الأربعاء، 7 أغسطس 2024

مذكرة في أصول الفقه

 

سلسلة

دروس في أصول الفقه

(الدرس الأول)

 

 


المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له واشهد أن لا اله ألا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون}
{ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالًا كثيرًا ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبًا}
{ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولًا سديدًا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا}
أما بعد
فإن اصدق الحديث كتاب الله , وأحسن الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم , وشر الأمور محدثاتها , وكل محدثة بدعة , وكل بدعة ضلالة , وكل ضلالة في النار
ثم أما بعد
فهذه مذكرة في علم أصول الفقه جمعتها من كتب أهل العلم للأخوة الدارسين بالمستوى الثالث بالدورة العلمية الشرعية رقم 27 والتي ينظمها مكتب الدعوة وتوعية الجاليات بحي الربوة بمدينة الرياض لعام 27/1428هـ والله أسأل أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم .

 

 

أصول الفقه

تعريف أصول الفقه : ــــ
نظر علماء الأصول إلى (أصول الفقه) بنظرتين لأنها مركب كلمتين كلمة (أصول)  مضاف وكلمة (فقه) مضاف إليه وعلى ضوء هاذين النظرتين يمكن تعريف أصول الفقه .
*النظرة الأولى : نظرة باعتباره مفرديه ( أي باعتبار كلمة أصول وكلمة فقه)
تعريف الأصل :

الأصول جمع مفردها أصل .

وهو في اللغة ما يبنى عليه غيره مثل أصل الجدار وهو أساسه، وأصل الشجرة الذي يتفرع منه أغصانها قال الله تعالى { ألم ترى كيف ضرب الله مثلًا كلمةً طيبةً كشجرة طيبة أصلها ثابتٌ وفرعها في السماء}سورة ‏ ‏إبراهيم‏: الآية‏24‏

والأصل في الاصطلاح له  عدد من المعاني منها     :

1 ـ الدليل : فإنك تقول أصل تحريم الزنا {ولا تقربوا الزنا} سورة الإسراء :الآية 32.

أي دليل تحريم الزنا هذه الآية .

2 ـ الراجح : فإنهم يقولون : الأصل في الكلام الحقيقة ، دون المجاز ، أي الراجح حمل الكلام على حقيقته .

3 ـ المقيس عليه : أي الذي يقاس عليه غيره ، فيقول : الخمر أصل النبيذ ، فالخمر :مقيس عليه و النبيذ : مقيس .

4 ـ القاعدة المستمرة : كقولهم ( أكل الميتة على خلاف الأصل) ، أي :خلاف القاعدة المستمرة من تحريم أكلها .  

تعريف الفقه:

 لغة الفهم  ومنه قوله تعالى{ واحلل عقدةً من لساني يفقهوا قولي ‏}سورة ‏طـه : الآية‏27‏‏.‏ فمعني يفقهوا أي يفهموا .
وقال تعالى {قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا ًمما تقول} سورة هود : الآية 91 . وقوله تعالى {حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوماً لا يكادون يفقهون قولاً} سورة الكهف : الأية93

وقوله تعالى {فمال هؤلاء القوم لايكادون يفقهون حديثاً} سورة النساء : الآية 78
وقوله تعالى { وإن من شئ إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم} سورة الإسراء : الآية 44
وما ثبت من حديث ابن عباس رضي الله عنه قال قال رسول صلى الله عليه وسلم{اللهم فقهه في الدين} رواه البخاري .

والفقه في الاصطلاح : معرفة الأحكام الشرعية العملية بأدلتها التفصيلية .
فالمراد (بالمعرفة) هي العلم والظن  لان إدراك الأشياء إما أن تكون : ــــ
1) العلم : وهو إدراك الشيء على ما هو عليه إدراكاً جازماً.

2) الظن : وهو إدراك الشيء مع احتمال ضد مرجوح .
3) الشك : وهو إدراك الشيء مع احتمال ضد مساو .
4) الوهم : وهو إدراك الشيء مع احتمال ضد راجح
5) الجهل البسيط : وهو عدم الإدراك بالكلية .
6) الجهل المركب : هو إدراك الشيء على وجه يخالف ما هو عليه في الواقع
والمراد (بالأحكام الشرعية) هي الأحكام المتلقاة من الشرع كالوجوب والتحريم .

 

 و الأحكام ثلاثة أنواع : 
1) عقليه : مثل الواحد نصف الاثنين ، وكمعرفة أن الكل أكبر من الجزء فهذا الحكم غير داخل في علم الفقه لأنه حكم عقلي

2) حسية أو عادية : مثل النار محرقة كمعرفة نزول الطل في الليلة الشاتية إذا كان الجو صحوًا‏.‏

3) شرعية : مثل الصلاة واجبة .
والأحكام الشرعية هى ما تتوقف معرفتها من الشرع ولا تدرك إلا عن طريقه , وتقييد الأحكام بكونها شرعية يخرج الغير شرعية كالأحكام الحسية و العقلية .
والمراد (بالعملية)  ما يصدر عن المكلف من الأفعال , لان الأحكام الشرعية بحسب متعلقاتها تنقسم إلى :-
1) الاعتيادية : وهى ما يتعلق باعتقاد الناس وتسمى أحكام اعتقاديه مثل الإيمان بالله وملائكته .
2) العملية : وهى ما يتعلق بأفعال الناس التي تصدر عنهم وتسمى أحكاما عملية مثل وجوب الصلاة
3) الأخلاقية : وهى ما تتعلق بتهذيب النفوس وتزكيتها وتسمى الأحكام الأخلاقية مثل وجوب الصدق وتحريم الكذب .
وتقييد الأحكام الشرعية بالعملية يخرج غير العملية وهى الاعتيادية والأخلاقية .
والمراد  (بأدلتها التفصيلية) أي أدلة الفقه المقرونة بمسائل الفقه التفصيلية , فيخرج به أصول الفقه لأن البحث فيه إنما يكون في أدلة الفقه الإجمالية .

*النظرة الثانية: نظرة باعتبار كونه لقباً لهذا الفن المعين فعرفه(الأصوليين)

 بعدة تعريفات نذكر منها ما يأتي:-

 

التعريف الأول :

 هي القواعد التي يتوصل بها المجتهد إلى استنباط الأحكام الشرعية العملية من الأدلة التفصيلية .
شرح التعريف :
المراد (بالقواعد) : جمع مفرده قاعدة و القاعدة عبارة عن قضية كلية تشمل جزئيات كثيرة كقاعدة ( الأمر للوجوب) و( النهى للتحريم) وغيرها من القواعد . وبأخذ القاعدة في التعريف يخرج الأمور الجزئية .
المراد (التي يتوصل بها المجتهد) : أي أن المجتهد يستطيع بواسطة هذه القواعد الأصولية أن يأخذ الأحكام الفقهية من الدليل التفصيلي .
المراد (بالأحكام): جمع مفرده حكم والحكم إثبات أمر لاخر أو نفيه عنه , والأحكام بحسب طريق إثباتها ثلاثة أنواع .
النوع الأول : عقلي مثل الواحد نصف الاثنين .
النوع الثاني : حسي مثل النار محرقة.
النوع الثالث : شرعي مثل الصلاة واجبة.
المراد(بالشرعية) : هى ما تتوقف معرفتها على الشرع . وتقييد الأحكام بكونها شرعية يخرج الأحكام الغير شرعية وهى الأحكام العقلية والحسية.
المراد (بالعملية ): ما يصدر عن المكلف من الأفعال , لان الأحكام الشرعية بحسب متعلقاتها تنقسم إلى الاعتقادية والعملية والأخلاقية , وتقييد الأحكام الشرعية بالعملية يخرج غير العملية وهى الاعتقادية والأخلاقية .
المراد (بالأدلة التفصيلية) : هي الأدلة الجزئية , وهى التي يتعلق كل دليل منها بمسألة مخصوصة , ويدل كل واحد منها على حكم معين , كقوله تعالى { حرمت عليكم أمهاتكم }سورة النساء : الآية 23

حيث أنه دليل تفصيلي تعلق بمسألة معينة وهى الزواج بأمهات , وتفيد حكماً معيناً وهو حرمة الزواج بالأم .
التعريف الثاني:

علم يبحث عن أدلة الفقه الإجمالية وكيفية الاستفادة منها وحال المستفيد .
شرح التعريف : ــــ
فالمراد (بالإجمالية) هي القواعد العامة مثل
مثل قولهم‏:‏ الأمر للوجوب أي أن الأمر إذا كان مجردا عن القرائن فإنه يفيد الوجوب ، فهذه القاعدة : الأمر للوجوب قاعدة إجمالية لأنها لم تشمل أمرا محددا بل هي عامة لكل أمر ، ومثلها قولهم : النهي للتحريم والصحة تقتضي النفوذ، فيخرج به أدلة الفقه التفصيلية فلا تذكر في أصول الفقه إلا على سبيل التمثيل للقاعدة .
والمراد (بكيفية الاستفادة)  أي أن المجتهد يستطيع بواسطة هذه القواعد الأصولية أن يأخذ الحكم .

وبتقييد (الاستفادة منها) يخرج القواعد التي لا يوصل البحث فيها إلى شئ بأن تكون مقصودة لذاتها مثل قاعدة ( العدل أساس الملك) , والقواعد يجب أن تكون شرعية وكونها شرعية تخرج القواعد التي ليست شرعية كقواعد النحو مثلاً .
والمراد (بحال المستفيد)
معرفة حال  المجتهد ، سمي مستفيداً لأنه يستفيد بنفسه الأحكام من أدلتها لبلوغه مرتبة الاجتهاد، فمعرفة المجتهد وشروط الاجتهاد وحكمه ونحو ذلك يبحث في أصول الفقه‏ .‏
التعريف الثالث :

 القواعد التي يتوصل بها إلى استنباط الأحكام الشرعية الفرعية.

موضوع علم أصول الفقه:

يبحث علم الأصول في أربعة أمور هي:

1 ) الحكم ويشمل مباحث الأحكام التكليفية والوضعية.

2 ) الدليل ويشمل جميع الأدلة، كالقرآن، والسنة، والإجماع، والقياس وغيرها.

3 ) الاستدلال ويشمل جميع مباحث الألفاظ كالعموم والخصوص ، والحقيقة والمجاز ، والنص والظاهر، والمنطوق والمفهوم، وغيرها.

4 ) المستدل ويشمل مباحث الاجتهاد والتقليد.

الفرق بين علم الفقه وعلم أصول الفقه: 

علم الفقه: يبحث في الأدلة التفصيلية  وأفعال المكلفين

وعلم أصول الفقه: يبحث في الأدلة الإجمالية واستنباط الأحكام الشرعية منها

  الفرق بين الأصولي والفقيه  :
الأصولي يبحث عن القواعد الكلية , والنظر في الأدلة الإجمالية من حيث دلالتها على الحكم فهو ينظر في كيفيات هذه الأدلة وأحوالها من حيث كونها عامة أو خاصة , مطلقة أو مقيدة , أمراً أو نهياً , ويضع القواعد التي تبين الحكم لكل منها , فيبحث مثلاً في الأوامر فيجد قاعدة كلية وهى (كل أمر إذا تجرد من قرينة يفيد الوجوب) وهكذا النواهي يجد ( كل نهى  إذا تجرد من قرينة  يفيد التحريم ) , ويبحث في العام فيجد أن ( العام يتناول أفراده قطعاً ) .
أما الفقيه فهو يبحث في أدلة الفقه الجزئية ليصل من خلال ذلك إلى معرفة حكم من الأحكام الشرعية العملية .

 فإذا ما أراد مثلاً معرفة حكم الصلاة , فإنه يبحث في الأدلة التفصيلية المتعلقة بالصلاة فيجد قول الله تعالى{ وأقيموا الصلاة}سورة البقرة: الآية43 , فينظر في هذا الدليل الجزئي فيجد فيه الأمر بالصلاة .
 أهمية أصول الفقه :  :

1) ضبط أصول الاستدلال وذلك ببيان الأدلة الصحيحة  .
2) التمكن من الحصول على قدرة يستطيع بها استخراج الأحكام الشرعية من أدلتها على أساس سليم.
3) تيسير عملية الاجتهاد وإعطاء الحوادث الجديدة ما يناسبها من الحكم.
4) معرفة الأسباب التي أدت إلى وقوع الخلاف بين العلماء والتماس الأعذار لهم .
5) بيان ضوابط الفتوى وشروط المفتى وآدابه .
6) الوقوف على سماحة الشريعة ويسرها , والابتعاد عن الجمود المترتب على دعوى إغلاق باب الاجتهاد.
 سبب وضع العلماء لعلم أصول الفقه ومن أول من وضعه  :
إن سبب حمل العلماء على إنشاء هذا العلم إنه عندما كثرة الفتوحات الإسلامية واتسعت رقعة الإسلام أدى ذلك إلى اختلاط الأمة العربية بغيرها من الأمم فدخل في اللغة العربية الكثير من المفردات غير العربية فكثر تبعاً لذلك الاشتباه والاحتمال في فهم النصوص , كما أدت كثرة الفتوحات إلى وجود الكثير من الحوادث التي لم تكن موجودة من قبل والتي لم يرد ما يبين حكمها .
و أول من وضع هذا العلم هو الأمام الشافعي رحمه الله تعالى في أواخر القرن الثاني الهجري .

 

طريقة العلماء في وضع قواعد هذا العلـم  :
الطريقة الأولى : طريقة الأحناف :
 علماء الأحناف رحمهم الله ينظرون في الفروع الفقهية في مذهب الإمام أبي حنيفة ويتتبعونها ثم يضعون القواعد الأصولية على مقتضى فروع مذهبهم ، فهم يعتبرون القواعد مسخرة للفروع ، ولهذا جاءت كتبهم غنية بالفروع الفقهية  .
الطريقة الثانية : طريقة الجمهور :
 جمهور العلماء من المالكية والشافعية والحنابلة ينظرون في أدلة الأحكام من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع الأمة مع استصحاب البراءة الأصلية ، ويضعون الأصول على مقتضى الأدلة ، ولم يراعوا في ذلك مذهب معين بل المؤلف نفسه لم يراعي مذهبه ، وعليه فالفروع مسخرة للقواعد ، ولكنهم لم يتعمقوا في الفروع  .
الطريقة ثالثة : الجمع بين الطريقتين  .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق