100

وقعة بئر مَعُونَة شهر صفر سنة 4هـ /وتجرأت بنو غَطَفَان حتى همت بالغزو على المدينة في جمادي الأولي سنة 4 هـ‏/سرية أبي سلمة‏ 1/محرم سنة 4هـ/بعث عبد الله بن أُنَيس‏‏ 5/محرم/سنة 4هـ حتي السبت 25 محرم سنة4هـ/بعث الرَّجِيع‏ شهر صفر 4 للهجرة /واقعة بئر مَعُونة‏ شهر صفر 4 للهجرة غزوة بني النضير ربيع الأول سنة 4 من الهجرة،/غزوة نجد ‏ في شهر ربيع الثاني أو جمادي الأولي سنة 4 هـ(ربيع الآخر أو جمادى الأولى سنة 4 هـ /غزوة ذات الرِّقَاع‏ ربيع2 سنة4هـ/غزوة الخندق فى أواخر السنة الخامسة

Translate

الأحد، 1 أبريل 2018

1.نسخ التوجه لبيت المقدس بنزول حكم التوجه للمسجد الحرام

             المقدمة                

  قلت المدون// ايات النسخ بكل اشكاله ثابتة في القران الكريم ويعتمد توثيق النسخ علي

= 1. المحور الزمني للتنزيل

=  2. مع ثبات الدلالة علي التضاد في قاعدة الحكم الشرعي ولا ثالث لهذه المسلمة

=  3.  وقد أخطأ كثير من الفقهاء وقالوا بضرورة التوفيق بين كل ما هو متعارض في الحكم الواحد

=   4. وأقول المدون ان منحاهم هذا منتهي البطلان ذلك لأن سنة الله في خلقه بناها سبحانه علي القواعد الثابتة التي لايتغير منه جزء دون جزء بل اذا شاء ان يغير او يبدل استبد سبحانه اصل القاعدة بقاعدة اخري في نفس الموضوع او بموضوع اخر

=  5. والنسخ هنا يتبع نسخ القاعدة  وتغييرها بقاعدة اخري في نفس الموضوع او بموضوع اخر استبدالا 

=  6. ولا يجوز ذلك لبشر انما هو قصر علي الله ورسوله بإذنه فقط 

= 7.  لذلك فإن خطورة الجمع بين المنسوخ والناسخ تُنتج اختلافات  كثيرة ليس لها حل في كتب الفقه الاسلامي

= 8. فالمنسوخ بعد نسخه اصبح تشريعا باطلا  يصنع جريمة تشريعية لمن يقولون به واخري جريمة سلوكية لمن يعمل به 

 ولا يمكن الجمع او التوفيق بينهما لاستحالة ذلك فالمنسوخ حكم حرمه الله بعد حلَّه والناسخ حكم اوجده الله لفرض العمل به ولا يقوم الضدان أو المتناقضان  ولا ينتصبان ابدا 

ومن امثل المنسوخ والناسخ في الموضوح الواحد  حكم تخريم الخمر وارضاع الكبير والطلاق وتغير القبلة والطلاق بين تشريع سورة البقرة وبين سورة الطلاق وغير ذلك

= 9.  وكل احكام المنسوخ منها ما هو حكمها في القران مع بقاء رسمها في المصحف  او محا الله حكمه ورسمه في المصحف  ...

نسخ التوجه لبيت المقدس وتحريمه  بنزول حكم التوجه للمسجد الحرام وفرضه

  قال الله تعالي ( قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون ( 144 ) )

قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : كان أول ما نسخ من القرآن القبلة ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة ، وكان أكثر أهلها اليهود ، فأمره الله أن يستقبل بيت المقدس ، ففرحت اليهود ، فاستقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعة عشر شهرا ، وكان يحب قبلة إبراهيم فكان يدعو إلى الله وينظر إلى السماء ، فأنزل الله : ( قد نرى تقلب وجهك في السماء ) إلى قوله : ( فولوا وجوهكم شطره ) فارتاب من ذلك اليهود ، وقالوا : ( ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب [ يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ] ) وقال : ( فأينما تولوا فثم وجه الله ) [ البقرة : 115 ] وقال الله تعالى : ( وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه )  وروى ابن مردويه من حديث القاسم العمري ، عن عمه عبيد الله بن عمر ، عن داود بن الحصين ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم من صلاته إلى بيت المقدس رفع رأسه إلى السماء فأنزل الله : ( فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام ) إلى الكعبة إلى الميزاب ، يؤم به جبرائيل عليه السلام .        وروى الحاكم ، في مستدركه ، من حديث شعبة عن يعلى بن عطاء ، عن يحيى بن قمطة قال : رأيت عبد الله بن عمرو جالسا في المسجد الحرام ، بإزاء الميزاب ، فتلا هذه الآية :

(فلنولينك قبلة ترضاها ) قال : نحو ميزاب الكعبة .

ثم قال : صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه .

ورواه ابن أبي حاتم ، عن الحسن بن عرفة ، عن هشيم ، عن يعلى بن عطاء ، به .

وهكذا قال غيره ، وهو أحد قولي الشافعي ، رحمه الله : إن الغرض إصابة عين القبلة . والقول الآخر وعليه الأكثرون : أن المراد المواجهة كما رواه الحاكم من حديث محمد بن إسحاق ، عن عمير بن زياد الكندي ، عن علي ، رضي الله عنه ، ( فول وجهك شطر المسجد الحرام ) قال : شطره : قبله . ثم قال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه .

وهذا قول أبي العالية ، ومجاهد ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، وقتادة ، والربيع بن أنس ، وغيرهم . وكما تقدم في الحديث الآخر : ما بين المشرق والمغرب قبلة .

[ وقال القرطبي : روى ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما بين المشرق والمغرب قبلة لأهل المسجد ، والمسجد قبلة لأهل الحرم ، والحرم قبلة لأهل الأرض في مشارقها ومغاربها من أمتي " ] .

وقال أبو نعيم الفضل بن دكين :

حدثنا زهير ، عن أبي إسحاق ، عن البراء أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى قبل بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا ، وكان يعجبه قبلته قبل البيت وأنه صلى صلاة العصر ، وصلى معه قوم ، فخرج رجل ممن كان يصلي معه ، فمر على أهل المسجد وهم راكعون ، فقال : أشهد بالله لقد صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مكة ، فداروا كما هم قبل البيت .         
وقال عبد الرزاق : أخبرنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن البراء [ قال ] لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة صلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أن يحول نحو الكعبة ، فنزلت : (قد نرى تقلب وجهك في السماء[ فلنولينك قبلة ترضاها ] ) فصرف إلى الكعبة .

وروى النسائي عن أبي سعيد بن المعلى قال : كنا نغدو إلى المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنمر على المسجد فنصلي فيه ، فمررنا يوما ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد على المنبر فقلت : لقد حدث أمر ، فجلست ، فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية : ( قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها ) حتى فرغ من الآية . فقلت لصاحبي : تعال نركع ركعتين قبل أن ينزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فنكون أول من صلى ، فتوارينا فصليناهما . ثم نزل النبي صلى الله عليه وسلم فصلى للناس الظهر يومئذ .

وكذا روى ابن مردويه ، عن ابن عمر : أن أول صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة صلاة الظهر ، وأنها الصلاة الوسطى . والمشهور أن أول صلاة صلاها إلى الكعبة صلاة العصر ، ولهذا تأخر الخبر عن أهل قباء إلى صلاة الفجر .

وقال الحافظ أبو بكر بن مردويه : حدثنا سليمان بن أحمد ، حدثنا الحسين بن إسحاق التستري ، حدثنا رجاء بن محمد السقطي ، حدثنا إسحاق بن إدريس ، حدثنا إبراهيم بن جعفر ، حدثني أبي ، عن جدته أم أبيه نويلة بنت مسلم ، قالت : صلينا الظهر أو العصر في مسجد بني حارثة ، فاستقبلنا مسجد إيلياء فصلينا ركعتين ، ثم جاء من يحدثنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استقبل البيت الحرام ، فتحول النساء مكان الرجال ، والرجال مكان النساء ، فصلينا السجدتين الباقيتين ، ونحن مستقبلون البيت الحرام . فحدثني رجل من بني حارثة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أولئك رجال يؤمنون بالغيب " .

وقال ابن مردويه أيضا : حدثنا محمد بن علي بن دحيم ، حدثنا أحمد بن حازم ، حدثنا مالك بن إسماعيل النهدي ، حدثنا قيس ، عن زياد بن علاقة ، عن عمارة بن أوس قال : بينما نحن في الصلاة نحو بيت المقدس ، ونحن ركوع ، إذ أتى مناد بالباب : أن القبلة قد حولت إلى الكعبة . قال : فأشهد على إمامنا أنه انحرف فتحول هو والرجال والصبيان ، وهم ركوع ، نحو الكعبة .

وقوله : ( وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره ) أمر تعالى باستقبال الكعبة من جميع جهات الأرض ، شرقا وغربا وشمالا وجنوبا ، ولا يستثنى من هذا شيء ، سوى النافلة في حال السفر ، فإنه [ ص: 461 ] يصليها حيثما توجه قالبه ، وقلبه نحو الكعبة . وكذا في حال المسايفة في القتال يصلي على كل حال ، وكذا من جهل جهة القبلة يصلي باجتهاده ، وإن كان مخطئا في نفس الأمر ، لأن الله تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها .

مسألة : وقد استدل المالكية بهذه الآية على أن المصلي ينظر أمامه لا إلى موضع سجوده كما ذهب إليه الشافعي وأحمد وأبو حنيفة ، قال المالكية لقوله : ( فول وجهك شطر المسجد الحرام ) فلو نظر إلى موضع سجوده لاحتاج أن يتكلف ذلك بنوع من الانحناء وهو ينافي كمال القيام . وقال بعضهم : ينظر المصلي في قيامه إلى صدره . وقال شريك القاضي : ينظر في حال قيامه إلى موضع سجوده كما قال جمهور الجماعة ، لأنه أبلغ في الخضوع وآكد في الخشوع وقد ورد به الحديث ، وأما في حال ركوعه فإلى موضع قدميه ، وفي حال سجوده إلى موضع أنفه وفي حال قعوده إلى حجره .

وقوله : ( وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم ) أي : واليهود الذين أنكروا استقبالكم الكعبة وانصرافكم عن بيت المقدس يعلمون أن الله تعالى سيوجهك إليها ، بما في كتبهم عن أنبيائهم ، من النعت والصفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأمته ، وما خصه الله تعالى به وشرفه من الشريعة الكاملة العظيمة ، ولكن أهل الكتاب يتكاتمون ذلك بينهم حسدا وكفرا وعنادا ; ولهذا يهددهم تعالى بقوله : ( وما الله بغافل عما يعملون ) .

 

 

2.لا يمكن العمل بالمنسوخ وترك الناسخ الخمر{مرحلة تحريم الخمر والتأكيد علي تحريمها }

 مرحلة تحريم الخمر والتأكيد علي تحريمها 

مرحلة تحريم الخمر والتأكيد علي تحريمها

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَاب الْأَشْرِبَةِ بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ

5253 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا حُرِمَهَا فِي الْآخِرَةِ
الحاشية رقم: 1
قَوْلُهُ : ( كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ ) وَقَوْلُ اللَّهِ - تَعَالَى - : إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ الْآيَةَ ، كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ ، وَسَاقَ الْبَاقُونَ إِلَى " الْمُفْلِحُونَ " كَذَا ذَكَرَ الْآيَةَ وَأَرْبَعَةَ أَحَادِيثَ تَتَعَلَّقُ بِتَحْرِيمِ الْخَمْرِ ، وَذَلِكَ أَنَّ الْأَشْرِبَةَ مِنْهَا مَا يَحِلُّ وَمَا يَحْرُمُ فَيُنْظَرُ فِي حُكْمِ كُلٍّ مِنْهُمَا ثُمَّ فِي الْآدَابِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالشُّرْبِ ، فَبَدَأَ بِتَبْيِينِ الْمُحَرَّمِ مِنْهَا لَقِلَّتِهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْحَلَالِ ، فَإِذَا عُرِفَ مَا يَحْرُمُ كَانَ مَا عَدَاهُ حَلَالًا ، وَقَدْ بَيَّنْتُ فِي تَفْسِيرِ الْمَائِدَةِ الْوَقْتَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ الْآيَةُ الْمَذْكُورَةُ وَأَنَّهُ كَانَ فِي عَامِ الْفَتْحِ قَبْلَ الْفَتْحِ ، ثُمَّ رَأَيْتُ الدِّمْيَاطِيَّ فِي سِيرَتِهِ جَزَمَ بِأَنَّ تَحْرِيمَ الْخَمْرِ كَانَ سَنَةَ الْحُدَيْبِيَةِ ، وَالْحُدَيْبِيَةُ كَانَتْ سَنَةَ سِتٍّ . وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّهُ كَانَ فِي وَاقِعَةِ بَنِي النَّضِيرِ ، وَهِيَ بَعْدَ وَقْعَةِ أُحُدٍ وَذَلِكَ سَنَةَ أَرْبَعٍ عَلَى الرَّاجِحِ ،

 

وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ أَنَسًا كَمَا سَيَأْتِي فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ كَانَ السَّاقِيَ يَوْمَ حُرِّمَتْ ، وَأَنَّهُ لَمَّا سَمِعَ الْمُنَادِيَ بِتَحْرِيمِهَا بَادَرَ فَأَرَاقَهَا ، فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ سَنَةَ أَرْبَعٍ لَكَانَ أَنَسٌ يَصْغُرُ عَنْ ذَلِكَ ،وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفُ لَمَّحَ بِذِكْرِ الْآيَةِ إِلَى بَيَانِ السَّبَبِ فِي نُزُولِهَا ، وَقَدْ مَضَى بَيَانُهُ فِي تَفْسِيرِ الْمَائِدَةِ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِمَا ،

 

وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَ تَحْرِيمَ الْخَمْرِ فِي قَبِيلَتَيْنِ مِنَ الْأَنْصَارِ شَرِبُوا ، فَلَمَّا ثَمِلَ الْقَوْمُ عَبِثَ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ ، فَلَمَّا أَنْ صَحَوْا جَعَلَ الرَّجُلُ يَرَى فِي وَجْهِهِ وَرَأْسِهِ الْأَثَرَ فَيَقُولُ : صَنَعَ هَذَا أَخِي فُلَانٌ ، وَكَانُوا إِخْوَةً لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ضَغَائِنُ ، فَيَقُولُ : وَاللَّهِ لَوْ كَانَ بِي رَحِيمًا مَا صَنَعَ بِي هَذَا ، حَتَّى وَقَعَتْ فِي قُلُوبِهِمُ الضَّغَائِنُ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الْآيَةَ : يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ - إِلَى - مُنْتَهُونَ قَالَ فَقَالَ نَاسٌ مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ : هِيَ رِجْسٌ ، وَهِيَ فِي بَطْنِ فُلَانٍ وَقَدْ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ - تَعَالَى - : لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا - إِلَى - الْمُحْسِنِينَ

 

وَوَقَعَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ فِي الْبُخَارِيِّ كَمَا مَضَى فِي الْمَائِدَةِ ، وَوَقَعَتْ أَيْضًا فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَصَحَّحَهُ ،

 

وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ أَحْمَدَ " لَمَّا حُرِّمَتِ الْخَمْرُ قَالَ نَاسٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَصْحَابُنَا الَّذِينَ مَاتُوا وَهُمْ يَشْرَبُونَهَا " وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ .

 

وَعِنْدَ الْبَزَّارِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ الَّذِي سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ الْيَهُودُ ،

 

وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي ذَكَرْتُهُ فِي تَفْسِيرِ الْمَائِدَةِ نَحْوَ الْأَوَّلِ ، وَزَادَ فِي آخِرِهِ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : لَوْ حُرِّمَ عَلَيْهِمْ لَتَرَكُوهُ كَمَا تَرَكْتُمْ

 

قَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ : يُسْتَفَادُ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ تَسْمِيَتِهَا رِجْسًا . وَقَدْ سُمِّيَ بِهِ مَا أُجْمِعَ عَلَى تَحْرِيمِهِ وَهُوَ لَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمِنْ قَوْلُهُ : مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ لِأَنَّ مَهْمَا كَانَ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ حَرُمَ تَنَاوُلُهُ ، وَمِنَ الْأَمْرِ بِالِاجْتِنَابِ وَهُوَ لِلْوُجُوبِ وَمَا وَجَبَ اجْتِنَابُهُ حَرُمَ تَنَاوُلُهُ ، وَمِنَ الْفَلَاحِ الْمُرَتَّبِ عَلَى الِاجْتِنَابِ ، وَمِنْ كَوْنِ الشُّرْبِ سَبَبًا لِلْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَتَعَاطِي مَا يُوقِعُ ذَلِكَ حَرَامٌ ، وَمِنْ كَوْنِهَا تَصُدُّ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ، وَمِنْ خِتَامِ الْآيَةِ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى - : فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ؟ فَإِنَّهُ اسْتِفْهَامٌ مَعْنَاهُ الرَّدْعُ وَالزَّجْرُ ، وَلِهَذَا قَالَ عُمَرُ لَمَّا سَمِعَهَا : انْتَهَيْنَا انْتَهَيْنَا .

وَسَبَقَهُ إِلَى نَحْوِ ذَلِكَ الطَّبَرِيُّ .

 

وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : لَمَّا نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ مَشَى أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ فَقَالُوا : حُرِّمَتِ الْخَمْرُ وَجُعِلَتْ عِدْلًا لِلشِّرْكِ " قِيلَ : يُشِيرُ إِلَى قَوْلِهِ - تَعَالَى - : يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ .........الْآيَةَ ، فَإِنَّ الْأَنْصَابَ وَالْأَزْلَامَ مِنْ عَمَلِ الْمُشْرِكِينَ بِتَزْيِينِ الشَّيْطَانِ ، فَنُسِبَ الْعَمَلُ إِلَيْهِ .

 

قَالَ أَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ : الْمَعْنَى أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَ فِيهَا أَنَّهَا رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ وَأَمَرَ بِاجْتِنَابِهَا عَادَلَتْ قَوْلَهُ - تَعَالَى - : فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ . وَذَكَرَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ أَنَّ بَعْضَهُمُ اسْتَدَلَّ لِتَحْرِيمِ الْخَمْرِ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى - : قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَدْ قَالَ - تَعَالَى - فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ فَلَمَّا أَخْبَرَ أَنَّ فِي الْخَمْرِ إِثْمًا كَبِيرًا ثُمَّ صَرَّحَ بِتَحْرِيمِ الْإِثْمِ ثَبَتَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ بِذَلِكَ ، قَالَ : وَقَوْلُ مَنْ قَالَ إِنَّ الْخَمْرَ تُسَمَّى الْإِثْمُ لَمْ نَجِدُ لَهُ أَصْلًا فِي الْحَدِيثِ وَلَا فِي اللُّغَةِ ، وَلَا دَلَالَةَ أَيْضًا فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ :
شَرِبْتُ الْإِثْمَ حَتَّى ضَلَّ عَقْلِي كَذَاكَ الْإِثْمُ يَذْهَبُ بِالْعُقُولِ فَإِنَّهُ أَطْلَقَ الْإِثْمَ عَلَى الْخَمْرِ مَجَازًا بِمَعْنَى أَنَّهُ يَنْشَأُ عَنْهَا الْإِثْمُ . وَاللُّغَةُ الْفُصْحَى تَأْنِيثُ الْخَمْرِ ، وَأَثْبَتَ أَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ وَابْنُ قُتَيْبَةَ وَغَيْرُهُمَا جَوَازَ التَّذْكِيرِ ، وَيُقَالُ لَهَا الْخَمْرَةُ أَثْبَتَهُ فِيهَا جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ مِنْهُمُ الْجَوْهَرِيُّ ، وَقَالَ ابْنُ مَالِكٍ فِي الْمُثَلَّثِ : الْخَمْرَةُ هِيَ الْخَمْرُ فِي اللُّغَةِ ، وَقِيلَ : سُمِّيَتِ الْخَمْرُ لِأَنَّهَا تُغَطِّي الْعَقْلَ وَتُخَامِرُهُ أَيْ تُخَالِطُهُ ، أَوْ لِأَنَّهَا هِيَ تُخَمَّرُ أَيْ تُغَطَّى حَتَّى تَغْلِي ، أَوْ لِأَنَّهَا تَخْتَمِرُ أَيْ تُدْرِكُ كَمَا يُقَالُ لِلْعَجِينِ اخْتَمَرَ ، أَقْوَالٌ سَيَأْتِي بَسْطُهَا عِنْدَ شَرْحِ قَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - : " وَالْخَمْرُ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ " إِنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - . الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ حَدِيثٌ ابْنِ عُمَرَ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْهُ وَهُوَ مِنْ أَصَحِّ الْأَسَانِيدِ
قَوْلُهُ : ( مَنْ شَرِبَ الْخَمْرُ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا حُرِمَهَا فِي الْآخِرَةِ ) حُرِمَهَا بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ الْخَفِيفَةِ مِنَ الْحِرْمَانِ ، زَادَ مُسْلِمٌ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ عَنْ مَالِكٍ فِي آخِرِهِ لَمْ يُسْقَهَا ، وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ بِلَفْظِ فَمَاتَ وَهُوَ مُدْمِنُهَا لَمْ يَشْرَبْهَا فِي الْآخِرَةِ وَزَادَ مُسْلِمٌ فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ مَرْفُوعًا كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ وَأَوْرَدَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ مُسْتَقِلَّةً أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ كِلَاهُمَا عَنْ نَافِعٍ ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا فِي " بَابِ الْخَمْرِ مِنَ الْعَسَلِ " وَيَأْتِي كَلَامُ ابْنِ بَطَّالٍ فِيهَا فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ . وَقَوْلُهُ : ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا أَيْ مِنْ شُرْبِهَا ، فَحُذِفَ الْمُضَافُ وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إِلَيْهِ مَقَامَهُ . قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَالْبَغْوِيُّ فِي " شَرْحِ السُّنَّةِ " : مَعْنَى الْحَدِيثِ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ ، لِأَنَّ الْخَمْرَ شَرَابُ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَإِذَا حُرِّمَ شُرْبُهَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : هَذَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ يَدُلُّ عَلَى حِرْمَانِ دُخُولِ الْجَنَّةِ ، لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - أَخْبَرَ أَنَّ فِي الْجَنَّةِ أَنْهَارَ الْخَمْرِ لَذَّةٌ لِلشَّارِبِينَ ، وَأَنَّهُمْ لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ . فَلَوْ دَخَلَهَا - وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ فِيهَا خَمْرًا أَوْ أَنَّهُ حُرِمَهَا عُقُوبَةً لَهُ - لَزِمَ وُقُوعُ الْهَمِّ وَالْحُزْنِ فِي الْجَنَّةِ ، وَلَا هَمَّ فِيهَا وَلَا حُزْنَ ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِوُجُودِهَا فِي الْجَنَّةِ وَلَا أَنَّهُ حُرِمَهَا عُقُوبَةً لَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِي فَقْدِهَا أَلَمٌ ، فَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ مَنْ تَقَدَّمَ : إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَصْلًا ، قَالَ : وَهُوَ مَذْهَبٌ غَيْرُ مَرْضِيٍّ ، قَالَ : وَيُحْمَلُ الْحَدِيثُ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَدْخُلُهَا وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ فِيهَا إِلَّا إِنْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ كَمَا فِي بَقِيَّةِ الْكَبَائِرِ وَهُوَ فِي الْمَشِيئَةِ ، فَعَلَى هَذَا فَمَعْنَى الْحَدِيثِ : جَزَاؤُهُ فِي الْآخِرَةِ أَنْ يُحْرَمَهَا لِحِرْمَانِهِ دُخُولَ الْجَنَّةِ إِلَّا إِنْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ . قَالَ : وَجَائِزٌ أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ بِالْعَفْوِ ثُمَّ لَا يَشْرَبُ فِيهَا خَمْرًا وَلَا تَشْتَهِيهَا نَفْسُهُ وَإِنْ عَلِمَ بِوُجُودِهَا فِيهَا ، وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ ، وَإِنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ لَبِسَهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ وَلَمْ يَلْبَسهُ هُوَ قُلْتُ : أَخْرَجَهُ الطَّيَالِسِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ . وَقَرِيبٌ مِنْهُ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَفَعَهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي وَهُوَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ شُرْبَهَا فِي الْجَنَّةِ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ حَسَنٍ ، وَقَدْ لَخَّصَ عِيَاضٌ كَلَامَ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ وَزَادَ احْتِمَالًا آخَرَ وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ بِحِرْمَانِهِ شُرْبَهَا أَنَّهُ يُحْبَسُ عَنِ الْجَنَّةِ مُدَّةً إِذَا أَرَادَ اللَّهُ عُقُوبَتَهُ ، وَمِثْلُهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ قَالَ : وَمَنْ قَالَ لَا يَشْرَبُهَا فِي الْجَنَّةِ بِأَنْ يَنْسَاهَا أَوْ لَا يَشْتَهِيهَا يَقُولُ لَيْسَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ حَسْرَةٌ وَلَا يَكُونُ تَرْكُ شَهْوَتِهِ إِيَّاهَا عُقُوبَةً فِي حَقِّهِ ، بَلْ هُوَ نَقْصُ نَعِيمٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ هُوَ أَتَمُّ نَعِيمًا مِنْهُ كَمَا تَخْتَلِفُ دَرَجَاتُهُمْ ، وَلَا يُلْحَقُ مَنْ هُوَ أُنْقَصُ دَرَجَةً حِينَئِذٍ بِمَنْ هُوَ أَعْلَى دَرَجَةً مِنْهُ اسْتِغْنَاءً بِمَا أُعْطِيَ وَاغْتِبَاطًا لَهُ . وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ : ظَاهِرُ الْحَدِيثَيْنِ أَنَّهُ لَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ فِي الْجَنَّةِ وَلَا يَلْبَسُ الْحَرِيرَ فِيهَا ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ اسْتَعْجَلَ مَا أُمِرَ بِتَأْخِيرِهِ وَوُعِدَ بِهِ فَحُرِمَهُ عِنْدَ مِيقَاتِهِ ، كَالْوَارِثِ فَإِنَّهُ إِذَا قَتَلَ مُوَرِّثَهُ فَإِنَّهُ يُحْرَمُ مِيرَاثُهُ لِاسْتِعْجَالِهِ . وَبِهَذَا قَالَ نَفَرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمِنَ الْعُلَمَاءِ ، وَهُوَ مَوْضِعُ احْتِمَالٍ وَمَوْقِفُ إِشْكَالٍ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ كَيْفَ يَكُونُ الْحَالُ . وَفَصَلَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بَيْنَ مَنْ يَشْرَبُهَا مُسْتَحِلًّا فَهُوَ الَّذِي لَا يَشْرَبُهَا أَصْلًا لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَصْلًا ، وَعَدَمُ الدُّخُولِ يَسْتَلْزِمُ حِرْمَانَهَا ، وَبَيْنَ مَنْ يَشْرَبُهَا عَالِمًا بِتَحْرِيمِهَا فَهُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ ، وَهُوَ الَّذِي يُحْرَمُ شُرْبَهَا مُدَّةً وَلَوْ فِي حَالِ تَعْذِيبِهِ إِنْ عُذِّبَ ، أَوِ الْمَعْنَى أَنَّ ذَلِكَ جَزَاؤُهُ إِنْ جُوزِيَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ . وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ التَّوْبَةَ تُكَفِّرُ الْمَعَاصِيَ الْكَبَائِرَ ، وَهُوَ فِي التَّوْبَةِ مِنَ الْكُفْرِ قَطْعِيٌّ وَفِي غَيْرِهِ مِنَ الذُّنُوبِ خِلَافٌ بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ هَلْ هُوَ قَطْعِيٌّ أَوْ ظَنِّيٌّ . قَالَ النَّوَوِيُّ : الْأَقْوَى أَنَّهُ ظَنِّيٌّ ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ : مَنِ اسْتَقْرَأَ الشَّرِيعَةَ عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الصَّادِقِينَ قَطْعًا . وَلِلتَّوْبَةِ الصَّادِقَةِ شُرُوطٌ سَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهَا فِي كِتَابِ الرِّقَاقِ ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ الْبَابِ عَلَى صِحَّةِ التَّوْبَةِ مِنْ بَعْضِ الذُّنُوبِ دُونَ بَعْضٍ ، وَسَيَأْتِي تَحْقِيقُ ذَلِكَ . وَفِيهِ أَنَّ الْوَعِيدَ يَتَنَاوَلُ مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلُ لَهُ السُّكْرُ ، لِأَنَّهُ رَتَّبَ الْوَعِيدَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى مُجَرَّدِ الشُّرْبِ مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ ، وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فِي الْخَمْرِ الْمُتَّخَذِ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ وَكَذَا فِيمَا يُسْكِرُ مِنْ غَيْرِهَا ، وَأَمَّا مَا لَا يُسْكِرُ مِنْ غَيْرِهَا فَالْأَمْرُ فِيهِ كَذَلِكَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ ، وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلُهُ : ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا أَنَّ التَّوْبَةَ مَشْرُوعَةٌ فِي جَمِيعِ الْعُمُرِ مَا لَمْ يَصِلْ إِلَى الْغَرْغَرَةِ ، لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ " ثُمَّ " مِنَ التَّرَاخِي ، وَلَيْسَ الْمُبَادَرَةُ إِلَى التَّوْبَةِ شَرْطًا فِي قَبُولِهَا ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ . الْحَدِيثُ الثَانِي حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ
🔻
------------------
🔻
5254 حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ بِإِيلِيَاءَ بِقَدَحَيْنِ مِنْ خَمْرٍ وَلَبَنٍ فَنَظَرَ إِلَيْهِمَا ثُمَّ أَخَذَ اللَّبَنَ فَقَالَ جِبْرِيلُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَاكَ لِلْفِطْرَةِ وَلَوْ أَخَذْتَ الْخَمْرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ تَابَعَهُ مَعْمَرٌ وَابْنُ الْهَادِ وَعُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ وَالزُّبَيْدِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ
الحاشية:
قَوْلُهُ : ( بِإِيلِيَاءَ ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ وَكَسْرِ اللَّامِ وَفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ الْخَفِيفَةِ مَعَ الْمَدِّ : هِيَ مَدِينَةُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ عَرْضَ ذَلِكَ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَعَ وَهُوَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، لَكِنْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ الَّتِي تَأْتِي الْإِشَارَةُ إِلَيْهَا " إِلَى إِيلِيَاءَ " وَلَيْسَتْ صَرِيحَةً فِي ذَلِكَ ، لِجَوَازِ أَنْ يُرِيدَ تَعْيِينَ لَيْلَةِ الْإِيتَاءِ لَا مَحَلَّهُ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ مَعَ بَقِيَّةِ شَرْحِهِ فِي أَوَاخِرِ الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ . وَقَوْلُهُ فِيهِ : وَلَوْ أَخَذْتُ الْخَمْرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ هُوَ مَحَلُّ التَّرْجَمَةِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَفَرَ مِنَ الْخَمْرِ لِأَنَّهُ تَفَرَّسَ أَنَّهَا سَتُحَرَّمُ لِأَنَّهَا كَانَتْ حِينَئِذٍ مُبَاحَةً ، وَلَا مَانِعَ مِنَ افْتِرَاقِ مُبَاحَيْنِ مُشْتَرِكَيْنِ فِي أَصْلِ الْإِبَاحَةِ فِي أَنَّ أَحَدَهُمَا سَيُحَرَّمُ وَالْآخَرُ تَسْتَمِرُّ إِبَاحَتُهُ . قُلْتُ : وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ نَفَرَ مِنْهَا لِكَوْنِهِ لَمْ يَعْتَدْ شُرْبَهَا فَوَافَقَ بِطَبْعِهِ مَا سَيَقَعُ مِنْ تَحْرِيمِهَا بَعْدُ ، حِفْظًا مِنَ اللَّهِ - تَعَالَى - لَهُ وَرِعَايَةً ، وَاخْتَارَ اللَّبَنَ لِكَوْنِهِ مَأْلُوفًا لَهُ ، سَهْلًا طَيِّبًا طَاهِرًا ، سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ ، سَلِيمَ الْعَاقِبَةِ ، بِخِلَافِ الْخَمْرِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ . وَالْمُرَادُ بِالْفِطْرَةِ هُنَا الِاسْتِقَامَةُ عَلَى الدِّينِ الْحَقِّ . وَفِي الْحَدِيثِ مَشْرُوعِيَّةُ الْحَمْدِ عِنْدِ حُصُولِ مَا يُحْمَدُ وَدَفْعِ مَا يُحْذَرِ . وَقَوْلُهُ : غَوَتْ أُمَّتُكَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَخَذَهُ مِنْ طَرِيقِ الْفَأْلِ ، أَوْ تَقَدَّمَ عِنْدَهُ عِلْمٌ بِتَرَتُّبِ كُلٍّ مِنَ الْأَمْرَيْنِ وَهُوَ أَظْهَرُ .
قَوْلُهُ : ( تَابَعَهُ مَعْمَرٌ وَابْنُ الْهَادِ وَعُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ عَنِ الزُّهْرِيِّ ) يَعْنِي بِسَنَدِهِ . وَوَقَعَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ زِيَادَةُ الزُّبَيْدِيِّ مَعَ الْمَذْكُورِينَ بَعْدَ عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ ، فَأَمَّا مُتَابَعَةُ مَعْمَرَ فَوَصَلَهَا الْمُؤَلِّفُ فِي قِصَّةِ مُوسَى مِنْ أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ ، وَأَوَّلُ الْحَدِيثِ ذِكْرُ مُوسَى وَعِيسَى وَصِفَتُهُمَا ، وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ إِيلِيَاءَ ، وَفِيهِ اشْرَبْ أَيَّهُمَا شِئْتَ ، فَأَخَذْتُ اللَّبَنَ فَشَرِبْتُهُ . وَأَمَّا رِوَايَةُ ابْنِ الْهَادِ - وَهُوَ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ الْهَادِ اللَّيْثِيُّ يُنْسَبُ لِجَدِّ أَبِيهِ - فَوَصَلَهَا النَّسَائِيُّ وَأَبُو عَوَانَةَ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي " الْأَوْسَطِ " مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ عَنْهُ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ بُخْتٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ وَهُوَ الزُّهْرِيُّ ، قَالَ الطَّبَرَانِيُّ : تَفَرَّدَ بِهِ يَزِيدُ بْنُ الْهَادِ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ ، فَعَلَى هَذَا فَقَدْ سَقَطَ ذِكْرُ عَبْدِ الْوَهَّابِ مِنَ الْأَصْلِ بَيْنَ ابْنِ الْهَادِ وَابْنِ شِهَابٍ ، عَلَى أَنَّ ابْنَ الْهَادِ قَدْ رَوَى عَنِ الزُّهْرِيِّ أَحَادِيثَ غَيْرَ هَذَا بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ ، مِنْهَا مَا تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ الْمَائِدَةِ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِيهِ " وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ الْهَادِ عَنِ الزُّهْرِيِّ " فَذَكَرَهُ ، وَوَصَلَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْهَادِ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ . وَأَمَّا رِوَايَةُ الزُّبَيْدِيِّ فَوَصَلَهَا النَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي " مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ " مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ حَرْبٍ عَنْهُ لَكِنْ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ إِيلِيَاءَ أَيْضًا . وَأَمَّا رِوَايَةُ عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ فَوَصَلَهَا [ ص: 37 ] " تَمَّامٌ الرَّازِيُّ فِي فَوَائِدِهِ " مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُنْذِرِ عَنْ عُمَرَ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهِ . وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الْمِزِّيُّ فِي " الْأَطْرَافِ " عَنِ الْحَاكِمِ أَنَّهُ قَالَ : أَرَادَ الْبُخَارِيُّ بِقَوْلِهِ : " تَابَعَهُ ابْنُ الْهَادِ وَعُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ عَنِ الزُّهْرِيِّ " حَدِيثَ ابْنِ الْهَادِ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ وَحَدِيثَ عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ بْنِ فَارِسٍ عَنْ يُونُسَ كِلَاهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ . قُلْتُ : وَلَيْسَ كَمَا زَعَمَ الْحَاكِمُ وَأَقَرَّهُ الْمِزِّيُّ فِي عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ ، فَإِنَّهُ ظَنَّ أَنَّهُ عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ بْنِ فَارِسٍ الرَّاوِي عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ ، وَلَيْسَ بِهِ ، وَإِنَّمَا هُوَ عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُوسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ التَّيْمِيُّ ، وَلَيْسَ لِعُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ بْنِ فَارِسٍ وَلَدٌ اسْمُهُ عُمَرُ يَرْوِي عَنْهُ ، وَإِنَّمَا هُوَ وَلَدُ التَّيْمِيِّ كَمَا ذَكَرْتُهُ مِنْ " فَوَائِدِ تَمَّامٍ " وَهُوَ مَدَنِيٌّ ، وَقَدْ ذَكَرَ عُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ أَنَّهُ سَأَلَ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ الْمَدَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ فَقَالَ : لَا أَعْرِفُهُ وَلَا أَعْرِفُ أَبَاهُ . قُلْتُ : وَقَدْ عَرَفَهُمَا غَيْرُهُ ، وَذَكَرَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ فِي النَّسَبِ عَنْ عُثْمَانَ الْمَذْكُورِ فَقَالَ : إِنَّهُ وَلِيَ قَضَاءَ الْمَدِينَةِ فِي زَمَنِ مَرْوَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، ثُمَّ وَلِيَ الْقَضَاءَ لِلْمَنْصُورِ وَمَاتَ مَعَهُ بِالْعِرَاقِ وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ ، وَأَكْثَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ ذِكْرِهِ فِي " الْعِلَلِ " عِنْدَ ذِكْرِهِ لِلْأَحَادِيثِ الَّتِي تَخْتَلِفُ رُوَاتُهَا عَنِ الزُّهْرِيِّ ، وَكَثِيرًا مَا تُرَجَّحُ رِوَايَتُهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ . الْحَدِيثُ الثَّالِثُ حَدِيثُ أَنَسٍ ======== 
🔻⎀↓  ===
5255 حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام حدثنا قتادة عن أنس رضي الله عنه قال سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا لا يحدثكم به غيري قال من أشراط الساعة أن يظهر الجهل ويقل العلم ويظهر الزنا وتشرب الخمر ويقل الرجال ويكثر النساء حتى يكون لخمسين امرأة قيمهن رجل واحد
الحاشية رقم: 1
قوله : ( هشام ) هو الدستوائي .
قوله : ( لا يحدثكم به غيري ) كأن أنسا حدث به في أواخر عمره فأطلق ذلك ، أو كان يعلم أنه لم يسمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا من كان قد مات .
قوله : ( وتشرب الخمر ) في رواية الكشميهني وشرب الخمر بالإضافة ، ورواية الجماعة أولى للمشاكلة .
قوله ( حتى يكون لخمسين ) في رواية الكشميهني حتى يكون خمسون امرأة قيمهن رجل واحد وسبق شرح الحديث مستوفى في كتاب العلم ، والمراد أن من أشراط الساعة كثرة شرب الخمر كسائر ما ذكر في الحديث .
🔻🔻
5256 حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب قال سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن وابن المسيب يقولان قال أبو هريرة رضي الله عنه إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن قال ابن شهاب وأخبرني عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن أبا بكر كان يحدثه عن أبي هريرة ثم يقول كان أبو بكر يلحق معهن ولا ينتهب نهبة ذات شرف يرفع الناس إليه أبصارهم فيها حين ينتهبها وهو مؤمن
الحاشية
الحديث الرابع حديث أبي هريرة لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن وقع في أكثر الروايات هنا لا يزني حين يزني بحذف الفاعل ، فقدر بعض الشراح الرجل أو المؤمن أو الزاني ، وقد بينت هذه الرواية تعيين الاحتمال الثالث .
قوله : ( ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ) قال ابن بطال : هذا أشد ما ورد في شرب الخمر ، وبه تعلق الخوارج فكفروا مرتكب الكبيرة عامدا عالما بالتحريم ، وحمل أهل السنة الإيمان هنا على الكامل ، لأن العاصي يصير أنقص حالا في الإيمان ممن لا يعصي ، ويحتمل أن يكون المراد أن فاعل ذلك يئول أمره إلى ذهاب الإيمان ، كما وقع في حديث عثمان الذي أوله اجتنبوا الخمر فإنها أم الخبائث - وفيه - وإنها لا تجتمع هي والإيمان إلا وأوشك أحدهما أن يخرج صاحبه أخرجه البيهقي مرفوعا وموقوفا ، وصححه ابن حبان مرفوعا . قال ابن بطال : وإنما أدخل البخاري هذه الأحاديث المشتملة على الوعيد الشديد في هذا الباب ليكون عوضا عن حديث ابن عمر كل مسكر حرام وإنما لم يذكره في هذا الباب لكونه روي موقوفا ، كذا قال ، وفيه نظر ، لأن في الوعيد قدرا زائدا على مطلق التحريم ، وقد ذكر البخاري ما يؤدي معنى حديث ابن عمر كما سيأتي قريبا .
قوله : ( قال ابن شهاب ) هو موصول بالإسناد المذكور .
قوله : ( إن أبا بكر أخبره ) هو والد عبد الملك شيخ ابن شهاب فيه . قوله : ( ثم يقول كان أبو بكر ) هو ابن عبد الرحمن المذكور ، والمعنى أنه كان يزيد ذلك في حديث أبي هريرة ، وقد مضى بيان ذلك عند ذكر شرح الحديث في كتاب المظالم ، ويأتي مزيد لذلك في كتاب الحدود إن شاء الله - تعالى - .
------------------

 

1.لا يمكن ترك الناسخ والعمل بالمنسوخ في شريعة الإسلام

( قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ( 144 )


قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : كَانَ أَوَّلُ مَا نُسِخَ مِنَ الْقُرْآنِ الْقِبْلَةُ ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ ، وَكَانَ أَكْثَرُ أَهْلِهَا الْيَهُودَ ، فَأَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ ، فَفَرِحَتِ الْيَهُودُ ، فَاسْتَقْبَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِضْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا ، وَكَانَ يُحِبُّ قِبْلَةَ إِبْرَاهِيمَ فَكَانَ يَدْعُو إِلَى اللَّهِ وَيَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ : ( قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ) إِلَى قَوْلِهِ : ( فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ) فَارْتَابَ مِنْ ذَلِكَ الْيَهُودُ ، وَقَالُوا : ( مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ التِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ [ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ] ) وَقَالَ : ( فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ) [ الْبَقَرَةِ : 115 ] وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ( وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ التِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلْبُ عَلَى عَقِبَيْهِ )

[ ص: 459 ]

وَرَوَى ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ الْقَاسِمِ الْعُمَرِيِّ ، عَنْ عَمِّهِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَلَّمَ مِنْ صَلَاتِهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ رَفَعَ رَأْسَهَ إِلَى السَّمَاءِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ : ( فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ) إِلَى الْكَعْبَةِ إِلَى الْمِيزَابِ ، يَؤُمُّ بِهِ جِبْرَائِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ .

وَرَوَى الْحَاكِمُ ، فِي مُسْتَدْرَكِهِ ، مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ قَمْطَةَ قَالَ : رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، بِإِزَاءِ الْمِيزَابِ ، فَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ : ( فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ) قَالَ : نَحْوَ مِيزَابِ الْكَعْبَةِ .

ثُمَّ قَالَ : صَحِيحُ الْإِسْنَادِ ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ .

وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَرَفَةَ ، عَنْ هُشَيْمٍ ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ ، بِهِ .

وَهَكَذَا قَالَ غَيْرُهُ ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ ، رَحِمَهُ اللَّهُ : إِنَّ الْغَرَضَ إِصَابَةُ عَيْنِ الْقِبْلَةِ . وَالْقَوْلُ الْآخَرُ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ : أَنَّ الْمُرَادَ الْمُوَاجَهَةَ كَمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنْ عُمَيْرِ بْنِ زِيَادٍ الْكِنْدِيِّ ، عَنْ عَلِيٍّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، ( فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ) قَالَ : شَطْرَهُ : قِبَلَهُ . ثُمَّ قَالَ : صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ .

وَهَذَا قَوْلُ أَبِي الْعَالِيَةِ ، وَمُجَاهِدٍ ، وَعِكْرِمَةَ ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، وَقَتَادَةَ ، وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ ، وَغَيْرِهِمْ . وَكَمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ : مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ .

[ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ : رَوَى ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ لِأَهْلِ الْمَسْجِدِ ، وَالْمَسْجِدُ قِبْلَةٌ لِأَهْلِ الْحَرَمِ ، وَالْحَرَمُ قِبْلَةٌ لِأَهْلِ الْأَرْضِ فِي مَشَارِقِهَا وَمَغَارِبِهَا مِنْ أُمَّتِي " ] .

وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ :

حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنِ الْبَرَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى قِبَلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا ، وَكَانَ يُعْجِبُهُ قِبْلَتُهُ قِبَلَ الْبَيْتِ وَأَنَّهُ صَلَّى صَلَاةَ الْعَصْرِ ، وَصَلَّى مَعَهُ قَوْمٌ ، فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ يُصَلِّي مَعَهُ ، فَمَرَّ عَلَى أَهْلِ الْمَسْجِدِ وَهُمْ رَاكِعُونَ ، فَقَالَ : أَشْهَدُ بِاللَّهِ لَقَدْ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ مَكَّةَ ، فَدَارُوا كَمَا هُمْ قِبَلَ الْبَيْتِ .

[ ص: 460 ]

وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ : أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنِ الْبَرَاءِ [ قَالَ ] لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ صَلَّى نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ أَنْ يُحَوَّلَ نَحْوَ الْكَعْبَةِ ، فَنَزَلَتْ : ( قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ [ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ] ) فَصُرِفَ إِلَى الْكَعْبَةِ .

وَرَوَى النَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَى قَالَ : كُنَّا نَغْدُو إِلَى الْمَسْجِدِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَنَمُرُّ عَلَى الْمَسْجِدِ فَنُصَلِّي فِيهِ ، فَمَرَرْنَا يَوْمًا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدٌ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقُلْتُ : لَقَدْ حَدَثَ أَمْرٌ ، فَجَلَسْتُ ، فَقَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَةَ : ( قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ) حَتَّى فَرَغَ مِنَ الْآيَةِ . فَقُلْتُ لِصَاحِبِي : تَعَالَ نَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَكُونَ أَوَّلَ مَنْ صَلَّى ، فَتَوَارَيْنَا فَصَلَّيْنَاهُمَا . ثُمَّ نَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى لِلنَّاسِ الظُّهْرَ يَوْمَئِذٍ .

وَكَذَا رَوَى ابْنُ مَرْدَوَيْهِ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ : أَنَّ أَوَّلَ صَلَاةٍ صَلَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْكَعْبَةِ صَلَاةُ الظُّهْرِ ، وَأَنَّهَا الصَّلَاةُ الْوُسْطَى . وَالْمَشْهُورُ أَنَّ أَوَّلَ صَلَاةٍ صَلَاهَا إِلَى الْكَعْبَةِ صَلَاةُ الْعَصْرِ ، وَلِهَذَا تَأَخَّرَ الْخَبَرُ عَنْ أَهْلِ قُبَاءَ إِلَى صَلَاةِ الْفَجْرِ .

وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدَوَيْهِ : حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ ، حَدَّثَنَا رَجَاءُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّقَطِيُّ ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِدْرِيسَ ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ جَعْفَرٍ ، حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ أَبِيهِ نُوَيْلَةَ بِنْتِ مُسْلِمٍ ، قَالَتْ : صَلَّيْنَا الظُّهْرَ أَوِ الْعَصْرَ فِي مَسْجِدِ بَنِي حَارِثَةَ ، فَاسْتَقْبَلْنَا مَسْجِدَ إِيلِيَاءَ فَصَلَّيْنَا رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ جَاءَ مَنْ يُحَدِّثُنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِ اسْتَقْبَلَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ ، فَتَحَوَّلَ النِّسَاءُ مَكَانَ الرِّجَالِ ، وَالرِّجَالُ مَكَانَ النِّسَاءِ ، فَصَلَّيْنَا السَّجْدَتَيْنِ الْبَاقِيَتَيْنِ ، وَنَحْنُ مُسْتَقْبِلُونَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ . فَحَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " أُولَئِكَ رِجَالٌ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ " .

وَقَالَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ أَيْضًا : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ النَّهْدِيُّ ، حَدَّثَنَا قَيْسٌ ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عَلَاقَةَ ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ أَوْسٍ قَالَ : بَيْنَمَا نَحْنُ فِي الصَّلَاةِ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، وَنَحْنُ رُكُوعٌ ، إِذْ أَتَى مُنَادٍ بِالْبَابِ : أَنَّ الْقِبْلَةَ قَدْ حُوِّلَتْ إِلَى الْكَعْبَةِ . قَالَ : فَأَشْهَدُ عَلَى إِمَامِنَا أَنَّهُ انْحَرَفَ فَتَحَوَّلَ هُوَ وَالرِّجَالُ وَالصِّبْيَانُ ، وَهُمْ رُكُوعٌ ، نَحْوَ الْكَعْبَةِ .

وَقَوْلُهُ : ( وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ) أَمَرَ تَعَالَى بِاسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ مِنْ جَمِيعِ جِهَاتِ الْأَرْضِ ، شَرْقًا وَغَرْبًا وَشَمَالًا وَجَنُوبًا ، وَلَا يُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا شَيْءٌ ، سِوَى النَّافِلَةِ فِي حَالِ السَّفَرِ ، فَإِنَّهُ [ ص: 461 ] يُصَلِّيهَا حَيْثُمَا تَوَجَّهَ قَالَبُهُ ، وَقَلْبُهُ نَحْوَ الْكَعْبَةِ . وَكَذَا فِي حَالِ الْمُسَايَفَةِ فِي الْقِتَالِ يُصَلِّي عَلَى كُلِّ حَالٍ ، وَكَذَا مَنْ جَهِلَ جِهَةَ الْقِبْلَةِ يُصَلِّي بِاجْتِهَادِهِ ، وَإِنْ كَانَ مُخْطِئًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا .

مَسْأَلَةٌ : وَقَدِ اسْتَدَلَّ الْمَالِكِيَّةُ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ الْمُصَلِّيَ يَنْظُرُ أَمَامَهُ لَا إِلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو حَنِيفَةَ ، قَالَ الْمَالِكِيَّةُ لِقَوْلِهِ : ( فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ) فَلَوْ نَظَرَ إِلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ لَاحْتَاجَ أَنْ يَتَكَلَّفَ ذَلِكَ بِنَوْعٍ مِنَ الِانْحِنَاءِ وَهُوَ يُنَافِي كَمَالَ الْقِيَامِ . وَقَالَ بَعْضُهُمْ : يَنْظُرُ الْمُصَلِّي فِي قِيَامِهِ إِلَى صَدْرِهِ . وَقَالَ شَرِيكٌ الْقَاضِي : يَنْظُرُ فِي حَالِ قِيَامِهِ إِلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ كَمَا قَالَ جُمْهُورُ الْجَمَاعَةِ ، لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْخُضُوعِ وَآكَدُ فِي الْخُشُوعِ وَقَدْ وَرَدَ بِهِ الْحَدِيثُ ، وَأَمَّا فِي حَالِ رُكُوعِهِ فَإِلَى مَوْضِعِ قَدَمَيْهِ ، وَفِي حَالِ سُجُودِهِ إِلَى مَوْضِعِ أَنْفِهِ وَفِي حَالِ قُعُودِهِ إِلَى حِجْرِهِ .

وَقَوْلُهُ : ( وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ ) أَيْ : وَالْيَهُودُ الَّذِينَ أَنْكَرُوا اسْتِقْبَالَكُمُ الْكَعْبَةَ وَانْصِرَافَكُمْ عَنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَيُوَجِّهُكَ إِلَيْهَا ، بِمَا فِي كُتُبِهِمْ عَنْ أَنْبِيَائِهِمْ ، مِنَ النَّعْتِ وَالصِّفَةِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمَّتِهِ ، وَمَا خَصَّهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَشَرَّفَهُ مِنَ الشَّرِيعَةِ الْكَامِلَّةِ الْعَظِيمَةِ ، وَلَكِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يَتَكَاتَمُونَ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ حَسَدًا وَكُفْرًا وَعِنَادًا ; وَلِهَذَا يُهَدِّدُهُمْ تَعَالَى بِقَوْلِهِ (وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) .