100

خافوا بطش الله أيها الناس جميعا فإن بطشه بالظالمين الطغاة : أليم شديد*إن سورة الطلاق هي مما أنزله الله في كتابه فلا تعرضوا عنها وهي السورة التي تضمنت شريعة الطلاق المحكمة التي لاخلاف ولا اختلاف في أحكام طلاقها الي يوم القيامة وإن الله وصَّفَ المعرضين عنها بالعتاة وتوعدهم بالحساب الشديد والعذاب النكر والعاقبة الخسري والعذاب الشديد في الدارين ووصَّف الباري هذا الرفض المنزل في سورة الطلاق بالعتو عن أمر الله ورسله.

 

Translate

الأربعاء، 7 أغسطس 2024

دروس في أصول الفقه (الدرس الثاني الأحكام الشرعية)

 

 

سلسلة

دروس في أصول الفقه

(الدرس الثاني)

الأحكام الشرعية

تعريف الأحكام‏:

‏ الأحكام‏ جمع حكم  .

والحكم  لغة :‏ المنع ومنه قيل للقضاء حكم لأنه يمنع من غير المقتضى به ، وسمي القاضي حاكماً لأنه يمنع من الظلم ، وسمي لجام الدابة حكمة لأنه يمنع من جماحها.

قال تعالى: { ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضي بينهم ) سورة الشورى : الآية 14 . أي لفصل وحكم بينهم .

وقال تعالى: { وقضي بينهم بالحق ) سورة الزمر: الآية 75 . أي حكم .

والحكم اصطلاحاً:

هو ما دل عليه خطاب الشرع المتعلق بأفعال المكلفين من طلب أو تخيير أو وضع.

وقيل : -
هو خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين على جهة الطلب أو التخيير أو على جهة الوضع
شرح التعريف الثاني :
المراد ( بالخطاب ) ما يشمل خطاب الله وخطاب غيره من الأنس والجن والملائكة , وبإضافة لفظ الجلالة قيد يخرج خطاب غير الله سبحانه وتعالى
المراد (ما يتعلق بأفعال المكلفين) المكلفين جمع مفرده مكلف , والمكلف هو كل بالغ عاقل بلغته الدعوة وكان أهلاً للخطاب , ولم يمنعه من التكليف مانع .وتقييد بالمتعلق بأفعال المكلفين قيد يخرج الخطاب المتعلق بغير أفعال المكلفين كالتعلق بذات الله عز وجل في مثل قوله تعالى { شهد الله أنه لا إله إلا هو }سورة آل عمران :الآية 18 .

ومثل المتعلق بالجمادات كقوله تعالى { وقيل ياأرض ابلعي ماءك وياسماء أقلعي }سورة هود : الآية 44 .  والتكليف يشمل الصغير وذلك لإن ماله تجب فيه الزكاة ، فهذا حكم يتعلق بمال الصبي لأنه مكلف في الأصل ولكن وجد مانع وهو الصغر .
المراد (على جهة الطلب أو التخيير أو الوضع) يعنى أن خطاب الشرع تارة يقتضى الطلب وتارة يقتضى التخيير وتارة يكون شيئاً موضوعاً للدلالة على شئ .
فالطلب يدخل فيه الأمر والنهى ( الأمر طلب فعل والنهى طلب ترك ) وقد يكون الطلب على سبيل الإلزام وهو الواجب أو على سبيل الأفضلية وهو المندوب , وكذلك النهى قد يكون على سبيل الإلزام وهو الحرام وقد يكون على سبيل الأفضلية وهو المكروه , أما على سبيل التخيير فهو المباح
وأما على جهة الوضع فهو وضع الشرع شيئاً للدلالة على شئ آخر مثل الشرط والسبب والمنع والصحيح والفاسد .
أقسام الأحكام الشرعية :
تنقسم الأحكام الشرعية إلى قسمين هما :-
القسم الأول : الأحكام التكليفية : ـــــ
وهو خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين على جهة الطلب أو التخيير .
القسم الثاني : الأحكام الوضعية : ـــــ

وهو جعل الشيء سبباً لشيء آخر أو شرطاً أو مانعاً أو صحيحاً أو فاسداً.
أمثله تمثيل من الحكم التكليفى والحكم الوضعي :
يمكن أن يجتمع الحكم التكليفى والحكم الوضعي في نص واحد ويمكن أن يفترقا
1) أمثلة يجتمع فيهما كلاً من الحكم التكليفى والحكم الوضعي :
المثال الأول : ـــــ
قول الله تعالى { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما }سورة المائدة :الآية38 .

فإن في هذا المثال وجوب قطع اليد وهو حكماً تكليفياً وفيه جعل السرقة سبباً في قطع اليد وهو حكماً وضعياً .
المثال الثاني : ـــــ
قول الله تعالى { وإذا حللتم فاصطادوا} سورة المائدة : الآية 2 .

فالحكم التكليفى هو إباحة الصيد بعد التحلل من الإحرام , والحكم الوضعي هو جعل هذا التحلل سبباً في الإباحة .
2) مثال ينفرد فيه الحكم التكليفى :
مثل قول الله تعالى { وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة }سورة البقرة : الآية 43 , فإن هذه الآية تتضمن حكماً تكليفاً فقط وهو وجوب الصلاة والزكاة .

3) أمثلة ينفرد فيه الحكم الوضعي :
المثال الأول : ما جاء من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسوله صلى الله عليه وسلم{لا تقبل صلاة بغير طهور }رواه مسلم , فإن هذا الحديث متضمن حكماً وضعياً فقط وهو جعل الطهارة شرطاً لصحة الصلاة .
المثال الثاني :  قوله صلى الله عليه وسلم { القاتل لا يرث }رواه الترمذي وابن ماجه وفيه ضعف , فإن هذا الحديث يشمل على حكم وضعي , وهو جعل القتل مانعاً من الميراث .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

أقسام الأحكام الشرعية
القسم الأول : الأحكام التكليفية


تعريف الحكم التكليفي :

هو : خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين من طلب أو تخيير .

فالمراد (بالطلب) هو طلب الفعل أو طلب الترك .

وطلب الفعل : أما أن يكون طالباً جازماً كالواجب ، وأما طلباً غير جازماً كالمندوب

وطلب الترك : أما أن يكون طالباً جازماً بالترك كالحرام وإما طلباً للترك جازماً غير جازم كالكراهة .

والمراد (بالتخيير) التسوية بين الفعل والترك كالمباح .

أقسام الحكم التكليفي :

ينقسم الحكم التكليفى إلى خمسة أقسام هي :-
القسم الأول : الواجب ويسمى : فرضاً ــ فريضة ــ حتماً ــ لازماً .
القسم الثاني : المندوب ويسمى : سنة ــ مسنوناً ــ  مستحباً ــ نفلاً ـــ تطوعاً .

القسم الثالث : المحرم ويسمى‏ :‏ محظورًا أو ممنوعًا‏.‏

القسم الرابع : المكروه .
القسم الخامس : المباح ويسمى : حلالاً ــ جائزاً .

 

 

 

القسم الأول : الواجب

الواجب لغــــــــــــة: الساقط واللازم‏ يقال: وجب البيع أي لزم البيع، ويأتي بمعنى الساقط يقال: وجب الحائط إذا سقط ومنه قوله تعالى :{فاذكروا اسم الله عليها صواف فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها} سورة الحج :الآية 36

أي إذا سقطت على الأرض بعد نحرها.

والواجب اصطلاحاً: ما يثاب فاعله امتثالاً ويستحق العقاب تاركه.

وقيل‏ : هو ما أمر به الشرع على وجه الإلزام فيثاب فاعله امتثالاً ويستحق العقاب تاركه . كإعفاء اللحية .
شرح التعريف :
المراد (ما أمر به الشرع) يخرج ما نهى عنه الشرع وأباحه فيخرج من هذا القيد كلاً من المحرم والمكروه والمباح
، لأن المحرم والمكروه منهي عنه وليس مأمور به ، والمباح لا يتعلق به أمر ولا نهي .

المراد (على وجه الإلزام ) يخرج ما أمر به الشرع لا على وجه الإلزام وهو المندوب .
 المراد ( يثاب فاعله امتثالاً ) يخرج به من فعله لا امتثالاً للأمر فلا ثواب له .
المراد (يستحق العقاب تاركه )أي إن تاركه يستحق العقاب ولكن قد يعفو الله عنه فقد يعاقب وقد لا.
* أقسام الواجب :
يمكن تقسيم الواجب باعتبارات :-
(1) باعتبار المكلف (الفاعل ): ـــ

وينقسم إلى واجب عين وواجب على الكفاية :
فالواجب العيني : ــ هو
ما طلب فعله من كل واحد من المكلفين بعينه كالصلاة والصيام فيجب على كل فرد مكلف أن يأتي به .

والواجب الكفائي: ــ  ما طلب فعله من المكلفين ، بحيق لو قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين, فإن لم يقم به أحد أثموا جميعأً. مثل:  صلاة الجنازة و الجهاد في سبيل الله ، فإن ذلك واجب على الأمة الإسلامية ، لنشر دين الله وحماية الإسلام ، وديار المسلمين ، فإن قام به بعض الأمة سقط الإثم عن الآخرين أما إذا تركوه أثموا جميعاً إذا لم يوجد إلا العدد الذي يقوم به ، لأنه يتحول إلى واجب عيني .

كذلك تعليم الناس أمور دينهم وإفتاؤهم فيما أشكل عليهم ، والفصل بينهم في خصوماتهم، إذا لم يوجد إلا نفر قليل ممن تتوفر فيهم الشروط ، فإنه يجب عليهم أن يقوموا بهذه المهمة على سبيل التعيين .

(2) باعتبار وقت أدائه : ـــ

وينقسم إلى قسمين واجب مطلق وواجب مقيد :
فالواجب المطلق(الموسع) : وهو ما طلب الشرع فعله وكان
 وقته متسعاً له ولغيره. مثل أوقات الصلاة، فإن وقت الظهر مثلاً: يتسع للإتيان بصلاة الظهر، ويبقى وقت طويل يمكن للإنسان أن يأتي فيه بأعمال أخرى ومثل الكفارات فإن وجبت كفارة اليمين على شخص فإن له أن يؤديها متى شاء .
والواجب المقيد (المضيق) : ما طلب الشارع أدائه وعين لهذا الأداء وقتاً محدداً أو
ما كان وقته لا يتسع لغيره من جنسه. كالصلوات الخمس وصيام رمضان الذي أوجبه الله تعالى بقوله: { يأيها الذين ءامنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون } سورة البقرة : الآية 183.  فإن شهر رمضان لا يتسع لغير صيامه ، لأن الشهر لا يمكن أن يصام مرتين ، ولذلك سمي مضيقاً ولذا يجب على المكلف أن يصوم هذا الشهر ، ولا يجوز له التأخير إلا لعذر كما قال الله تعالى: { فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر } سورة البقرة : الآية 185.

 

3) باعتبار الفعل نفسه (المكلف به ) : ـــ

وينقسم إلى قسمين واجب معين  وواجب مبهم :

فالواجب المعين: ما طلب الشارع من المكلف فعله بعينه. مثل : الصلاة ، والزكاة ، والصوم ، فإن الله تعالى قد طلب من المكلف أن يأتي بهذه العبادات بعينها ، ولا يجوز أن يأتي ببدل عنها.

والواجب المخير:  هو ما طلب الشارع من المكلف أن يأتي بأمر من أمور معينة مثل: خصال كفارة اليمين ، فقد أوجب الله تعالى على من حنث في يمينه أن يكفر بخصلة من خصال ثلاث ، هي المذكورة في قوله تعالى{ لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمنكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمن فكفرته إطعام عشرة مسكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة} سورة المائدة : الآية 89 .

فقد ذكر الله تعالى في الآية أو الواجب واحد من أمور ثلاثة: الإطعام ، أو الكسوة , أو العتق، فإذا أتى المكلف بواحد من هذه الثلاثة فقد خرج من عهدة التكليف وبرئت ذمته.

* الفرق بين الواجب والفرض :
ذهب جمهور الفقهاء إلى أن لافرق بين الفرض والواجب وقالوا إن هذين اللفظين مترادفين , وذهب فريق آخر من العلماء إلى أن الفرض غير الواجب فلفرض ما ثبت بدليل قطعي , والواجب ما ثبت بدليل ظني .
وعلى هذا يكون من ترك قراءة شئ من القرآن في الصلاة تكون صلاته باطلة , لأن القراءة فرض لثبوتها بدليل قطعي وهو قوله تعالى{فاقرءوا ما تيسر من القرآن }سورة المزمل : الآية 20 .

وأما من ترك قراءة الفاتحة فقط فإن صلاته تكون صحيحة لأن قراءتها ليست فرضاً وإنما هي واجبة فقط , لأنها ثابتة بدليل ظني كما في حديث عبادة بن الصامت قال قال رسول صلى الله عليه وسلم  { لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب }رواه البخاري ومسلم.

 

القسم الثاني : المندوب

المندوب لغة‏:‏ من الندب إلي الشيء أي الدعاء إليه .

ومن ذلك الشاعر :

لا يسألون أخاهم حين يندبهم     للنائبات على ما قال برهانا

والمندوب اصطلاحًا‏:‏ هو ما أمر به الشارع لا على وجه الإلزام فيثاب فاعله امتثالاً ولا يعاقب تاركه . كسنن الرواتب .
شرح التعريف :
المراد (ما أمر به الشرع ) يخرج ما نهى عنه الشرع وأباحه فيخرج من هذا القيد كلاً من المحرم والمكروه والمباح ،
لأن المحرم والمكروه منهي عنه وليس مأمور به ، والمباح لا يتعلق به أمر ولا نهي .

المراد (لا على وجه الإلزام) يخرج ما أمر به الشارع على وجه الإلزام وهو الواجب .
المراد (فيثاب فاعله امتثالاً) يخرج به من فعله لا امتثالاً للأمر فلا ثواب له .
المراد (ولا يعاقب تاركه )أي إن تارك المندوب لا يعاقب على تركه له .

 

 

 

 

 

 

 

القسم الثالث : المحرم

المحروم لغة‏:‏ الممنوع ،أي أن المحرم في لغة العرب الممنوع ، فإن العرب تقول حرمت كذا أي منعته ، ومنه حريم البئر أي الجزء الذي يمنع بجوار في حدود البئر .

والمحروم اصطلاحًا‏:‏ ما نهى عنه الشارع على وجه الإلزام فيثاب تاركه امتثالاً ويستحق العقاب فاعله . كإسبال الثياب بالنسبة للرجال‏ .

شرح التعريف :

المراد (بما نهى عنه الشارع ) يخرج ما أمر عنه الشارع وأباحه وهو الواجب والمندوب والمباح .
المراد (على وجه الإلزام) يخرج ما نهى عنه الشارع لا على وجه الإلزام وهو المكروه .
المراد (يثاب تاركه امتثالاً ) يخرج به من تركه لا امتثالاً للأمر فلا ثواب له .المراد (يستحق العقاب فاعله) أي إن فاعله يستحق العقاب ولكن قد يعفو الله عنه فقد يعاقب وقد لا.

 

القسم الرابع : المكروه

المكروه لغة‏:‏ المبغض .
والمكروه اصطلاحاً : ما نهى عنه الشارع لا على وجه الإلزام فيثاب تاركه امتثالاً ولا يعاقب فاعله .
كالأخذ والإعطاء بالشمال .، وكالنهي عن الشرب قائماً، لما روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم { نهى عن الشرب قائماً}

رواه مسلم

فهذا محمول على الكراهة على الصحيح من أقوال العلماء لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد بين جواز الشرب قائماً بفعله صلى الله عليه وسلم حيث قال ابن عباس رضي الله عنهما: { شرب النبي صلى الله عليه وسلم قائماً من زمزم } رواه البخاري ومسلم .

شرح التعريف :
المراد (بما نهى عنه الشارع) يخرج ما أمر به الشارع وأباحه وهو الواجب والمندوب والمباح
المراد (لا على وجه الإلزام) يخرج ما نهى عنه الشارع على وجه الإلزام وهو المحرم .
المراد (يثاب تاركه امتثالاً) يخرج به من تركه لا امتثالاً للأمر فلا ثواب له .
المراد ( ولا يعاقب فاعله ) أي إن فاعل المكروه لا يعاقب ولكن هذا لا يعني أن نتهاون بالمكروه لأنه يخشى أن يكون هذا المكروه سلماً إلى المحرم كما أن المعاصي الصغار وسيلة للكبائر والكبائر وسيلة إلى الكفر ولهذا يقولون المعاصي بريد الكفر أي موصلة للكفر .

 

القسم الخامس : المباح

المباح لغة‏:‏ المعلن والمأذون فيه .
والمباح
اصطلاحاً: ما خير المكلف بين فعله وتركه.

وقيل هو: ما لا يتعلق به أمر ولانهى لذاته . أي لا يترتب عليه ثواب ولا عقاب
شرح التعريف :
المراد (ما لا يتعلق به أمر )خرج به الواجب والمندوب .
المراد (ولا نهى ) خرج به المحرم والمكروه .
المراد ( لذاته ) يخرج ما لو تعلق به أمر لكونه وسيلة لمأمور به أو نهى لكونه وسيلة لمنهي عنه فإن له حكم ما كان وسيلة له من مأمور أو منهي وهذا لا يخرج عن كونه مباح في الأصل ( مثل شراء الماء الأصل فيه الإباحة لكن إذا كان يتوقف على الوضوء للصلاة صار شراؤه واجباً فإذا أمر الشرع بشيء فهو أمر به و أمر بما لا يتم إلا به ) .
المراد (لا يترتب عليه ثواب ولا عقاب) أي إن فعله وتركه لا يترتب عليه عقوبة ولا ثواب

 

مذكرة في أصول الفقه

 

سلسلة

دروس في أصول الفقه

(الدرس الأول)

 

 


المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له واشهد أن لا اله ألا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون}
{ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالًا كثيرًا ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبًا}
{ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولًا سديدًا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا}
أما بعد
فإن اصدق الحديث كتاب الله , وأحسن الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم , وشر الأمور محدثاتها , وكل محدثة بدعة , وكل بدعة ضلالة , وكل ضلالة في النار
ثم أما بعد
فهذه مذكرة في علم أصول الفقه جمعتها من كتب أهل العلم للأخوة الدارسين بالمستوى الثالث بالدورة العلمية الشرعية رقم 27 والتي ينظمها مكتب الدعوة وتوعية الجاليات بحي الربوة بمدينة الرياض لعام 27/1428هـ والله أسأل أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم .

 

 

أصول الفقه

تعريف أصول الفقه : ــــ
نظر علماء الأصول إلى (أصول الفقه) بنظرتين لأنها مركب كلمتين كلمة (أصول)  مضاف وكلمة (فقه) مضاف إليه وعلى ضوء هاذين النظرتين يمكن تعريف أصول الفقه .
*النظرة الأولى : نظرة باعتباره مفرديه ( أي باعتبار كلمة أصول وكلمة فقه)
تعريف الأصل :

الأصول جمع مفردها أصل .

وهو في اللغة ما يبنى عليه غيره مثل أصل الجدار وهو أساسه، وأصل الشجرة الذي يتفرع منه أغصانها قال الله تعالى { ألم ترى كيف ضرب الله مثلًا كلمةً طيبةً كشجرة طيبة أصلها ثابتٌ وفرعها في السماء}سورة ‏ ‏إبراهيم‏: الآية‏24‏

والأصل في الاصطلاح له  عدد من المعاني منها     :

1 ـ الدليل : فإنك تقول أصل تحريم الزنا {ولا تقربوا الزنا} سورة الإسراء :الآية 32.

أي دليل تحريم الزنا هذه الآية .

2 ـ الراجح : فإنهم يقولون : الأصل في الكلام الحقيقة ، دون المجاز ، أي الراجح حمل الكلام على حقيقته .

3 ـ المقيس عليه : أي الذي يقاس عليه غيره ، فيقول : الخمر أصل النبيذ ، فالخمر :مقيس عليه و النبيذ : مقيس .

4 ـ القاعدة المستمرة : كقولهم ( أكل الميتة على خلاف الأصل) ، أي :خلاف القاعدة المستمرة من تحريم أكلها .  

تعريف الفقه:

 لغة الفهم  ومنه قوله تعالى{ واحلل عقدةً من لساني يفقهوا قولي ‏}سورة ‏طـه : الآية‏27‏‏.‏ فمعني يفقهوا أي يفهموا .
وقال تعالى {قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا ًمما تقول} سورة هود : الآية 91 . وقوله تعالى {حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوماً لا يكادون يفقهون قولاً} سورة الكهف : الأية93

وقوله تعالى {فمال هؤلاء القوم لايكادون يفقهون حديثاً} سورة النساء : الآية 78
وقوله تعالى { وإن من شئ إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم} سورة الإسراء : الآية 44
وما ثبت من حديث ابن عباس رضي الله عنه قال قال رسول صلى الله عليه وسلم{اللهم فقهه في الدين} رواه البخاري .

والفقه في الاصطلاح : معرفة الأحكام الشرعية العملية بأدلتها التفصيلية .
فالمراد (بالمعرفة) هي العلم والظن  لان إدراك الأشياء إما أن تكون : ــــ
1) العلم : وهو إدراك الشيء على ما هو عليه إدراكاً جازماً.

2) الظن : وهو إدراك الشيء مع احتمال ضد مرجوح .
3) الشك : وهو إدراك الشيء مع احتمال ضد مساو .
4) الوهم : وهو إدراك الشيء مع احتمال ضد راجح
5) الجهل البسيط : وهو عدم الإدراك بالكلية .
6) الجهل المركب : هو إدراك الشيء على وجه يخالف ما هو عليه في الواقع
والمراد (بالأحكام الشرعية) هي الأحكام المتلقاة من الشرع كالوجوب والتحريم .

 

 و الأحكام ثلاثة أنواع : 
1) عقليه : مثل الواحد نصف الاثنين ، وكمعرفة أن الكل أكبر من الجزء فهذا الحكم غير داخل في علم الفقه لأنه حكم عقلي

2) حسية أو عادية : مثل النار محرقة كمعرفة نزول الطل في الليلة الشاتية إذا كان الجو صحوًا‏.‏

3) شرعية : مثل الصلاة واجبة .
والأحكام الشرعية هى ما تتوقف معرفتها من الشرع ولا تدرك إلا عن طريقه , وتقييد الأحكام بكونها شرعية يخرج الغير شرعية كالأحكام الحسية و العقلية .
والمراد (بالعملية)  ما يصدر عن المكلف من الأفعال , لان الأحكام الشرعية بحسب متعلقاتها تنقسم إلى :-
1) الاعتيادية : وهى ما يتعلق باعتقاد الناس وتسمى أحكام اعتقاديه مثل الإيمان بالله وملائكته .
2) العملية : وهى ما يتعلق بأفعال الناس التي تصدر عنهم وتسمى أحكاما عملية مثل وجوب الصلاة
3) الأخلاقية : وهى ما تتعلق بتهذيب النفوس وتزكيتها وتسمى الأحكام الأخلاقية مثل وجوب الصدق وتحريم الكذب .
وتقييد الأحكام الشرعية بالعملية يخرج غير العملية وهى الاعتيادية والأخلاقية .
والمراد  (بأدلتها التفصيلية) أي أدلة الفقه المقرونة بمسائل الفقه التفصيلية , فيخرج به أصول الفقه لأن البحث فيه إنما يكون في أدلة الفقه الإجمالية .

*النظرة الثانية: نظرة باعتبار كونه لقباً لهذا الفن المعين فعرفه(الأصوليين)

 بعدة تعريفات نذكر منها ما يأتي:-

 

التعريف الأول :

 هي القواعد التي يتوصل بها المجتهد إلى استنباط الأحكام الشرعية العملية من الأدلة التفصيلية .
شرح التعريف :
المراد (بالقواعد) : جمع مفرده قاعدة و القاعدة عبارة عن قضية كلية تشمل جزئيات كثيرة كقاعدة ( الأمر للوجوب) و( النهى للتحريم) وغيرها من القواعد . وبأخذ القاعدة في التعريف يخرج الأمور الجزئية .
المراد (التي يتوصل بها المجتهد) : أي أن المجتهد يستطيع بواسطة هذه القواعد الأصولية أن يأخذ الأحكام الفقهية من الدليل التفصيلي .
المراد (بالأحكام): جمع مفرده حكم والحكم إثبات أمر لاخر أو نفيه عنه , والأحكام بحسب طريق إثباتها ثلاثة أنواع .
النوع الأول : عقلي مثل الواحد نصف الاثنين .
النوع الثاني : حسي مثل النار محرقة.
النوع الثالث : شرعي مثل الصلاة واجبة.
المراد(بالشرعية) : هى ما تتوقف معرفتها على الشرع . وتقييد الأحكام بكونها شرعية يخرج الأحكام الغير شرعية وهى الأحكام العقلية والحسية.
المراد (بالعملية ): ما يصدر عن المكلف من الأفعال , لان الأحكام الشرعية بحسب متعلقاتها تنقسم إلى الاعتقادية والعملية والأخلاقية , وتقييد الأحكام الشرعية بالعملية يخرج غير العملية وهى الاعتقادية والأخلاقية .
المراد (بالأدلة التفصيلية) : هي الأدلة الجزئية , وهى التي يتعلق كل دليل منها بمسألة مخصوصة , ويدل كل واحد منها على حكم معين , كقوله تعالى { حرمت عليكم أمهاتكم }سورة النساء : الآية 23

حيث أنه دليل تفصيلي تعلق بمسألة معينة وهى الزواج بأمهات , وتفيد حكماً معيناً وهو حرمة الزواج بالأم .
التعريف الثاني:

علم يبحث عن أدلة الفقه الإجمالية وكيفية الاستفادة منها وحال المستفيد .
شرح التعريف : ــــ
فالمراد (بالإجمالية) هي القواعد العامة مثل
مثل قولهم‏:‏ الأمر للوجوب أي أن الأمر إذا كان مجردا عن القرائن فإنه يفيد الوجوب ، فهذه القاعدة : الأمر للوجوب قاعدة إجمالية لأنها لم تشمل أمرا محددا بل هي عامة لكل أمر ، ومثلها قولهم : النهي للتحريم والصحة تقتضي النفوذ، فيخرج به أدلة الفقه التفصيلية فلا تذكر في أصول الفقه إلا على سبيل التمثيل للقاعدة .
والمراد (بكيفية الاستفادة)  أي أن المجتهد يستطيع بواسطة هذه القواعد الأصولية أن يأخذ الحكم .

وبتقييد (الاستفادة منها) يخرج القواعد التي لا يوصل البحث فيها إلى شئ بأن تكون مقصودة لذاتها مثل قاعدة ( العدل أساس الملك) , والقواعد يجب أن تكون شرعية وكونها شرعية تخرج القواعد التي ليست شرعية كقواعد النحو مثلاً .
والمراد (بحال المستفيد)
معرفة حال  المجتهد ، سمي مستفيداً لأنه يستفيد بنفسه الأحكام من أدلتها لبلوغه مرتبة الاجتهاد، فمعرفة المجتهد وشروط الاجتهاد وحكمه ونحو ذلك يبحث في أصول الفقه‏ .‏
التعريف الثالث :

 القواعد التي يتوصل بها إلى استنباط الأحكام الشرعية الفرعية.

موضوع علم أصول الفقه:

يبحث علم الأصول في أربعة أمور هي:

1 ) الحكم ويشمل مباحث الأحكام التكليفية والوضعية.

2 ) الدليل ويشمل جميع الأدلة، كالقرآن، والسنة، والإجماع، والقياس وغيرها.

3 ) الاستدلال ويشمل جميع مباحث الألفاظ كالعموم والخصوص ، والحقيقة والمجاز ، والنص والظاهر، والمنطوق والمفهوم، وغيرها.

4 ) المستدل ويشمل مباحث الاجتهاد والتقليد.

الفرق بين علم الفقه وعلم أصول الفقه: 

علم الفقه: يبحث في الأدلة التفصيلية  وأفعال المكلفين

وعلم أصول الفقه: يبحث في الأدلة الإجمالية واستنباط الأحكام الشرعية منها

  الفرق بين الأصولي والفقيه  :
الأصولي يبحث عن القواعد الكلية , والنظر في الأدلة الإجمالية من حيث دلالتها على الحكم فهو ينظر في كيفيات هذه الأدلة وأحوالها من حيث كونها عامة أو خاصة , مطلقة أو مقيدة , أمراً أو نهياً , ويضع القواعد التي تبين الحكم لكل منها , فيبحث مثلاً في الأوامر فيجد قاعدة كلية وهى (كل أمر إذا تجرد من قرينة يفيد الوجوب) وهكذا النواهي يجد ( كل نهى  إذا تجرد من قرينة  يفيد التحريم ) , ويبحث في العام فيجد أن ( العام يتناول أفراده قطعاً ) .
أما الفقيه فهو يبحث في أدلة الفقه الجزئية ليصل من خلال ذلك إلى معرفة حكم من الأحكام الشرعية العملية .

 فإذا ما أراد مثلاً معرفة حكم الصلاة , فإنه يبحث في الأدلة التفصيلية المتعلقة بالصلاة فيجد قول الله تعالى{ وأقيموا الصلاة}سورة البقرة: الآية43 , فينظر في هذا الدليل الجزئي فيجد فيه الأمر بالصلاة .
 أهمية أصول الفقه :  :

1) ضبط أصول الاستدلال وذلك ببيان الأدلة الصحيحة  .
2) التمكن من الحصول على قدرة يستطيع بها استخراج الأحكام الشرعية من أدلتها على أساس سليم.
3) تيسير عملية الاجتهاد وإعطاء الحوادث الجديدة ما يناسبها من الحكم.
4) معرفة الأسباب التي أدت إلى وقوع الخلاف بين العلماء والتماس الأعذار لهم .
5) بيان ضوابط الفتوى وشروط المفتى وآدابه .
6) الوقوف على سماحة الشريعة ويسرها , والابتعاد عن الجمود المترتب على دعوى إغلاق باب الاجتهاد.
 سبب وضع العلماء لعلم أصول الفقه ومن أول من وضعه  :
إن سبب حمل العلماء على إنشاء هذا العلم إنه عندما كثرة الفتوحات الإسلامية واتسعت رقعة الإسلام أدى ذلك إلى اختلاط الأمة العربية بغيرها من الأمم فدخل في اللغة العربية الكثير من المفردات غير العربية فكثر تبعاً لذلك الاشتباه والاحتمال في فهم النصوص , كما أدت كثرة الفتوحات إلى وجود الكثير من الحوادث التي لم تكن موجودة من قبل والتي لم يرد ما يبين حكمها .
و أول من وضع هذا العلم هو الأمام الشافعي رحمه الله تعالى في أواخر القرن الثاني الهجري .

 

طريقة العلماء في وضع قواعد هذا العلـم  :
الطريقة الأولى : طريقة الأحناف :
 علماء الأحناف رحمهم الله ينظرون في الفروع الفقهية في مذهب الإمام أبي حنيفة ويتتبعونها ثم يضعون القواعد الأصولية على مقتضى فروع مذهبهم ، فهم يعتبرون القواعد مسخرة للفروع ، ولهذا جاءت كتبهم غنية بالفروع الفقهية  .
الطريقة الثانية : طريقة الجمهور :
 جمهور العلماء من المالكية والشافعية والحنابلة ينظرون في أدلة الأحكام من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع الأمة مع استصحاب البراءة الأصلية ، ويضعون الأصول على مقتضى الأدلة ، ولم يراعوا في ذلك مذهب معين بل المؤلف نفسه لم يراعي مذهبه ، وعليه فالفروع مسخرة للقواعد ، ولكنهم لم يتعمقوا في الفروع  .
الطريقة ثالثة : الجمع بين الطريقتين  .