الأربعاء، 7 أغسطس 2024

دروس في أصول الفقه (الدرس الثاني الأحكام الشرعية)

 

 

سلسلة

دروس في أصول الفقه

(الدرس الثاني)

الأحكام الشرعية

تعريف الأحكام‏:

‏ الأحكام‏ جمع حكم  .

والحكم  لغة :‏ المنع ومنه قيل للقضاء حكم لأنه يمنع من غير المقتضى به ، وسمي القاضي حاكماً لأنه يمنع من الظلم ، وسمي لجام الدابة حكمة لأنه يمنع من جماحها.

قال تعالى: { ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضي بينهم ) سورة الشورى : الآية 14 . أي لفصل وحكم بينهم .

وقال تعالى: { وقضي بينهم بالحق ) سورة الزمر: الآية 75 . أي حكم .

والحكم اصطلاحاً:

هو ما دل عليه خطاب الشرع المتعلق بأفعال المكلفين من طلب أو تخيير أو وضع.

وقيل : -
هو خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين على جهة الطلب أو التخيير أو على جهة الوضع
شرح التعريف الثاني :
المراد ( بالخطاب ) ما يشمل خطاب الله وخطاب غيره من الأنس والجن والملائكة , وبإضافة لفظ الجلالة قيد يخرج خطاب غير الله سبحانه وتعالى
المراد (ما يتعلق بأفعال المكلفين) المكلفين جمع مفرده مكلف , والمكلف هو كل بالغ عاقل بلغته الدعوة وكان أهلاً للخطاب , ولم يمنعه من التكليف مانع .وتقييد بالمتعلق بأفعال المكلفين قيد يخرج الخطاب المتعلق بغير أفعال المكلفين كالتعلق بذات الله عز وجل في مثل قوله تعالى { شهد الله أنه لا إله إلا هو }سورة آل عمران :الآية 18 .

ومثل المتعلق بالجمادات كقوله تعالى { وقيل ياأرض ابلعي ماءك وياسماء أقلعي }سورة هود : الآية 44 .  والتكليف يشمل الصغير وذلك لإن ماله تجب فيه الزكاة ، فهذا حكم يتعلق بمال الصبي لأنه مكلف في الأصل ولكن وجد مانع وهو الصغر .
المراد (على جهة الطلب أو التخيير أو الوضع) يعنى أن خطاب الشرع تارة يقتضى الطلب وتارة يقتضى التخيير وتارة يكون شيئاً موضوعاً للدلالة على شئ .
فالطلب يدخل فيه الأمر والنهى ( الأمر طلب فعل والنهى طلب ترك ) وقد يكون الطلب على سبيل الإلزام وهو الواجب أو على سبيل الأفضلية وهو المندوب , وكذلك النهى قد يكون على سبيل الإلزام وهو الحرام وقد يكون على سبيل الأفضلية وهو المكروه , أما على سبيل التخيير فهو المباح
وأما على جهة الوضع فهو وضع الشرع شيئاً للدلالة على شئ آخر مثل الشرط والسبب والمنع والصحيح والفاسد .
أقسام الأحكام الشرعية :
تنقسم الأحكام الشرعية إلى قسمين هما :-
القسم الأول : الأحكام التكليفية : ـــــ
وهو خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين على جهة الطلب أو التخيير .
القسم الثاني : الأحكام الوضعية : ـــــ

وهو جعل الشيء سبباً لشيء آخر أو شرطاً أو مانعاً أو صحيحاً أو فاسداً.
أمثله تمثيل من الحكم التكليفى والحكم الوضعي :
يمكن أن يجتمع الحكم التكليفى والحكم الوضعي في نص واحد ويمكن أن يفترقا
1) أمثلة يجتمع فيهما كلاً من الحكم التكليفى والحكم الوضعي :
المثال الأول : ـــــ
قول الله تعالى { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما }سورة المائدة :الآية38 .

فإن في هذا المثال وجوب قطع اليد وهو حكماً تكليفياً وفيه جعل السرقة سبباً في قطع اليد وهو حكماً وضعياً .
المثال الثاني : ـــــ
قول الله تعالى { وإذا حللتم فاصطادوا} سورة المائدة : الآية 2 .

فالحكم التكليفى هو إباحة الصيد بعد التحلل من الإحرام , والحكم الوضعي هو جعل هذا التحلل سبباً في الإباحة .
2) مثال ينفرد فيه الحكم التكليفى :
مثل قول الله تعالى { وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة }سورة البقرة : الآية 43 , فإن هذه الآية تتضمن حكماً تكليفاً فقط وهو وجوب الصلاة والزكاة .

3) أمثلة ينفرد فيه الحكم الوضعي :
المثال الأول : ما جاء من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسوله صلى الله عليه وسلم{لا تقبل صلاة بغير طهور }رواه مسلم , فإن هذا الحديث متضمن حكماً وضعياً فقط وهو جعل الطهارة شرطاً لصحة الصلاة .
المثال الثاني :  قوله صلى الله عليه وسلم { القاتل لا يرث }رواه الترمذي وابن ماجه وفيه ضعف , فإن هذا الحديث يشمل على حكم وضعي , وهو جعل القتل مانعاً من الميراث .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

أقسام الأحكام الشرعية
القسم الأول : الأحكام التكليفية


تعريف الحكم التكليفي :

هو : خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين من طلب أو تخيير .

فالمراد (بالطلب) هو طلب الفعل أو طلب الترك .

وطلب الفعل : أما أن يكون طالباً جازماً كالواجب ، وأما طلباً غير جازماً كالمندوب

وطلب الترك : أما أن يكون طالباً جازماً بالترك كالحرام وإما طلباً للترك جازماً غير جازم كالكراهة .

والمراد (بالتخيير) التسوية بين الفعل والترك كالمباح .

أقسام الحكم التكليفي :

ينقسم الحكم التكليفى إلى خمسة أقسام هي :-
القسم الأول : الواجب ويسمى : فرضاً ــ فريضة ــ حتماً ــ لازماً .
القسم الثاني : المندوب ويسمى : سنة ــ مسنوناً ــ  مستحباً ــ نفلاً ـــ تطوعاً .

القسم الثالث : المحرم ويسمى‏ :‏ محظورًا أو ممنوعًا‏.‏

القسم الرابع : المكروه .
القسم الخامس : المباح ويسمى : حلالاً ــ جائزاً .

 

 

 

القسم الأول : الواجب

الواجب لغــــــــــــة: الساقط واللازم‏ يقال: وجب البيع أي لزم البيع، ويأتي بمعنى الساقط يقال: وجب الحائط إذا سقط ومنه قوله تعالى :{فاذكروا اسم الله عليها صواف فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها} سورة الحج :الآية 36

أي إذا سقطت على الأرض بعد نحرها.

والواجب اصطلاحاً: ما يثاب فاعله امتثالاً ويستحق العقاب تاركه.

وقيل‏ : هو ما أمر به الشرع على وجه الإلزام فيثاب فاعله امتثالاً ويستحق العقاب تاركه . كإعفاء اللحية .
شرح التعريف :
المراد (ما أمر به الشرع) يخرج ما نهى عنه الشرع وأباحه فيخرج من هذا القيد كلاً من المحرم والمكروه والمباح
، لأن المحرم والمكروه منهي عنه وليس مأمور به ، والمباح لا يتعلق به أمر ولا نهي .

المراد (على وجه الإلزام ) يخرج ما أمر به الشرع لا على وجه الإلزام وهو المندوب .
 المراد ( يثاب فاعله امتثالاً ) يخرج به من فعله لا امتثالاً للأمر فلا ثواب له .
المراد (يستحق العقاب تاركه )أي إن تاركه يستحق العقاب ولكن قد يعفو الله عنه فقد يعاقب وقد لا.
* أقسام الواجب :
يمكن تقسيم الواجب باعتبارات :-
(1) باعتبار المكلف (الفاعل ): ـــ

وينقسم إلى واجب عين وواجب على الكفاية :
فالواجب العيني : ــ هو
ما طلب فعله من كل واحد من المكلفين بعينه كالصلاة والصيام فيجب على كل فرد مكلف أن يأتي به .

والواجب الكفائي: ــ  ما طلب فعله من المكلفين ، بحيق لو قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين, فإن لم يقم به أحد أثموا جميعأً. مثل:  صلاة الجنازة و الجهاد في سبيل الله ، فإن ذلك واجب على الأمة الإسلامية ، لنشر دين الله وحماية الإسلام ، وديار المسلمين ، فإن قام به بعض الأمة سقط الإثم عن الآخرين أما إذا تركوه أثموا جميعاً إذا لم يوجد إلا العدد الذي يقوم به ، لأنه يتحول إلى واجب عيني .

كذلك تعليم الناس أمور دينهم وإفتاؤهم فيما أشكل عليهم ، والفصل بينهم في خصوماتهم، إذا لم يوجد إلا نفر قليل ممن تتوفر فيهم الشروط ، فإنه يجب عليهم أن يقوموا بهذه المهمة على سبيل التعيين .

(2) باعتبار وقت أدائه : ـــ

وينقسم إلى قسمين واجب مطلق وواجب مقيد :
فالواجب المطلق(الموسع) : وهو ما طلب الشرع فعله وكان
 وقته متسعاً له ولغيره. مثل أوقات الصلاة، فإن وقت الظهر مثلاً: يتسع للإتيان بصلاة الظهر، ويبقى وقت طويل يمكن للإنسان أن يأتي فيه بأعمال أخرى ومثل الكفارات فإن وجبت كفارة اليمين على شخص فإن له أن يؤديها متى شاء .
والواجب المقيد (المضيق) : ما طلب الشارع أدائه وعين لهذا الأداء وقتاً محدداً أو
ما كان وقته لا يتسع لغيره من جنسه. كالصلوات الخمس وصيام رمضان الذي أوجبه الله تعالى بقوله: { يأيها الذين ءامنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون } سورة البقرة : الآية 183.  فإن شهر رمضان لا يتسع لغير صيامه ، لأن الشهر لا يمكن أن يصام مرتين ، ولذلك سمي مضيقاً ولذا يجب على المكلف أن يصوم هذا الشهر ، ولا يجوز له التأخير إلا لعذر كما قال الله تعالى: { فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر } سورة البقرة : الآية 185.

 

3) باعتبار الفعل نفسه (المكلف به ) : ـــ

وينقسم إلى قسمين واجب معين  وواجب مبهم :

فالواجب المعين: ما طلب الشارع من المكلف فعله بعينه. مثل : الصلاة ، والزكاة ، والصوم ، فإن الله تعالى قد طلب من المكلف أن يأتي بهذه العبادات بعينها ، ولا يجوز أن يأتي ببدل عنها.

والواجب المخير:  هو ما طلب الشارع من المكلف أن يأتي بأمر من أمور معينة مثل: خصال كفارة اليمين ، فقد أوجب الله تعالى على من حنث في يمينه أن يكفر بخصلة من خصال ثلاث ، هي المذكورة في قوله تعالى{ لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمنكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمن فكفرته إطعام عشرة مسكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة} سورة المائدة : الآية 89 .

فقد ذكر الله تعالى في الآية أو الواجب واحد من أمور ثلاثة: الإطعام ، أو الكسوة , أو العتق، فإذا أتى المكلف بواحد من هذه الثلاثة فقد خرج من عهدة التكليف وبرئت ذمته.

* الفرق بين الواجب والفرض :
ذهب جمهور الفقهاء إلى أن لافرق بين الفرض والواجب وقالوا إن هذين اللفظين مترادفين , وذهب فريق آخر من العلماء إلى أن الفرض غير الواجب فلفرض ما ثبت بدليل قطعي , والواجب ما ثبت بدليل ظني .
وعلى هذا يكون من ترك قراءة شئ من القرآن في الصلاة تكون صلاته باطلة , لأن القراءة فرض لثبوتها بدليل قطعي وهو قوله تعالى{فاقرءوا ما تيسر من القرآن }سورة المزمل : الآية 20 .

وأما من ترك قراءة الفاتحة فقط فإن صلاته تكون صحيحة لأن قراءتها ليست فرضاً وإنما هي واجبة فقط , لأنها ثابتة بدليل ظني كما في حديث عبادة بن الصامت قال قال رسول صلى الله عليه وسلم  { لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب }رواه البخاري ومسلم.

 

القسم الثاني : المندوب

المندوب لغة‏:‏ من الندب إلي الشيء أي الدعاء إليه .

ومن ذلك الشاعر :

لا يسألون أخاهم حين يندبهم     للنائبات على ما قال برهانا

والمندوب اصطلاحًا‏:‏ هو ما أمر به الشارع لا على وجه الإلزام فيثاب فاعله امتثالاً ولا يعاقب تاركه . كسنن الرواتب .
شرح التعريف :
المراد (ما أمر به الشرع ) يخرج ما نهى عنه الشرع وأباحه فيخرج من هذا القيد كلاً من المحرم والمكروه والمباح ،
لأن المحرم والمكروه منهي عنه وليس مأمور به ، والمباح لا يتعلق به أمر ولا نهي .

المراد (لا على وجه الإلزام) يخرج ما أمر به الشارع على وجه الإلزام وهو الواجب .
المراد (فيثاب فاعله امتثالاً) يخرج به من فعله لا امتثالاً للأمر فلا ثواب له .
المراد (ولا يعاقب تاركه )أي إن تارك المندوب لا يعاقب على تركه له .

 

 

 

 

 

 

 

القسم الثالث : المحرم

المحروم لغة‏:‏ الممنوع ،أي أن المحرم في لغة العرب الممنوع ، فإن العرب تقول حرمت كذا أي منعته ، ومنه حريم البئر أي الجزء الذي يمنع بجوار في حدود البئر .

والمحروم اصطلاحًا‏:‏ ما نهى عنه الشارع على وجه الإلزام فيثاب تاركه امتثالاً ويستحق العقاب فاعله . كإسبال الثياب بالنسبة للرجال‏ .

شرح التعريف :

المراد (بما نهى عنه الشارع ) يخرج ما أمر عنه الشارع وأباحه وهو الواجب والمندوب والمباح .
المراد (على وجه الإلزام) يخرج ما نهى عنه الشارع لا على وجه الإلزام وهو المكروه .
المراد (يثاب تاركه امتثالاً ) يخرج به من تركه لا امتثالاً للأمر فلا ثواب له .المراد (يستحق العقاب فاعله) أي إن فاعله يستحق العقاب ولكن قد يعفو الله عنه فقد يعاقب وقد لا.

 

القسم الرابع : المكروه

المكروه لغة‏:‏ المبغض .
والمكروه اصطلاحاً : ما نهى عنه الشارع لا على وجه الإلزام فيثاب تاركه امتثالاً ولا يعاقب فاعله .
كالأخذ والإعطاء بالشمال .، وكالنهي عن الشرب قائماً، لما روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم { نهى عن الشرب قائماً}

رواه مسلم

فهذا محمول على الكراهة على الصحيح من أقوال العلماء لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد بين جواز الشرب قائماً بفعله صلى الله عليه وسلم حيث قال ابن عباس رضي الله عنهما: { شرب النبي صلى الله عليه وسلم قائماً من زمزم } رواه البخاري ومسلم .

شرح التعريف :
المراد (بما نهى عنه الشارع) يخرج ما أمر به الشارع وأباحه وهو الواجب والمندوب والمباح
المراد (لا على وجه الإلزام) يخرج ما نهى عنه الشارع على وجه الإلزام وهو المحرم .
المراد (يثاب تاركه امتثالاً) يخرج به من تركه لا امتثالاً للأمر فلا ثواب له .
المراد ( ولا يعاقب فاعله ) أي إن فاعل المكروه لا يعاقب ولكن هذا لا يعني أن نتهاون بالمكروه لأنه يخشى أن يكون هذا المكروه سلماً إلى المحرم كما أن المعاصي الصغار وسيلة للكبائر والكبائر وسيلة إلى الكفر ولهذا يقولون المعاصي بريد الكفر أي موصلة للكفر .

 

القسم الخامس : المباح

المباح لغة‏:‏ المعلن والمأذون فيه .
والمباح
اصطلاحاً: ما خير المكلف بين فعله وتركه.

وقيل هو: ما لا يتعلق به أمر ولانهى لذاته . أي لا يترتب عليه ثواب ولا عقاب
شرح التعريف :
المراد (ما لا يتعلق به أمر )خرج به الواجب والمندوب .
المراد (ولا نهى ) خرج به المحرم والمكروه .
المراد ( لذاته ) يخرج ما لو تعلق به أمر لكونه وسيلة لمأمور به أو نهى لكونه وسيلة لمنهي عنه فإن له حكم ما كان وسيلة له من مأمور أو منهي وهذا لا يخرج عن كونه مباح في الأصل ( مثل شراء الماء الأصل فيه الإباحة لكن إذا كان يتوقف على الوضوء للصلاة صار شراؤه واجباً فإذا أمر الشرع بشيء فهو أمر به و أمر بما لا يتم إلا به ) .
المراد (لا يترتب عليه ثواب ولا عقاب) أي إن فعله وتركه لا يترتب عليه عقوبة ولا ثواب

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق