الأربعاء، 7 أغسطس 2024

أقسام الحكم باعتباره موافقة الدليل أو خلافه :

 

سلسلة

دروس في أصول الفقه

(الدرس الرابع)

أقسام الحكم باعتباره موافقة الدليل أو خلافه :

يمكن تقسيم الحكم باعتباره موافقة الدليل أو خلافه إلى قسمين هما: ـــ
                                القسم الأول : العزيمة
تعريف العزيمة لغة: مشتقة من العزم ، وهو القصد المؤكد ، ومنه قوله تعالى: { ولم نجد له عزماً} سورة طه : الآية 115.

أي قصداً بليغاً متأكداً ، ومنه سمي بعض الرسل أولوا العزم. ويطلق العزم على القطع ومنه قوله تعالى: { فإذا عزمت فتوكل على الله}.سورة آل عمران : الآية 159 .

أي إذا قطعت الرأي فتوكل على الله في إمضاء أمرك.

والعزيمة اصطلاحاً: الحكم الثابت بدليل شرعي الخالي عن معارض.

شرح التعريف:

المراد (بالحكم الثابت) ما يخرج غير الثابت وهو المنسوخ ، لأنه ليس مشروعاً أصلاً فلا يسمى عزيمة ويتناول جميع الأحكام التكليفية.

المراد ( بدليل شرعي) يخرج الثابت بدليل عقلي، فإنه لا تستعمل فيه العزيمة ولا الرخصة.

المراد ( الخالي عن معارض) بأن لا يثبت دليل شرعي يخالف هذا الحكم.

كوجوب الصلاة تامة في أوقاتها في الحضر ، ووجوب صوم رمضان ، وتحريم شرب الخمر .

حكم العمل بالعزيمة:

العمل بالعزيمة واجب ، لأنها الأصل وثبتت بالدليل الشرعي، ولا يجوز تركها إلا إذا وجد معارض أقوى فيعمل به وهذا ما يسمى بالرخصة كما سيأتي.


 

القسم الثاني: الرخصة
تعريف الرخصة لغــة: مشتقة من الرخص وهو اليسر والسهولة.

والرخصة اصطلاحاً: ما ثبت على خلاف دليل شرعي لمعارض راجح. وذلك كقصر الصلاة الرباعية في السفر، والجمع بين الصلاتين في السفر والمطر ، وإباحة أكل الميتة للمضطر ، وجواز المسح على الخفين وغير ذلك.

شرح التعريف:

المراد (ما ثبت على خلاف دليل) يخرج مما ثبت على وفق الدليل فإنها لا يسمى رخصة بل عزيمة كالصوم في الحضر.

المراد ( لمعارض راجح) يخرج مما كان لمعارض غير راجح إما مساو ، أو قاصر عن المساواة  فإن كان مساوياً لزم التوقف حتى يثبت المرجح ، وإن كان قاصراً عن مساواة الدليل الشرعي فلا يؤثر ، وتبقى العزيمة على حالها.

أسباب الرخصة:

للرخصة أسباب سبعة، هي :

1) السفر : ومن رخصه قصر الصلاة الرباعية ، والفطر في رمضان ، والمسح على الخفين ثلاثة أيام بلياليها ، وجواز صلاة النافة راكباً.

2) المرض: ومن رخصه ، التيمم عند التضرر باسعتمال الماء ، أو الخوف من زيادة المرض ، وكذلك صلاة المريض على حسب حاله قاعداً أو مضطجعاً أو بالإيماء.

3) الإكراه: ومن رخصه: العفو عن التلفظ بكلمة الكفر مع اطمئنان القلب بالإيمان.

4) النسيان: ومن رخصه صحة صوم من شرب أو أكل ناسياً في نهار رمضان، ويسقط الإثم بسبب النسيان في كثير من المسائل.

5) الجهل : ومن رخصه: جهل الشفيع بالبيع فإنه معذور بتأخر الشفعة ، وكذلك  إذا أسلم الكافر ثم شرب الخمر مباشرة جاهلاً بحكمها فإنه يدرأ الحد عنه لجهله بالحكم.

6) العسر وعموم البلوى: ومن رخصه: الصلاة مع وجود النجاسة اليسيرة المعفو عنها، كدم القروح، والدمل ونحوهما، وجواز مس الصبيان للمصحف دون طهارة لأجل التعلم. ويعتبر العسر وعموم البلوى من قبيل الأعذار بشرط عدم تعارضه مع نص شرعي فإن تعارض فلا اعتبار له.

7) النقص: ومن رخصه: عدم تكليف الطفل والمجنون لنقص عقليهما، وعدم تكليف النساء ببعض ما يجب على الرجال ، كالجمعة ، والجماعة، والجهاد في سبيل الله ، وتحمل الدية ونحو ذلك.

 

 

 

 

 

أقسام الرخصة:

تنقسم الرخصة إلى خمسة أقسام هي:

1) رخصة واجبة: مثل : التيمم للمريض، والأكل من الميتة للمضطر ، فإنه واجب دفعاً للهلكة عن نفسه ، لأن النفوس ملك لله تعالى ، وأمانة عند المكلفين يجب حفظها ، قال تعالى : { ولا تقتلوا أنفسكم }سورة النساء : الآية 29 .

2) رخصة مندوبة: مثل : قصر الصلاة الرباعية للمسافر ، لحديث يعلى بن أمية قال : قلت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه : قال تعالى: { فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا } سورة النساء :الآية 101 ،  وقد أمن الناس فقال : عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: {صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته } رواه مسلم .

3) رخصة مباحة: مثل: الجمع بين الصلاتين للمسافر في غير عرفة ومزدلفة فإنه سنة. وكذلك إباحة السلم ، والإجارة ، والعرايا هي (بيع الرطب على رءوس النخل بقدر كيله من التمر خرصاً فيما دون خمسة أو سق بشرط التقايض) فالشارع أجازها ورخص فيها سداً لحاجة الناس ودفعاً للحرج عنهم.

4) رخصة مكروهة: مثل : السفر لأجل أن يترخص بالفطر والقصر فقط ، ليس له غرض إلا ذلك.

5) رخصة الأولى تركها: كاحتمال الأذى فيمن يكره على التلفظ بكلمة الكفر بلسانه فيجوز له أن يترخص والأولى له الصبر والتحمل ولو بلغ الأمر إلى قتله ، لأنه حال المرسلين عليهم الصلاة والسلام.

الفرق بين العزيمة والرخصة:

تتفق العزيمة والرخصة بأن كلاً منهما قد ثبت بنص شرعي.

ويفترقان بأن العزيمة أصل الأحكام التكليفية ، أما الرخصة فهي استثناء من هذا الأصل تبيح ذلك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق