في ذلك التأخير متبع مرضاته فيه وذلك التأخير منه صلوات الله وسلام عليه إما ان يكون نسيانا منه او يكون أخرها عمدا وعلى التقديرين فلا حجة لكم فيه


بوجه فإنه إن كان نسيانا فنحن وسائر الأمة نقول بموجبه وأن الناسي يصليها متى ذكرها وإن كان عامدا فهو تأخير لها من وقت إلى وقت أذن فيه كتأخير المسافر والمعذور الظهر إلى وقت العصر والمغرب إلى وقت العشاء # وقد اختلف الناس فيمن أدركته الصلاة وهو مشغول بقتال العدو على ثلاثة اقوال # أحدها أنه يصلي حال القتال على حسب حاله ولا يؤخر الصلاة قالوا والتأخير يوم الخندق منسوخ وهذا هو مذهب الإمام الشافعي والإمام مالك والإمام أحمد في المشهور عنه من مذهبه # الثاني أنها تؤخر كما أخر النبي يوم الخندق وهذا مذهب ابي حنيفة # والأولون يجيبون على هذا بأنه كان قبل أن تشرع صلاة الخوف فلما شرعت صلاة الخوف لم يؤخرها بعد ذلك في غزاة واحدة # والحنيفة تجيب عن ذلك بأن صلاة الخوف إنما شرعت على تلك الوجوه ما لم يلتحم القتال فإنهم يمكنهم أن يصلوا صلاة الخوف كما امر الله سبحانه بأن يقوموا صفين صفا يصلون وصفا يحرسون وأما حال الالتحام فلا يمكن ذلك فالتأخير وقع حال الاشتغال بالقتال وصلاة الخوف شرعت حال المواجهة قبل الاشتغال بالقتال وهذا له موضع وهذا في القول كما ترى # وقالت طائفة ثالثة يخير بين تقديمها والصلاة على حسب حاله وبين تأخيرها حتى يتمكن من فعلها وهذا مذهب جماعة من الشاميين وهو إحدى الروايتين عن الامام أحمد لأن الصحابة فعلوا هذا وهذا في قصة بني قريظة كما سنذكرها بعد هذا إن شاء الله تعالى

# وعلى الأقوال الثلاثة فلا حجة للعاصي المفرط المعتدي الذي قد باء بعقوبة الله وإثم التفويت في ذلك بوجه من الوجوه وبالله التوفيق
 فصل في الكلام على صلاة العصر في بني قريظة
 # وبهذا خرج الجواب عن استدلالكم بتأخير الصحابة العصر إلى بعد غروب الشمس عمدا حين قال النبي لا يصلين احد العصر إلا في بني قريظة البخاري رقم 946 مسلم رقم 1770 فأدركت طائفة الصلاة في الطريق فقالوا لم يرد منا تأخيرها فصلوها في الطريق وابت طائفة اخرى ان تصليها إلا في بني قريظة فصلوها بعد العشاء فما عنف رسول الله واحدة من الطائفتين فإن الذين اخروها كانوا مطيعين لرسول الله معتقدين وجوب ذلك التأخير وأن وقتها الذي امروا به حيث ادركهم في بني قريظة فكيف يقاس العاصي المتعدي لحدود الله على المطيع له الممتثل لامره فهذا من ابطل قياس في العالم وافسده وبالله التوفيق # وقد فضلت طائفة من العلماء الذين أخروها إلى بني قريظة على الذين صلوها في الطريق قالوا لأنهم امتثلوا أمر رسول الله على الحقيقة والآخرون تأولوا فصلوها في الطريق



 فصل في الفرق بين التأخير في الصلوات القابلة للجمع وغيرها
 # وأما استدراكم بأمر النبي أن تصلي نافلة مع الامراء الذين كانوا يضيعون الصلاة عن وقتها ويصلونها في غير الوقت فلا حجة فيه لأنهم لم يكونوا يؤخرون صلاة النهار إلى الليل ولا صلاة الليل إلى النهار بل كانوا يؤخرون صلاة الظهر إلى وقت العصر وربما كانوا يؤخرون العصر إلى وقت الأصفرار # ونحن نقول إنه متى أخر إحدى صلاتي الجمع إلى وقت الأخرى صلاها في وقت الثانية وإن كان غير معذور وكذلك إذا أخر العصر إلى الاصفرار بل إلى ان يبقى منها قدر ركعة فإنه يصليها بالنص وقد جمع النبي بالمدينة من غير خوف ولامطر أراد أن لا يحرج أمته مسلم رقم 705 الموطأ 1/144 فهذا التأخير لا يمنع صحة الصلاة # وأما قولكم قد اجاز رسول الله صلاة من اخر الظهر إلى وقت العصر مع تفريطه في خروج وقت الظهر # فجوابه إن الوقت مشترك بين الصلاتين في الجملة وقد جمع رسول الله بالمدينة من غير خوف ولا مرض وهذا لا ينازع فيه ولكن هل أجاز رسول الله صلاة الصبح في وقت الضحى من غير نوم لا نسيان # وأما قولكم وقد روي من حديث أبي قتادة أن رسول الله قال فيمن نام عن صلاة الصبح وإذا كان الغد فليصلها لميقاتها مسلم رقم


إن هذا أوضح في اداء المفرط للصلاة عند الذكر وبعد الذكر وهو حديث صحيح الإسناد فيا لله العجب أين في هذا الحديث ما يدل بوجه من وجوه الدلالة نصها أو ظاهرها أو إيمائها على ان العاصي المتعدي لحدود الله بتفويت الصلاة عن وقتها تصح منه بعد الوقت وتبرأ ذمته منها وهو اهل ان تقبل منه وكأنكم فهمتم من قوله فإذا كان الغد فليصلها لميقاتها امره بتأخيرها إلى الغد وهذا باطل قطعا لم يرده رسول الله والحديث صريح في إبطاله فإنه امره ان يصليها إذا استيقظ او ذكرها ثم روي في تمام الحديث هذه الزيادة وهي قوله فإذا كان من الغد فليصلها لميقاتها وقد اختلف الناس في صحة هذه الزيادة ومعناها فقال بعض الحفاظ هذه الزيادة وهم من عبدالله بن رباح الذي روى الحديث عن ابي قتادة او من احد الرواة وقد روي عن البخاري أنه قال لا يتابع في قوله فليصل إذا ذكرها لوقتها من الغد # وقد روى الإمام أحمد في مسنده 4/441 عن عمران بن حصين قال سرت مع رسول الله فلما كان من آخر الليل عرسنا فلم نستيقظ حتى الحقتنا الشمس فجعل الرجل يقوم دهشا إلى طهوره فأمرهم النبي أن يسكنوا ثم ارتحل فسرنا حتى إذا ارتفعت الشمس توضأ ثم أمر بلالا فأذن ثم صلى الركعتين قبل الفجر ثم اقام فصلينا فقالوا يا رسول الله ألا نعيدها في وقتها من الغد قال اينهاكم ربكم تبارك وتعالى عن الربا ويقبله منكم # قال الحافظ ابو عبدالله محمد بن عبدالواحد المقدسي وفي هذا دليل على ما قال البخاري لأن عمران بن الحصين كان حاضرا ولم يذكر ما قال عبدالله بن رباح عن أبي قتادة راجع المغني 2/348

# وعندي أنه لا تعارض بين الحديثين ولم يأمر رسول الله بإعادتها من الغد وإنما الذي أمر به فعل الثانية في وقتها وأن الوقت لم يسقط بالنوم والنسيان بل عاد إلى ما كان عليه والله اعلم # قوله وقد روى عبد الرحمن بن علقمة الثقفي قال قدم وفد ثقيف على رسول الله فجعلوا يسألونه فلم يصل يومئذ الظهر إلا مع العصر إلى آخره # وقد تقدم جواب هذا وأمثاله مرارا وأن هذا التأخير كان طاعة لله تعالى وقربه وغايته أنه جمع بين الصلاتين لشغل مهم من امور المسلمين فكيف يصح إلحاق تأخير المتعدي لحدود الله به ولقد ضعفت مسألة تنصر بمثل هذا # قوله وليس ترك الصلاة حتى يخرج وقتها عمدا مذكورا عند الجمهور في الكبائر # فيقال يا لله العجب وهل تقبل هذا المسألة نزاعا وهل ذلك إلا من أعظم الكبائر وقد جعل رسول الله تفويت صلاة العصر محبطا للعمل فأي كبيرة تقوى على إحباط العمل سوى تفويت الصلاة # وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه الجمع بين الصلاتين من غير عذر من الكبائر ولم يخالفه صحابي واحد في ذلك بل الآثار الثابتة الصحابة كلها توافق ذلك # هذا والجامع بين الصلاتين قد صلاهما في وقت إحداهما للعذر فماذا نقول فيمن صلى الصبح في وقت الضحى عمدا وعدوانا والعصر نصف الليل من غير عذر

# وقد صرح الصديق أن الله لا يقبل هذه الصلاة ولم يخالف الصديق صحابي واحد # وقد توعد الله سبحانه بالويل والغي لمن سها عن صلاته واضاعها وقد قال الصحابة وهم اعلم الامة بتفسير الآية إن ذلك تأخيرها عن وقتها كما تقدم حكايته # ويا لله العجب اي كبيرة اكبر من كبيرة تحبط العمل وتجعل الرجل بمنزلة من قد وتر اهله وماله وإذا لم يكن تأخير صلاة النهار إلى الليل وتأخير صلاة الليل إلى النهار من غير عذر من الكبائر لم يكن فطر شهر رمضان من غير عذر وصوم شوال بدله من الكبائر ونحن نقول بل ذلك أكبر من كل كبيرة بعد الشرك بالله ولأن يلقى الله العبد بكل ذنب ما خلا الشرك به خير له من ان يؤخر صلاة النهار إلى الليل وصلاة الليل إلى النهار عدوانا عمدا بلاعذر # وقد روى هشام بن عروة عن ابيه عن سليمان بن يسار عن المسور بن مخرمة أنه دخل مع ابن عباس على عمر حين طعن فقال ابن عباس يا أمير المؤمنين الصلاة فقال أجل أصلي إنه لا حظ في الإسلام لمن اضاع الصلاة سنن الدار قطني 2/52 وتعظيم قدر الصلاة رقم 925 # وقال اسماعيل بن علية عن ايوب عن محمد بن سيرين قال نبئت أن ابا بكر وعمر كانا يعلمان الناس الإسلام تعبد الله ولاتشرك به شيئا وتقيم الصلاة التي افترض الله بمواقيتها فإن في تفريطها الهلكة تعظيم قدر الصلاة رقم 932 # وقال محمد بن نصر المروزي وسمعت إسحاق يقول صح عن

رسول الله ان تارك الصلاة كافر وكذلك كان رأي أهل العلم من لدن النبي إلى يومنا هذا أن تارك الصلاة عمدا من غير عذر حتى يذهب وقتها كافر وذهاب الوقت ان يؤخر الظهر إلى غروب الشمس والمغرب إلى طلوع الفجر وإنما جعل آخر أوقات الصلاة بما ذكرنا لأن النبي جمع بين الصلاتين بعرفة والمزدلفة وفي السفر فصلى إحداهما في وقت الأخرى فلما جعل النبي الأولى منهما وقتا للأخرى في حال والأخرى وقتا للأولى في حال صار وقتاهما وقتا واحدا في حال العذر كما امرت الحائض إذا طهرت قبل غروب الشمس أن تصلي الظهر والعصر وإذا طهرت آخر الليل أن تصلي المغرب والعشاء تعظيم قدر الصلاة رقم 990 # وإذا كان صلاة الذي يؤخر العصر حتى تصير الشمس بين قرني الشيطان صلاة المنافق بنص رسول الله مسلم رقم 622 فما يقول بأبي هو وأمي صلوات الله عليه وسلامه لمن يصليها بعد العشاء وقد قال تعالى ( ^ إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم ) سورة النساء / الآية 31 فإذا اجتنب الرجل كبائر المنهيات واستمر على صلاة الصبح في وقت الضحى والعصر بعد العشاء كان على قولكم مغفورا له غير آثم البتة وهذا لا يقول أحد # قوله والعجب من هذا الظاهري كيف نقض أصله فإنه يقول ما وجب بإجماع فإنه لا يسقط إلا بالإجماع

# فيقال غاية هذا أن منازعكم تناقض فلا يكون تناقضه مصححا لقولكم وإن اردتم بذلك الاستدلال بالاستصحاب وأن الصلاة كانت في ذمته بإجماع فلا تسقط إلا بإجماع وهو مفقود قيل لكم ومن ذا الذي قال بسقوطها من ذمته بالتأخير وأن ذمته قد برئت منها فمن قال بهذا فقوله أظهر بطلانا من ان نحتاج إلى دليل عليه # والذي يقول منازعوكم إنها قد استقرت في ذمته على وجه لا سبيل له إلى ادائها واستدراكها إلا بعود ذلك الوقت بعينة وهذا محال ثم نعارض هذا الإجماع بإجماع مثله أو اقوى منه فنقول أجمع المسلمون على انه عاص متعد مفرط بإضاعة الوقت فلا يرتفع هذا الاجماع إلا بإجماع مثله ولم يجمعوا أنه يرتفع عنه الإثم والعدوان بالفعل بعد الوقت بل لعل هذا لم يقله أحد # فهذا ما يتعلق بالحجاج من الجانبين وليس لنا غرض فيما وراء ذلك وقد بان من هو أسعد بالكتاب والسنة واقوال السلف في هذه المسالة والله المستعان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق