100

وقعة بئر مَعُونَة شهر صفر سنة 4هـ /وتجرأت بنو غَطَفَان حتى همت بالغزو على المدينة في جمادي الأولي سنة 4 هـ‏/سرية أبي سلمة‏ 1/محرم سنة 4هـ/بعث عبد الله بن أُنَيس‏‏ 5/محرم/سنة 4هـ حتي السبت 25 محرم سنة4هـ/بعث الرَّجِيع‏ شهر صفر 4 للهجرة /واقعة بئر مَعُونة‏ شهر صفر 4 للهجرة غزوة بني النضير ربيع الأول سنة 4 من الهجرة،/غزوة نجد ‏ في شهر ربيع الثاني أو جمادي الأولي سنة 4 هـ(ربيع الآخر أو جمادى الأولى سنة 4 هـ /غزوة ذات الرِّقَاع‏ ربيع2 سنة4هـ/غزوة الخندق فى أواخر السنة الخامسة

Translate

الأحد، 10 يونيو 2018

تأسيس المدارس الفقهية


تأسيس المدارس الفقهية ويكبيديا


مبنى المدرسة المستنصرية التاريخي في بغداد

تأسيس المدارس الفقهية هو مجموعة من المجهودات العلمية المتخصصة في الدراسات الفقهية التي بدءت بظهور فقهاء الصحابة الذين كانت لهم مذاهب فقهية، والذين أسسوا مدارس فقهية في الحجاز والعراق والشام واليمن ومصر، وانتقل علمهم إلى من خلال هذه المدارس إلى من بعدهم، وتلخص ذلك بظهور مدارس فقهاء التابعين، وكان القرن الثاني الهجري أهم فترة لتأسيس المدارس الفقهية.

والمدارس الفقهية هي: مجموعة من المجتهدين، من ذوي الكفائة العلمية، والتخصص لبحث ودراسة موضوع: الفقه في الدين الإسلامي، وما يوجد من غوامض، وإشكالات، والتدقيق والاستدلال، في علم الفقهوأصوله، وقواعده، وفروعه. وقد نشأت المدارس الفقهية في زمن الصحابة الذين اشتهرت مذاهبهم الفقهية ونقلت، وأخذ عنهم فقهاء التابعين، وتكامل بذلك تأسيس المذاهب الفقهية.


محتويات

1 تعرف الفقه
1.1 الفقه في الدين
2 تأسيس المدارس الفقهية
2.1 العصر النبوي
3 تاريخ الفقه
3.1 فقهاء الصحابة
3.1.1 طبقة كبار فقهاء الصحابة
3.1.2 الطبقة الثانية من فقهاء الصحابة
3.2 ممن أخذ عنهم الفقه
3.2.1 من النساء
4 فقهاء الصحابة
5 مدارس فقه الصحابة والتابعين
5.1 مدرسة الكوفة بالعراق
5.2 مدرسة فقهاء مكة
5.3 مدرسة فقه المدينة
6 خصائص المدارس الفقهية
7 المذاهب الأربعة
8 المذاهب الأربعة حسب تسلسل تاريخ الظهور
8.1 المذهب الحنفي
8.2 المذهب المالكي
8.3 المذهب الشافعي
8.4 المذهب الحنبلي
9 موضوع الدراسات الفقهية
10 منهج الاستدلال الفقهي
10.1 خصائص المذاهب الأربعة
11 أدلة الفقه
12 الاجتهاد
13 المجتهد
13.1 شروط المجتهد
14 مصطلحات
15 صور
16 وصلات خارجية
17 انظر أيضًا
18 ملاحظات
19 مراجع
تعرف الفقه

الْفِقْهُ في اللغة: الْفَهْمُ للشيء والعلم به، وفهم الأحكام الدقيقة والمسائل الغامضة، وهو في الأصل مطلق الفهم، وغلب استعماله في العرف مخصوصا بـعلم الشريعة؛ لشرفها على سائر العلوم، ومعناه الاصطلاحي: «العلم بالأحكام الشرعية المكتسبة من أدلتها التفصيلية». ويسمي علم الفقه ويختص بالفروع، والفقيه العالم بالفقه، وعند علماء أصول الفقه هو المجتهد.

والفقه في الاصطلاح يطلق على أحد أنواع العلوم الشرعية المسمى: علم فروع الفقه وهو: العلم بالأحكام الشرعية العملية المستمدة من أدلتها التفصيلية. أو بعبارة أخری هو: العلم الذي يبحث لكل عمل عن حكمه الشرعي.
الفقه في الدين


المدرسة المستنصرية في بغداد أول جامعة تدرس المذاهب الأربعة.

كان الصحابة في زمن النبوة يتعلمون أحكام الدين الإسلامي ويتفقهون فيه، وكانت المدينة المنورة في عصر الخلفاء الراشدين هي المرجع الفقهي الأول للمسلمين، وكان فقهاء الصحابة يعلمون الناس أمور دينهم، وبمرور الوقت وانتقال الصحابة في البلدان حدثت ظواهر جديدة يتحتم معرفة حكمها الشرعي، ولم يوجد نص من القرآن ولا من السنة يدل عليها بخصوصها، وكان كبار فقهاء الصحابة الذين بلغوا رتبة الاجتهاد يستنتجون أحكامها بطرق الاجتهاد، وكانت لهم مذاهب فقهية، وأخذ عنهم صغار الصحابة وكبار التابعين.

وقد فرض الله على الأمة الإسلامية تعلم أحكام الشرع والتفقه في الدين، كما أن من فروض الكفاية أن يتفرغ البعض للتعلم ليعلموا ذويهم وقومهم، قال الله تعالى: وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ قال الطبري: «فقال بعضهم: وهو نفر كان من قوم كانوا بالبادية، بعثهم رسول الله يعلمون الناس الإسلام، فلما نزل قوله: ﴿ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله﴾ انصرفوا عن البادية إلى النبي خشية أن يكونوا ممن تخلف عنه، وممن عني بالآية، فأنزل الله في ذلك عذرهم بقوله: ﴿وما كان المؤمنون لينفروا كافة..﴾ وكره انصراف جميعهم من البادية إلى المدينة».
تأسيس المدارس الفقهية

المدارس في اللغة: أماكن التعليم، أو مجموعة من المفكرين والباحثين المتخصصين. والمدارس الفقهية هي: مجموعة من الباحثين المتخصصين، الذين امتازوا بكفائاتهم العلمية، وقدرتهم على النظر والإستدلال، والإجتهاد، وتفرغوا للإشتغال بدراسة موضوع: الفقه الإسلامي والبحث في كلياته وجزئياته، وما يوجد من غوامض وإشكالات، واستنباط أحكامه، وعملوا على صياغة أصوله وفروعه، ومبادئه ومقاصده، وتوسيع مباحثه في فترات متعاقبة، حتى اكتمل وضع المذاهب الفقهية.
العصر النبوي

العصر النبوي هو المرجع الأول لكل المسلمين، لاختصاصه بنزول الوحي فيه، حتى اكتمل الدين. وكان للشرع الإسلامي: مصدران تلخص فيهما ما نزل من الوحي هما: القرآنوالحديث قال الله تعالى: وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا وآيات الله أي: القرآن. والحكمة: الحديث النبوي

وقال تعالى: ﴿مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [59:7] وكانت مهمة الصحابة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم: تلقي ما جاء به الرسول من عند الله، وحفظه وتعلمه، وتدوين القرآن ثم الحديث. وكان الفقه في العصر النبوي يؤخذ من المعلم الأول للأمة الإسلامية؛ محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان الصحابة رضي الله عنهم يتعلمون منه الأحكام الشرعية ويأخذونها، ويعلمون الناس، ولم يكن الإجتهاد إلا في بعض الأحوال التي لا تمكنهم من الحصول على النص، لأن نزول الوحي فيه ما يقر أو ينكر ويعلم. وقد تلخص الفقه في زمن النبوة بظهور عدد من فقهاء الصحابة، وبوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ انقطع الوحي، وكان الدين الإسلامي مكتملا، واضح المعالم.
تاريخ الفقه

نشأ الفقه الإسلاميّ بمفهومه العام الذي هو بمعنى: الفقه في الدين منذ بداية الدّعوة الإسلامية، خلال فترة نزول الوحي في العصر النبوي، وكان الصحابة يتعلمون الأحكام الشرعية ويتفقهون في دين الله في العصر النبوي الذي اختص بنزول الوحي فيه، حتى اكتمل الدين. وكانت مهمة الصحابة تعلم أحكام الشرع، وهو ما شرعه الله على لسان رسوله من أحكام، وحفظه وتعلمه، وتدوين القرآن ثم الحديث. والتفقه فيما أنزل الله على رسوله وأوحي به إليه من القرآنوالحديث قال الله تعالى: وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا وقد فسرت آيات الله: بالقرآن، والحكمة هي: الحديث النبوي وقد كان الاجتهاد في العصر النبوي قليل الوقوع، قال في البحر: «واختلف في علم النبي الحاصل عن اجتهاد، هل يسمى فقها؟ والظاهر أنه باعتبار أنه دليل شرعي للحكم لا يسمى فقها، وباعتبار حصوله عن دليل شرعي يسمى فقها اصطلاحا» وكان الفقه في الدين في زمن الصحابة مميزا عما بعده باعتبار أنهم أخذوا وتعلموا في زمن نزول الوحي وتفقهوا من العلم النبوي، وقد اختص كبار الصحابة بمزيد اهتمام في تعلم الأحكام وفهمها، وكانوا مراجع للمسلمين.

أكثر الصحابة ملازمة لرسول الله الذين صحبوه ولازموه كانوا فقهاء، وتتمثل طرق فقه الصحابة فيما أخذوه من خطاب الله تعالى وخطاب رسوله وما فهموه منهما، والعلم بتفسير القرآن الذي نزل بلغتهم وعرفوا أسباب نزوله، والعلم بما أخذوه من السنة النبوية من أقوال وأفعال وتقريرات عرفوا مقاصدها وكان لهم من ذلك معرفة واسعة بأحكام الدين. ومن كبار فقهاء الصحابة الخلفاء الأربعة وغيرهم، وكان منهم مراجع الفتوى ومنهم: ابن عمر وابن عباس وزيد ابن ثابت، وابن مسعود، ومعاذ اين جبل، وكان من النساء أيضا: أمهات المؤمنين، ومن نساء الأنصار وغيرهن، وكان لكبار الصحابة، وأئمة أهل البيت اجتهادات ومذاهب فقهية، وتلقى عنهم صغار الصحابة ومن تلقى عنهم من التابعين.
فقهاء الصحابة

انظر أيضًا: فقهاء الصحابة

فقهاء الصحابة كثيرون لكن اختص بعضهم باجتماع جملة من الخصائص لم تتوفر في غيرهم، فهناك من كان له طول الصحبة، وكثرة المجالسة والأخذ، ولا يقتصر هذا على رواية الحديث؛ فقد ورد: «رب حامل فقه ليس بفقيه»، فالخصوصية في قوة الفهم وحدة الذكاء، بالإضافة إلى خصائص أخرى كالدعاء والإجازة والشهادة وغيرها، فمن الدعاء مثل حديث: "عن علي بن ابي طالب أنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فقلت: يا رسول الله أتبعثني وأنا شاب وهم كهول ولا علم لي بالقضاء، قال: انطلق فإن الله عز وجل سيهدي قلبك ويثبت لسانك، قال علي: فو الله ما تعاييت في شيء بعد". وروي أنه قال: "اللهم اهد قلبه" قال: فما شككت في قضاء بين اثنين حتى جلست مجلسي هذا. وكالدعاء لابن عباس في حديث: "اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل" وغير ذلك. والإجازة مثل تكليف بعض الصحابة للقيام بمهمة القضاء والفتوى والتعليم، والشهادة مثل حديث: "وأفرضهم زيد..." جاء في كتب الحديث أن أعلم أمة محمد بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأعلمهم بالمواريث: زيد بن ثابت وفي الحديث: «عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدها في دين الله عمر، وأصدقها حياء عثمان، وأعلمها بالحلال والحرام معاذ ابن جبل، وأقرؤها لكتاب الله عز وجل أبي، وأعلمها بالفرائض زيد ابن ثابت، ولكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة ابن الجراح"» فهم أكثر الصحابة علما بالدين وفهما وحفظا، وأكثرهم ملازمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذا عنه. والذين أجازهم أو دعا لهم، أو شهد لهم بالمكانة العلمية، أو حث على الأخذ والتعلم منهم، أو كلفهم بمهمة الإفتاء والقضاء. الذين تميز بالفطنة والذكاء، وقوة الإدراك، وجودة الرأي الفهم، وحسن الإستدلال. الذين تفرغوا للتفقه في الدين، والتعليم والإفتاء. الذين شهد لهم أكثر الصحابة بمكانتهم العلمية، وأقروهم وأخذوا عنهم ووافقوهم.
طبقة كبار فقهاء الصحابة

طبقة كبار فقهاء هي طبقة كبار أعلام فقهاء الصحابة الذين تميزوا بمكانتهم العلمية في العصر النبوي ومنذ بداية عصر الخلفاء، وكانوا مرجعا للمسلمين، وكانت لهم اجتهادات فقهية، ومنهم الخلفاء الراشدون وأولهم أبو بكر الصديق وهو أول الخلفاء الراشدين، وقد أجمع جماهير أهل السنة والجماعة على أنه أفضل الصحابة وأفقههم وأعلمهم وإمام الأمة الذي قدم للصلاة، وأول من أجمعت الأمة على خلافته، وأن الصحابة لا يقدمون لإمامة الأمة إلا إماما مجتهدا، وعمر بن الخطاب وكانت له اجتهادات فقهية وأقوال أخذت عنه، وكان يبعث الفقهاء من الصحابة إلى الأمصار ليعلموا الناس أمور دينهم، وعن محمد بن سهل بن أبي خيثمة عن أبيه أنه قال: "كان الذي يفتون على عهد رسول الله ثلاثة من المهاجرين وثلاثة من الأنصار: عمر وعثمان وعلي وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت. وكان ابن عباس إذا سئل عن الشيء فإن لم يكن في كتاب الله وسنة رسوله قال بقول أبي بكر، فإن لم يكن فبقول عمر وعثمان بن عفان ثالث الخلفاء الراشدين، كان من كبار الفقهاء وأهل الفقه والرأي والمشورة، وعن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن أبا بكر كان إذا نزل به أمر يريد فيه مشاورة أهل الرأي والفقه دعا رجالا من المهاجرين والأنصار، دعا عمر وعثمان وعليا وع الرحمن ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب وزيد بن ثابت وعلي بن أبي طالب رابع الخلفاء الراشدين وكانت اجتهادت فقهية أخذت عنه وكان من كبار فقهاء الصحابة وعن عائشة رضي الله عنها قالت: من أفتاكم بصوم عاشوراء؟ فقيل علي بن أبي طالب، قالت: أما إنه أعلم الناس بالسنة، وروي أنها قالت: أعلم من بقي بالسنة. وقال مسروق: انتهى العلم إلى ثلاثة: عالم بالمدينة وعالم بالشام وعالم بالعراق؛ فعالم المدينة علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وعالم العراق عبد الله بن مسعود، وعالم الشام أبو الدرداء، فإذا التقوا سأل عالم الشام وعالم العراق عالم المدينة ولم يسألهما. وعبد الله بن مسعود أحد كبار فقهاء الصحابة وفي الحديث: "رضيت لأمتي ما رضي لها ابن أم عبد". يعني: ابن مسعود. وبعثه عمر ابن الخطاب إلى الكوفة. روى حارثة بن مضرب "أن عمر رضي الله عنه كتب إلى أهل الكوفة: أما بعد فإني قد بعثت إليكم عمارا أميرا وعبد الله قاضيا ووزيرا، وإنهما من نجباء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وممن شهد بدرا، فاسمعوا لهما وأطيعوا فقد آثرتكم بهما على نفسي". وعن عمر أنه قال فيه: أما إنه أطولنا فوقا، كنيف ملئ علما. وروى أبو البختري أن عليا كرم الله وجهه قيل له: أخبرنا عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: عمن تسألوني؟ قالوا: عن عبد الله، قال: "علم القرآن والسنة". وروى يزيد بن عميرة قال: لما حضر معاذ بن جبل الموت قيل له: يا أبا عبد الرحمن أوصنا، قال: التمسوا العلم عند أربعة: عند عويمر أبي الدرداء وعند سلمان الفارسي وعند عبد الله بن مسعود وعند عبد الله بن سلام. وسئل أبو موسى الأشعري عن مسألة فقال للسائل: ايت ابن مسعود فسيتابعني فجاء إليه فأفتاه، ثم قال: فأتيت أبا موسى وأخبرته فقال: لا تسألوني عن شيء ما دام هذا الحبر فيكم. وقال علقمة: قدمت الشام فلقيت أبا الدرداء فسألته فقال: تسألوني وفيكم عبد الله بن مسعود؟.

وأبو موسى الأشعري "وكان ممن بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن ليعلم الناس القرآن"، وولاه عمر على البصرة. وقال أنس: "بعثني الأشعري إلى عمر رضي الله عنهما فأتيته فسألني عنه فقلت: تركته يعلم الناس، فقال: أما أنه كيس فلا تسمعها إياه". وقال أبو البختري: سئل علي بن أبي طالب عن أبي موسى فقال: صبغ في العلم صبغة. وقال مسروق: كان العلم في ستة نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يصفهم أهل الكوفة: عمر وعلي وعبد الله وأبو موسى وأبي وزيد بن ثابت

وأبي بن كعب قال عمر: اليوم مات سيد المسلمين، وروي عنه أنه قال: "قال رسول الله : "أي آية معك في كتاب الله أعظم؟". قلت: "الله لا إله إلا هو الحي القيوم" البقرة: 225 قال: فضرب في صدري وقال ليهنك العلم، وتحاكم إليه عمر والعباس رضي الله عنه عنهما في دار كانت للعباس إلى جانب المسجد فقضى للعباس على عمر، ولا يتولى القضاء بين كبار الصحابة إلا عالم مجتهد. وقال مسروق: شاممت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدت علمهم انتهى إلى هؤلاء الستة: عمر وعلي وعبد الله وأبي وأبي الدرداء وزيد بن ثابت رضي الله عنهم.

معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الخزرجي

وجاء في الحديث: "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل إلى اليمن فقال: بم تقضي؟ قال: بكتاب الله، قال: فإن لم تجد؟ قال: بسنة رسول الله، قال: فإن لم تجد؟ قال: اجتهد رأيي، قال: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضاه رسول الله صلى الله عليه وسلم" ولا يبعث للقضاء إلا عالما، وقد سأله بين طرق الأحكام أجاد وأحسن وأخبر أنه يجتهد رأيه، فأقر الرسول، ولا يقر الرسول إلا من كان أهلا للاجتهاد. وروى عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله : أن معاذ بن جبل كان قانتا لله حنيفا وأنه برتوة بين يدي العلماء يوم القيامة ليس بينه وبين الله تعالى إلا النبيين والمرسلين وخطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: من أراد أن يسأل عن الفقه فليأت معاذ بن جبل. وروى أبو مسلم الخولاني قال: دخلت حمص فرأيت حلقة فيها اثنان وثلاثون رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا فيهم شاب أكحل العينين براق الثنايا فإذا امترى القوم في شيء أقبلوا عليه فسألوه، فقلت لجليس لي: من هذا؟ قال: هذا معاذ ابن جبل.

وزيد بن ثابت بن الضحاك الخزرجي من كبار فقهاء الصحابة وأحد فقهاء المدينة جاء فيه حديث: "أفرضهم زيد". وقال الشعبي: أمسك ابن عباس بركاب زيد بن ثابت فقال: تمسك ركابي ونت ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: إنا هكذا نصنع بالعلماء. وقال سالم: كنا مع ابن عمر يوم مات زيد فقال: مات عالم الناس اليوم. وقال سليمان بن يسار: كان عمر وعثمان لا يقدمان على زيد بن ثابت أحدا في القضاء والفتوى والفرائض والقراءة. وخطب عمر رضي الله عنه بالجابية فقال: من أراد أن يسأل عن الفرائض فليأت زيد بن ثابت. وقال مسروق: دخلت المدينة فوجدت بها من الراسخين في العلم زيد ابن ثابت.

وأبو الدرداء قال معاذ حين حضرته الوفاة وقيل له: أوصنا، فقال: التمسوا العلم عند ابن أم عبد وعويمر أبي الدرداء وسلمان وعبد الله بن سلام، وعن أبي الدرداء أنه قال: سلوني فوالذي نفسي بيده لئن فقدتمون لتفقدن رجلا عظيما من أمة محمد صلى الله عليه وسلم.

أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق

روى عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه قال: لو كانت امرأة تكون خليفة لكانت عائشة خليفة. وقال أبو موسى الأشعري: ما أشكل على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء فسألنا عنه عائشة إلا وجدنا عندها منه علما. ولما أجابت في الغسل من الإكسال، قال أبو موسى: لا أسأل عنه أحدا بعد هذا اليوم. وقال عمر رضي الله عنه في ذلك: من خالف بعد هذا جعلته نكالا. وقال قبيصة بن ذؤيب: كان عروة بن الزبير يغلبنا بدخوله على عائشة، وكانت عائشة أعلم الناس، يسأل الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال عروة: كانت عائشة أعلم الناس بالحديث، وأعلم الناس بالقرآن، وأعلم الناس بالشعر، ولقد قلت قبل أن تموت بأربع سنين: لو ماتت عائشة لما ندمت على شيء إلا كنت سألتها عنه. وقال مسروق وقد سئل عن عائشة، هل كانت تحسن الفرائض؟ فقال: لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يسألونها عن الفرائض
الطبقة الثانية من فقهاء الصحابة

الطبقة الثانية من فقهاء الصحابة هي طبقة فقهاء الصحابة الذين كانوا صغار السن بالنسبة للصحابة الأكبر منهم سنا، وباعتبار أنهم أخذوا العلم عن كبار فقهاء الصحابة بالإضافة إلى ما تعلموه في العصر النبوي. واشتهر بالعلم من هؤلاء: عبد الله بن العباس بن عبد المطلب. كان يسمى: البحر لغزارة علمه وفي الحديث: "أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له فقال: اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل". وقال عبد الله: كان عمر بن الخطاب يسألني مع الأكابر من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وكان يقول: لا يتكلم حتى يتكلموا  وقال ابن عمر: نعم ترجمان القرآن ابن عباس. وقالت عائشة رضي الله عنها: من استعمل على الموسم العام؟ قالوا: ابن عباس قالت: هو أعلم الناس بالحج. وروى ابن عباس أن عمر كان يدينه فقال له عبد الرحمن بن عوف: أن أبناء مثله، فقال عمر: إنه من حيث تعلم. وقال له عمر: إنك لأصبح فتياننا وجها، وأحسنهم خلقا، وأفقههم في كتاب الله عز وجل. وأحرق علي بن أبي طالب رضي الله عنه قوما من الزنادقة فأنكر عليه ابن عباس ذلك، فقال: ويح ابن أم الفضل إنه لغواص على الهنات. وقال ابن أبي نجيح: كان أصحاب ابن عباس يقولون: إن ابن عباس أعلم من عمر وعلي وعبد الله، فيعيب الناس عليهم، فيقولون: لا تعجلوا علينا، إنه لم يكن أحد من هؤلاء إلا عنده من العلم ما ليس عند صاحبه وإن ابن عباس قد جمعه كله. وكان عطاء إذا حدث عنه قال: حدثني البحر. وكان ميمون بن مهران إذا ذكر عنده عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس قال: كان ابن عباس أفقههما.

وعبد الله بن عمر بن الخطاب قال ابن سيرين: كانوا يرون أعلم الناس بالمناسك ابن عمر بعد ابن عفان. وقال أبو إسحاق الهمداني: كنا عند ابن أبي ليلى في بيته فجاءه أبو سلمة ابن عبد الرحمن فقال: عمر كان عندكم أفضل أم ابنه؟ قالوا: لا بل عمر، فقال أبو سلمة: إن عمر كان في زمانه له فيه نظراء، وإن ابن عمر كان في زمانه ليس له فيه نظير. وقال مالك: أقام ابن عمر بعد النبي صلى الله عليه وسلم ستين سنة يفتي الناس في الموسم، وكان من أئمة الدين.

وعبد الله بن الزبير بن العوام ابن خويلد قال القاسم: ما كان أحد أعلم بالمناسك من ابن الزبير.

وعبد الله بن عمرو بن العاص السهمي وكان يفتي في الصحابة.

قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: لما مات العبادلة: عبد الله بن عباس وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو بن العاص صار الفقه في جميع البلدان إلى الموالي.
ممن أخذ عنهم الفقه

وممن أخذ عنه الفقه من الصحابة: أبو سعيد الخدريوأبو هريرة الدوسيوجابر بن عبد الله الأنصاريورافع بن خديجوسلمة بن الأكوعوأبو واقد الليثيوعبد الله بن بحينة. قال زياد بن مينا: كان ابن عباس وابن عمر وأبو سعيد الخدري وأبو هريرة وجابر بن عبد الله ورافع بن خديج وسلمة بن الأكوع وأبو واقد الليثي وعبد الله بن بحينة مع أشباه لهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتون بالمدينة ويحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من لدن توفي عثمان بن عفان إلى أن توفوا. والذين صارت الفتوى إليهم منهم: ابن عباس وابن عمر وأبو سعيد الخدري وأبو هريرة وجابر بن عبد الله الأنصاري.  وممن نقل عنه الفقه: عبد الله بن مغفل المزني، قال الحسن: هو أحد النفر العشرة الذين بعث إلينا عمر ليفقهوا أهل البصرة. وأبو نجيد عمران بن حصين الأسلمي الخزاعي، وجهه عمر إلى البصرة ليعلم الناس، قال يحيى بن سعيد القطان: ما قدم علينا البصرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أقول بالحق من أبي بكرة ولا أفضل فضلا من عمران بن حصين، تسلم عليه الملائكة من جوانب بيته. وأبو حمزة أنس بن مالك قال قتادة: لما مات أنس قال مؤرق العجلي: اليوم ذهب نصف العلم؛ كان إذا خالفنا الرجل قلنا: تعال إلى من سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ونقل الفقهاء عن غير هؤلاء مثل: طلحة بن عبيد اللهوالزبير بن العواموسعد بن أبي وقاصوسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وعبد الرحمن بن عوفوأبي عبيدة بن الجراحوحذيفة بن اليمانوالحسنوالحسينومعاوية بن أبي سفيانوعمرو بن العاصوخالد بن الوليدوالمسور بن مخرمةوالضحاك بن قيسوعمار بن ياسروأبي ذر الغفاريوأبو بصرة الغفاريوسلمان الفارسيوعبادة بن الصامتوشداد بن أوسوفضالة بن عبيد الأنصاريوأبو مسعود البدريوأبو أيوب الأنصاريوأبو قتادة الأنصاريوأبو طلحة الأنصاري وأبو أسيد مالك بن ربيعة الأنصاريوالنعمان بن بشيروالبراء بن عازبوزيد بن أرقموأبو حميد الساعديوعبد الله بن يزيد الخطميوسهل بن سعد الساعديوبريدة الأسلميوأبو برزة الأسلميوعبد الله بن أبي أوفى الأسلميوواثلة بن الأسقع الليثيوأبو أمامة الباهليوعقبة بن عامر الجهنيوسمرة بن جندب الفزاريوعبد الرحمن بن أبزي وغيرهم.
من النساء

ومن النساء فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها، وحفصة بنت عمروأم سلمةوأم حبيبةوأسماء بنت أبي بكروأم الفضل بنت الحارثوأم هانئ بنت أبي طالب.

قال الواقدي: آخر من مات من الصحابة بالكوفة عبد الله بن أبي أوفى سنة ست وثمانين؛ وآخر من مات بالمدينة من الصحابة سهل بن سعد الساعدي سنة إحدى وتسعن وهو ابن مائة سنة؛ وآخر من مات من الصحابة بالبصرة أنس بن مالك سنة إحدى وتسعين، وقيل: ثلاث وتسعين، وآخر من مات بالشام من الصحابة عبد الله بن بسر سنة ثمان وثمانين، وكان أبو الطفيل عامر بن واثلة آخر من مات من الصحابة، مات بعد سنة مائة
فقهاء الصحابة

فقهاء الصحابة   هم علماء الدين المتخصصون في مجال الفقه في الدين الإسلامي. وقد كان الصحابة يتعلمون أحكام الدين من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعلمون غيرهم. واختص مجموعة من فقهاء الصحابة بالتعليم والفتوى مثل: أبي هريرة، وعائشة أم المؤمنين، وأنس بن مالك، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وغيرهم. وامتاز فقهاء الصحابة بخصائص تستخلص منهم أفضل الدرجات العلمية، بحسب ما يجتمع من هذة الخصائص، والصفات ومنها:
أكثر الصحابة علما بالدين وفهما وحفظا، وأكثرهم ملازمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذا عنه.
الذين أجازهم النبي صلى الله عليه وسلم، أو دعا لهم، أو شهد لهم بالمكانة العلمية، أو حث على الأخذ والتعلم منهم، أو كلفهم بمهمة الإفتاء والقضاء.
الذين تميز بالفطنة والذكاء، وقوة الإدراك، وجودة الرأي الفهم، وحسن الإستدلال.
الذين تفرغوا للتفقه في الدين، والتعليم والإفتاء.
الذين شهد لهم أكثر الصحابة بمكانتهم العلمية، وأقروهم وأخذوا عنهم ووافقوهم.
مدارس فقه الصحابة والتابعين

تميزت المدينة المنورة بعد العصر النبوي بوجود جمهور فقهاء الصحابة، الذين كانوا مرجعا أساسيا للتعليم والفتوى، واشتهر منهم الخلفاء الأربعة، وكانت لهم مذاهب فقهية مثل: مذهب عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وأبو هريرة، وعائشة بنت أبي بكر، وزيد بن ثابت، وابن عباس، وابن عمر، وابن مسعود، رضي الله عنهم، وغيرهم. وكان لهم اجتهادات، ومذاهب فقهية. ومع مرور الوقت، وتكامل نضوج فقه الصحابة؛ بدء نقل أقوالهم، وتدوين مذاهبهم، وكان يعتمد عند التعارض على قواعد مثل: تقديم ما توافق عليه جمهور الصحابة، أو بحسب الدليل، وجودة الإستدلال، وغير ذلك. وأما مذاهب فقه التابعين؛ فهي امتداد لمذاهب الصحابة، في تأسيس مذاهب الفقه الإسلامي، من خلال ظهور المدارس الفقهية، التي كان أشهرها وأكثرها انتشارا: مدرسة الحجاز في المدينة المنورة، باعتبارها أم المدارس الفقهية، ثم مكة المكرمة (البلد الحرام)، ثم مدرسة الكوفة بالعراق.
مدرسة الكوفة بالعراق
مدرسة الكوفة بالعراق؛ واشتهرت بفقه ابن مسعود وهو من كبار فقهاء الصحابة، ومن أكثرهم فقها للكتاب والسنة، وملازمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وممن جاء الأمر من الرسول بأن يؤخذ عنه  . وقد اشتهر فقه ابن مسعود في الكوفة، وأخذ عنه فقهاء العراق وغيرهم، وكان من أشهر التابعين الذين أخذوا مذهبه: علقمة بن قيس، والأسود بن يزيد، ومسروق ابن الأجدع، والقاضي شريح، وعمرو ابن شرحبيل الهمداني وغيرهم. وأخذ من بعدهم: منصور بن المعتمر، وإبراهيم النخعي، وأخذ عنهم: أبو حنيفة، وسفيان الثوري.
مدرسة فقهاء مكة

مدرسة فقه مكة واشتهر فيها مذهب ابن عباس الذي دعا له النبي صلى الله عليه وسلم بقوله 《اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل》 وكان من أفقه الصحابة وأعلمهم بتأويل القرآن. ومن أشهر تلامذته الفقهاء: عكرمة، وعطاء، وطاووس، وسعيد بن جبير، وعنهم أخذ عمرو بن دينار، وابن جريج، وعبد الله بن دينار، وغيرهم. وأخذ عنهم الإمام مالك وغيره.
مدرسة فقه المدينة

تعد المدينة المنورة أول مدرسة للفقه الإسلامي، وكان من أشهر المدا رس الفقهية وأكثر المذاهب الفقهية انتشارا فيها مذهب زيد بن ثابت الذي شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه أعلم الصحابة بالفرائض، وبالقرآن. وممن اشتهر بالأخذ عنه فقهاء المدينة السبعة، مثل: خارجة بن زيدوالقاسم بن محمدوسعيد بن المسيبوسالم بن عبد الله بن عمر وغيرهم. وأشهر من أخذ عنهم محمد بن مسلم الزهري وعنه أخذ الإمام مالك بن أنس مؤسس المذهب المالكي.
خصائص المدارس الفقهية

اختصت المدارس الفقهية بعدة مزايا منحتها ثقة الآخرين وأولوية العمل بها، فالحوادث التي نشأت بعد العصر النبوي أدت إلى ظهور اجتهادات فقهاء الصحابة، ومع مرو الوقت والمعايشة تداخلت تلك الإجتهادات وتلخصت في أقوال، ومذاهب كبار فقهاء الصحابة ثم من بعدهم، وتداخلت الاجتهادات في مراحل تكاملية للنقل والتدوين.

تأسست المذاهب الفقهية من خلال نقل مذاهب الصحابة، ثم ما تلخص منها واشتهر بتأسيس المدارس الفقهية في المدينة، ومكة، والكوفة، والتي تلخص منها ظهور مذاهب فقهية لعدد من فقهاء التابعين وتابعيهم، وتلخص منها صياغة المذاهب الفقهية، وكان الأكثر منها انتشارا واشتهارا هي: المذاهب الأربعة
المذاهب الأربعة


المذهب في اللغة: محل الذهاب، ويطلق على المذاهب العلمية، والمذاهب الفقهية، مصطلح أطلق على المذاهب الأربعة التي انتشرت وعرفت بهذا الاسم، والمذهب الفقهي بمعنى: الإتجاه الفقهي في فهم الأحكام الشرعية، والمنهج أي: الطريقة التي ينهجها المجتهد، وكيفيات الاستدلال، واستنباط الأحكام الفقهية الفرعية من أدلتها، وفق أصول الفقه. وتتفق المذاهب الأربعة، في الأصول الكلية والأدلة الإجمالية، وتختلف في بعض الفروع نتيجة الاختلاف في بعض طرق الإجتهاد الثانوية، من حيث تقديم بعض الأدلة على بعض، وترتيبها، وشروط الأخذ بها، وغير ذلك مما اختاره كل إمام أصولا للمذهبه، وبنى عليها اجتهاده وتميز بها عن غيره.

المذاهب الأربعة هي خلاصة مذاهب الصحابة والتابعين. والأكثر انتشارا في العالم الإسلامي وهي:
المذهب الحنفي وتلخص من مدرسة فقه الكوفة، وأول من صاغه إمام المذهب: أبو حنيفة النعمان.
المذهب المالكي تلخص من مدرسة فقه المدينة، وأول من صاغه إمام المذهب: مالك بن أنس.
المذهب الشافعي أول من صاغه إمام المذهب: محمد بن إدريس الشافعي أخذ عن مالك، وعن أصحاب أبي حنيفة، وعن غيرهم من فقهاء مكة والمدينة وغيرهم، واهتم باللغة وقواعدها، وصاغ علم أصول الفقه.
المذهب الحنبلي أول من صاغه إمام المذهب: أحمد بن حنبل أخذ عن الشافعي وغيره،وتأثر بفقه سفيان الثوري واهتم بالحديث.
المذاهب الأربعة حسب تسلسل تاريخ الظهور
المذهب الحنفي

المذهب الحنفي: نسبة إلى واضع أصول المذهب الإمام أبي حنيفة النعمان، (80 - 150 هـ) ويشتمل المذهب الحنفي على المنهج الذي صاغه أبو حنيفة، بالإضافة إلى تحقيق المجتهدين من رواة المذهب كأبي يوسف ومحمد بن الحسن. نشأ المذهب الحنفي في الكوفة ونما في بغداد، واتسع الدولة العباسية. يعتمد على الأصول النقلية المتفق عليها وعلى القياسوالاستحسان والعرف وقول الصحابي وشرع من قبلنا، وتوسع المذهب في الاعتماد على الأصول العقلية، ووضع ضوابط الأخذ بالحديث. من أهم كتب المذهب الحنفي:
ظاهر الرواية
النوادر للإمام محمد بن الحسن
الكافي للحاكم الشهيد
المبسوط للسرخسي
بدائع الصنائع للكاساني
رد المحتار على الدر المختار
المذهب المالكي

المذهب المالكي نسبة إلى واضع أصول المذهب الإمام مالك بن أنس (93 - 179 هـ) وقد أسسه في المدينة المنورة، ونما في الحجاز، كما انتشر في بلاد المغرب وأفريقيا والأندلس وغيرها. ويعتمد المذهب على الأصول المتفق عليها بين جميع الأئمة وهي الكتاب والسنة والإجماع والقياس، بالإضافة إلى تقديم إجماع الصحابة، والأخذ بعمل أهل المدينة والاستصلاح. ومن المؤلفات في المذهب المالكي: الموطأ للإمام مالك، والمدونة الكبرى، وهي آراء الإمام مالك الفقهية جمعها ودونها سحنون بن سعيد التنوخي.
المذهب الشافعي

المذهب الشافعي نسبة إلى واضع أصول المذهب الإمام محمد بن إدريس الشافعي ( 150 - 204 هجرية)، عاش في مكة ثم انتقل إلى العراق حيث تعلم في بغداد فقه أبي حنيفة، ثم استقر في مصر. وكان مذهبه وسطاً بين مذهب أبي حنيفة المتوسع في الرأي، وبين ومذهب مالك بن أنس المعتمد على الحديث وعمل أهل المدينة. ويعتمد المذهب الشافعي على الأصول التي وضعها الإمام الشافعي ودونها في كتابه الشهير بالرسالة، ويعد أول من دون كتاباً متكاملاً في علم أصول الفقه. من أشهر علماء الشافعية في حياة الشافعي تلامذته: الربيع بن سليمان الجيزي والربيع بن سليمان المرادي، والبوطي. ومن أشهر المحققين في المذهب النووي والرافعي. ومن أشهر كتب المذهب الشافعي كتب الشافعي الأم والرسالة والمختصر والوجيز، وفتح العزيز في شرح الوجيز للرافعي، وروضة الطالبين والمجموع للنووي، والمهذب والتنبيه للشيرازي، وتحفة المحتاج لابن حجر الهيتمي.
المذهب الحنبلي

المذهب الحنبلي نسبة إلى واضع أصول المذهب الإمام أحمد بن حنبل (164 - 241 هـ)، وهو آخر المذاهب الأربعة من الناحية الزمنية. وكان ابن حنبل يرى أن يقوم الفقه على النص من الكتاب أو الحديث، واهتم بالحديث. لذلك عد في نظر كثير من العلماء من رجال الحديث لا من الفقهاء. ومن أشهر كتبه المسند الذي يعتبر موسوعة لأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، والذي يحوي أربعين ألف حديث. ومن أهم كتب المذهب الحنبلي: مختصر الخرقي، الذي شرحه ابن قدامه في كتابه المغني وكتاب كشاف القناع للبهوتي، والفروع لابن مفلح، والروض المربع للحجاوي.
موضوع الدراسات الفقهية

موضوع الدراسات الفقهية هو: الفقه في الدين بوجه عام وموضوع معرفة أحكام الدين هو الذي سعى الفقهاء للحصول عليه، وقبل تأسيس المدارس الفقهية كانت هذه الأحكام تشمل كل أنواع الأحكام، ومع تكامل بناء المدارس الفقهية وتطور الدراسات؛ أصبحت الأحكام المتعلقة بالعقائد والإيمان مستقلة بموضوعها عن الفقه، ودخلت تحت مسمى: علم التوحيد أو علم أصول الدين أو علم العقيدة، باعتبار أن العلم بأصول الدين حتمي لا مجال فيه للإجتهاد، وكان موضوع دراسة الفقه مختصا بالأحكام الشرعية العملية المكتسبة من الأدلة، والأحكام الشرعية نسبة للشرع وهو ما شرعه الله على لسان نبيه من الأحكام، وما كان منها متعلقا بالعقيدة؛ ليس موضوع دراسة الفقه، كما أن الأحكام الضرورية مما هو معلوم من الدين بالضرورة، مثل: فرض الصلوات الخمس، أو تحريم القتل، وغيره، مما ثبت بدليل قطعي لا يحتمل التأويل: لا تدخل في موضوع الفقه من حيث أنه لا مجال للإجتهاد في حكم معلوم بالضرورة، فإذا كانت الصلوات الخمس مفروضة باتفاق جميع المسلمين؛ فلا حاجة للإجتهاد من أجل الحصول على العلم بأنها مفروضة.
فموضوع الفقه هو: أفعال المكلفين، من العباداتوالمعاملات، والدراسة الفقهية هي: النظر والاستدلال واستنتاج الأحكام من الأدلة.
منهج الاستدلال الفقهي

منهج الاستدلال في الدراسات الفقهية، هي الطرق التي يستخدمها المجتهد في استنباط الأحكام الشرعية، وكونها شرعية فهي تعتمد على النصوص الشرعية (الكتاب والسنة)، ثم الإجماع؛ لانه لا يكون الاحتجاج به إلا مستندا على نص شرعي، أو قياس نص. والاستدلال الفقهي يقوم على أساس استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها النقلية، وفق منهج أصول الفقه.
خصائص المذاهب الأربعة
أنها تستمد من نصوص القرآن والسنة النبوية ومعاقد الإجماع، وتعتمد في الاستدلال على منهج أصول الفقه.
أنها خلاصة مذاهب الصحابة والتابعين، وتتضمن المذاهب الأخرى مع ما قد يوجد من اختلاف.
أنها استكملت دراساتها العلمية، ووضعت أسسها ومناهجها العلمية، واستخلصت محتوياتها بالتدوين.
أنها نقلت عن أئمة المذاهب الأربعة بواسطة الرواة والأصحاب والطرق، وحصلت على الاهتمام والتنقيح والتحرير والبحث والتحقيق، وتلخص ذلك في أعداد كثيرة من المدونات والمتون والشروح والمؤلفات.
أنها حظيت بالقبول الواسع لدى العلماء.
أنها الأكثر انتشاراً واشتهارا في العالم الإسلامي.
أدلة الفقه

لمزيد من المعلومات، انظر أدلة الفقه

استمد أصحاب المدارس الفقهية في النقل من نصوص القرآن والسنة النبوية ومعاقد الإجماع، باعتبارها أصولا أساسية، واستبطوا الأحكام من النصوص الشرعية، وفق أدلة هي في نفس الوقت أصول شرعية؛ لأن النصوص الشرعية دلت على أن يؤخذ بها، لاستنتاج الأحكام الشرعية التي لم يرد نص صريح بخصوصها، والنصوص أدلة يرجع إليها المجتهد في استنباط الأحكام.
الاجتهاد

الاجتهاد في اللغة: "بذل الجهد في فعل شاق" فيقال: اجتهد في حمل الرحى، لا في حمل خردلة، وفي أصول الفقه هو: "بذل الجهد في إدراك الأحكام الشرعية"، أو هو: "بذل الجهد في تعرف الحكم الشرعي" ويقابله: التقليد. والاجتهاد إما تام أو ناقص:
اجتهاد تام هو: "استفراغ القوة النظرية حتى يحس الناظر من نفسه العجز عن مزيد طلب".
اجتهاد ناقص هو: "النظر المطلق في تعرف الحكم".

الاجتهاد بمعنى: بذل مجهود علمي، ممن تتوفر فيه شروط الاجتهاد، للبحث والنظر والاستدلال، واستنباط الأحكام الشرعية من أدلتها، ممن له معرفة واسعة بمقاصد الشريعة، وفهم مداركها، والقدرة على استنباط الأحكام الشرعية.
المجتهد

المجتهد هو الذي يقوم بعملية النظر والاستدلال. ويطلق على الفقيه وهو عند علماء الأصول: درجة علمية وفق شروط مخصوصة. ولفظ فقيه يطلق على العالم بالفقه، ويطلق في علم الأصول على المجتهد، ولا يطلق على غيره إلا مجازا.  ويستعمل لفظ (فقيه) بمعنى: الإمام المجتهد أي: إمام المذهب، ويطلق لفظ (مجتهد) في مصطلح علماء الأصول على من بلغ درجة الاجتهاد، وهو إما اجتهاد مطلق، كاجتهاد الأئمة الأربعة، وإما اجتهاد مقيد، كاجتهاد أصحاب الأئمة الأربعة، الذين نقلوا محتوى المذهب وبحثوا وحققوا فيه. ويسمى مؤسس المذهب: إماما، وناقل مذهبه المحقق فيه يسمى: صاحبا، والباحث المحقق لما نقله الصاحب يسمى: طريقا. وهذا بالنسبة لمؤسسي المذاهب، أما غيرهم ممن بلغ درجة الفتوى والقضاء أو الباحث؛ فيطلق عليه لقب المجتهد (تجوزا)؛ لأنه لا يخرج من دائرة النقل والتقليد.
شروط المجتهد

شروط المجتهد هي التي لا بد من توفرها في المجتهد، فاستنباط الأحكام الشرعية يحتاج إلى وجود صفات المستدل تتمثل في أهلية النظر والاستدلال، والكفائة والقدرة على بذل مجهود علمي، فالنجار مثلا: لا يؤتى إليه ليعالج مريضا، كما أن الطبيب المتخصص ليس هو الذي يعطي الدواء، بل هو الذي يستطيع تشخيص المرض، وتحديد المشكلة؛ ليتمكن من وضع الحلول المناسبة، وهكذا المجتهد فلا يكفي أن يحفظ عدد من المسائل، بل المقصود أن يكون قادرا على تشخيص المعضلات، والمشكلات والنوادر ومعالجتها، وهذا يستلزم توفر الشروط التي ذكرها علماء أصول الفقه.
مصطلحات

انظر أيضًا: مصطلحات فقهية

استعمل أصحاب المدارس الفقهية مصطلحات خاصة لتمييز الدرجات العلمية، والمراحل والمستويات التعليمية، ومنها:
المبتدئ لمن هو في أول مراحل التعليم عموما، أو في مجال التخصص.
المتعلم أو طالب العلم لمن يشتعل بالتعليم.
المعلم لمن يقوم بالتعليم.
الشيخ للعالم، كما أنه أيضا لقب للمسن.
المنتهي لمن انتهى من مرحلة ووصل إلى درجة علمية.
المقلد وهو: الذي يأخذ بقول المجتهد، من غير أن يمارس النظر والاستدلال.
مجتهد لمن بلغ درجة الاجتهاد وفق شروط مخصوصة.
فقيه لمن بلغ رتبة الاجتهاد، ويطلق على إمام المذهب مثل: الأئمة الأربعة، ولا يطلق الفقيه عند علماء الأصول على غير المجتهد إلا على سبيل المجاز.[26] أما في الاستعمالات العامة؛ فيطلق الفقيه على العالم بالفقه، والمشتغل به، وهو موافق لما عليه علماء العلوم الشرعية باعتبار: أنهم يقصدون بلفظ (فقيه) التمييز عن لقب: (محدث)، وهو الذي يهتم بالحديث.
صور


مبنى المدرسة المستنصرية التاريخي في بغداد



مدرسة نجم الدين عيسى بمدينة ماردينجنوب شرق الأناضول



مدرسة أولوغ باك، بسمرقند، ca. 1912
وصلات خارجية
مختصر شرح الروضة
شرح الكوكب المنير
انظر أيضًا
فقهاء التابعين
المدرسة النظامية
مدارس عربية تاريخية
ملاحظات

^ الصحابي كما عرفه علماء أصول الحديث هو: "من رأى النبي صلى الله عليه وسلم أو رآه النبي، في اليقظة حال حياة النبي بعد البعثه.."
^ عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله قال: لو وضع علم عمر في كفة ووضع علم الناس في كفة لرجح علم عمر. قال الأعمش: فأتيت إبراهيم أبشره فقال: ألا أخبرك بأفضل من هذا عن عبد الله: قال عبد الله: لقد مات عمر فذهب بتسعة أعشار العلم. وقال معاذ بن جبل: إن أعلم الناس بفريضة وأقسمهم لها عمر بن الخطاب، وقال سعيد بن المسيب: ما أعلم أحدا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم من عمر. وقال الشعبي: من سره أن يأخذ بالوثيقة في القضايا فليأخذ بقضاء عمر فإنه يستشير. وروي أن عبد الله بن الحسن ابن الحسن مسح على خفيه فقيل له: تمسح؟ قال: نعم، مسح عمر بن الخطاب، ومن جعل عمر بن الخطاب بينه وبين الله فقد استوثق. مات سنة ثلاث وعشرين، قال ابن عمر: وهو ابن خمس وخمسين وروي عن معاوية رضي الله عنه أنه قال يوما: مات عمر وهو ابن ثلاث وستين.
^ روى الحسن قال: جمع عمر رضي الله عنه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ليستشيرهم وفيهم علي فقال: قل فأنت أعلمهم وأفضلهم. وروى سعيد بن المسيب قال: كان عمر يتعوذ بالله من معضلة ليس فيها أبو حسن. وقال عبد الله: إن أعلم أهل المدينة بالفرائض ابن أبي طالب؛ وقال ابن عباس: أعطي علي تسعة أعشار العلم وأنه لأعلمهم بالعشر الباقي.
^ تمام الحديث: "فوالذي نفسي بيده أن لها للسانا وشفتين تقدس الملك عند ساق العرش".
^ وروى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أرحم أمتي أبو بكر، وأشدها في دين الله عمر، وأصدقها حياء عثمان، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأقرأهم أبي، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وإن لكل أمة أمينا وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه.
^ قال أبو الطفيل:
وبقيت سهما في الكنانة واحدا
سيرمى به أو يكسر السهم كاسره
وهو القائل:
أيدعونني شيخا وقد عشت حقبة
وهن من الأزواج نحوي نوازع

وما شاب رأسي من سنين تتابعت
علي ولكن شيبتني الوقائع
.

السبت، 9 يونيو 2018

حكم الغناء بتفصيل والله أعلي وأعلم




بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
سؤال يتردد علي ألسنة كثيرين في مجالات مختلفة وأحيانًا شتي.
سؤال اختلف جمهور المسلمين اليوم في الإجابة عليه، واختلف سلوكهم تبعًا لاختلاف أجوبتهم، فمنهم من يفتح أذنيه لكل نوع من أنواع الغناء، ولكل لون من ألوان الموسيقي مدعيًا أن ذلك حلال طيب من طيبات الحياة التي أباح الله لعباده.
ومنهم من يغلق الراديو أو يغلق أذنيه عند سماع أية أغنية قائلا: إن الغناء مزمار الشيطان، ولهو الحديث ويصد عن ذكر الله وعن الصلاة وبخاصة إذا كان المغني امرأة، فالمرأة -عندهم- صوتها عورة بغير الغناء، فكيف بالغناء؟ ويستدلون لذلك بآيات وأحاديث وأقوال.
ومن هؤلاء من يرفض أي نوع من أنواع الموسيقي، حتي المصاحبة لمقدمات نشرات الأخبار.
ووقف فريق ثالث مترددًا بين الفريقين؛ ينحاز إلي هؤلاء تارة، وإلي أولئك طورًا، ينتظر القول الفصل والجواب الشافي من علماء الإسلام في هذا الموضوع الخطير، الذي يتعلق بعواطف الناس وحياتهم اليومية، وخصوصًا بعد أن دخلت الإذاعة – المسموعة والمرئية- علي الناس بيوتهم، بجدها وهزلها، وجذبت إليها أسماعهم بأغانيها وموسيقاها طوعًا وكرهًا.
والغناء بآلة -أي مع الموسيقي- وبغير آلة: مسألة ثار فيها الجدل والكلام بين علماء الإسلام منذ العصور الأولي، فاتفقوا في مواضع واختلفوا في أخري.
اتفقوا علي تحريم كل غناء يشتمل علي فحش أو فسق أو تحريض علي معصية، إذ الغناء ليس إلا كلامًا، فحسنه حسن، وقبيحه قبيح، وكل قول يشتمل علي حرام فهو حرام، فما بالك إذا اجتمع له الوزن والنغم والتأثير ؟
واتفقوا علي إباحة ما خلا من ذلك من الغناء الفطري الخالي من الآلات والإثارة، وذلك في مواطن السرور المشروعة، كالعرس وقدوم الغائب، وأيام الأعياد، ونحوها بشرط ألا يكون المغني امرأة في حضرة أجانب منها.
وقد وردت في ذلك نصوص صريحة – سنذكرها فيما بعد.
واختلفوا فيما عدا ذلك اختلافًا بينا: فمنهم من أجاز كل غناء بآلة وبغير آلة، بل اعتبره مستحبًا، ومنهم من منعه بآلة وأجازه بغير آلة، ومنهم من منعه منعًا باتًا بآلة وبغير آلة وعده حرامًا، بل ربما ارتقي به إلي درجة الكبيرة.
ولأهمية الموضوع نري لزامًا علينا أن نفصل فيه بعض التفصيل، ونلقي عليه أضواء كاشفة لجوانبه المختلفة، حتي يتبين المسلم الحلال فيه من الحرام، متبعًا للدليل الناصع، لا مقلدًا قول قائل، وبذلك يكون علي بينة من أمره، وبصيرة من دينه.
فمن موقع الألوكة والتعقيب للمدون
أقوال العلماء في حكم الموسيقى والغناء
الشيخ عادل الشوربجي
إنَّ الحمد لله نَحْمده ونَسْتعينه ونستغفِرُه، ونعوذ بالله من شُرور أنفسنا ومن سيِّئات أعمالنا، إنَّه مَن يهده الله فلا مضِلَّ له، ومن يُضْلِل فلا هادي له، وأشهد أنْ لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له.
أمَّا بعد:
فكُلَّما بَعُد بنا الزَّمان عن عهد النُّبوة، ازدادَتْ غربة الدِّين، وازدادَ بُعد النَّاس عن الإسلامِ؛ وذلك نشَأ مِن قلَّة الاهتمام بِتَحصيل العلم، وقِلَّة مَن يتَكلَّم بالحقِّ في هذا الوقت؛ لأسبابٍ يَعْلمها الله، وقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لَتُنقَضنَّ عُرى الإسلام عروةً عروة، فكُلَّما نُقِضَت عروةٌ، تشبَّث الناس بالتي تَلِيها، فأوَّلُها نقضًا الحُكْم، وآخِرُها الصَّلاة))؛ رواه الإمام أحمد بسنَدٍ حسَن.
فمِن هذه العُرَى الَّتي نُقضت في هذه الآوِنَة: قضيَّة "التحليل والتَّحريم"؛ فمِن المُسَلَّم به عند عُلماء الأمة أنَّ "التحليل والتحريم" من حقِّ الله وحده؛ فهو يُحلِّل ويحرم ما شاء - سبحانه - لحِكْمةٍ يَعْلمها، ظهرَتْ للبعض وخَفِيَت عن الكثير، فليس لأحدٍ أن يحلِّل ويحرم إلاَّ بدليلٍ من الكتاب والسُّنة، فمَن حلَّل وحرَّم من تلقاء نفسه وهواه، فقد تعدَّى على خصائص الأُلوهيَّة؛ ﴿ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [البقرة: 229].فهذه كلماتٌ مُختصَرة في تحريم الغِناء في الإسلام، ومَن تأمَّل في الآيات القرآنيَّة الدالَّة على تحريم الغناء، يَجِد أنَّها مَكِّية، وتحريم الخمر كان بالمدينة؛ أي: إنَّ الغناء حُرِّم قبل الخمر، والعِلَّة في ذلك - والله أعلم - أنَّ القلب إذا تعلَّق بالغناء، صُدَّ عن سماع وحْي ربِّ الأرض والسماء، فطَهَّر الله قلوبَ الصَّحابة أولاً قبل أن يُشرِّع لهم باقِيَ الأحكام، وقال عثمان بن عفَّان: "لو طَهُرَتْ قلوبُنا، ما شَبِعَت من كلام ربِّنا"، فعلى كلِّ مَن يقرأ هذه الرِّسالة أن يَنْظر إلى الأدلَّة بعين الإنصاف، ودون تحيُّزٍ لِعالِم؛ فكلُّ إنسان يُؤخَذ من قوله ويُرَدُّ عليه إلاَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فإنْ فعَلَ ذلك فسوف يَصِل إلى ما أجْمَع عليه الأئمَّة الأربعة في تحريم الغِناء، ومَن أراد التوَسُّع في الأمر، فلْيَرجع إلى مَراجِع الرِّسالة.
والله ولِيُّ التوفيق.
بسم الله الرحمن الرحيم
أولاً - تعريف الغناء: هو نوع من أنواع الشِّعر.
ثانيًا - تعريف الشِّعر: هو كلامٌ موزون مُقفًّى.
حُكْم الشِّعْر:
ورَدَ في الشِّعر أحاديثُ ووقائع تدلُّ على إباحته؛ منها ما يدلُّ على إباحتِه بشرطِ حُسْن موضوعه.
روى الطَّبَراني في "الأوسط"، عن عبدالله بن عمر، عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((الشِّعر كالكَلام؛ فحسَنُه حسَن، وقَبِيحه قبيح)).
ومنها ما يدلُّ على ذَمِّه بشرط قُبْح موضوعه؛ روى الشَّيخان عن أبي هُرَيرة، عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((لأَنْ يَمتلئ جوفُ أحدِكم قَيْحًا وصديدًا حتَّى يَرِيَه، خيرٌ له من أن يَمْتلئ شِعرًا))، ((يريه)) هو مرَضٌ يُصيب جوفَ الإنسان.
ورَوى الإمام أحمدُ عن شدَّاد بن أوسٍ أن النبِيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((مَن قرَض بيت شِعر بعد صلاة العِشاء الآخرة، لَم تُقبَل له صلاة تلك اللَّيلة)).
ولكن نُوفِّق بين الأحاديث:
قسَّم العلماء الشِّعر إلى قسمَيْن:
أ - مُباح.
ب - مُحرَّم.

أولاً - المباح:
وهو ما خَلا موضوعُه عن فُحْش وبذاءة وخَنا، ولَم يُحرِّك الشَّهوات الكامنة، ولَم يكن من رَجُلٍ في حقِّ امرأة، ولا من امرأةٍ في حقِّ رجل، ولا من أمرَد في حقِّ الصِّنفين.
وهذا النَّوع من الشعر المباح على خمسة أنواع:
1 - أشعار في وصف الكون الَّذي خلَقَه الله؛ مثل:
1. أشعار في وصف الكون الَّذي خلَقَه الله؛ مثل
الأَرْضُ فِيهَا عِبْرَةٌ لِلمُعْتَبِرْ
تُخْبِرُ عَنْ صُنْعِ مَلِيكٍ مُقْتَدِرْ
تُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ أَشْجَارُهَا
وَنَبْعَةٌ وَاحِدَةٌ قَرَارُهَا
وَالشَّمْسُ وَالْهَوَاءُ لَيْسَ يَخْتَلِفْ
وَأُكْلُهَا مُخْتَلِفٌ لاَ يَأْتَلِفْ
لَوْ أَنَّ ذَا مِنْ عَمَلِ الطَّبَائِعِ
أَوْ أَنَّهُ صَنْعَةُ غَيْرِ صَانِعِ
لَمْ يَخْتَلِفْ وَكَانَ شَيْئًا وَاحِدَا
هَلْ تُشْبِهُ الأَوْلاَدُ إِلاَّ الوَالِدَا
وَالشَّمْسُ وَالْهَوَاءُ يَا مُعَانِدُ
وَالْمَاءُ وَالتُّرَابُ شَيْءٌ وَاحِدُ
فَمَا الَّذِي أَوْجَبَ ذَا التَّفَاضُلاَ
إِلاَّ حَكِيمٌ لَمْ يُرِدْهُ بَاطِلاَ
أشعار الزُّهد والفَضائل والآداب المُزهِّدة في الدُّنيا، والمرغِّبة في الآخرة، مثل:
إِذَا مَا خَلَوْتَ الدَّهْرَ يَوْمًا فَلاَ تَقُلْ
خَلَوْتُ وَلَكِنْ قُلْ عَلَيَّ رَقِيبُ
وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللهَ يَغْفُلُ سَاعَةً
وَلاَ أَنَّ مَا تُخْفِيهِ عَنْهُ يَغِيبُ
ومثل قول الشاعر:
قَدِّمْ لِنَفْسِكَ خَيْرًا
وَأَنْتَ مَالِكُ مَالِكْ
مِنْ قَبْلِ أَنْ تَتَفَانَى
وَلَوْنُ حَالِكَ حَالِكْ
لَمْ تَدْرِ أَنَّكَ حَقًّا
أَيَّ الْمَسَالِكِ سَالِكْ
إِمَّا لِجَنَّةِ عَدْنٍ
أَوْ فِي الْمَهَالِكِ هَالِكْ
4.أشعار العرس - مثل قول النبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم
أَتَيْنَاكُمْ أَتَيْنَاكُمْ
فَحَيُّونَا نُحَيِّيكُمْ
وَلَوْلاَ الْحِنْطَةُ السَّمْرَاءُ مَا سَمِنَتْ عَذَارِيكُمْ
وَلَوْلاَ الذَّهَبُ الأَحْمَرُ مَا حَلَّتْ بوَادِيكُمْ
5.أشعار الجهاد؛ مثل ما رواه الترمذيُّ عن أنَسٍ، لما دخل النبِيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - مكَّة في عمرة القضاء سنة 7هـ، قال ابنُ رواحة:
خَلُّوا بَنِي الكُفَّارِ عَنْ سَبِيلِهِ
اليَوْمَ نَضْرِبْكُمْ عَلَى تَنْزِيلِهِ
ضَرْبًا يُزِيلُ الْهَامَ عَنْ مَقِيلِهِ
وَيُذْهِلُ الْخَلِيلَ عَنْ خَلِيلِهِ
فقال عُمر: يا بْنَ رواحة، في حرَمِ الله، وبين يدَيْ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - تقول الشِّعْر
فقال النبِيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم {دَعْه يا بن الخَطَّاب؛ والله إنَّ هذا أسرَعُ فيهم من نَضْح النَّبْل}


ثانيًا - الشِّعر المُحرَّم:
وهو ما كان في موضوعه بذاءةٌ وفُحْش وقُبْح وخنا، ودعوةٌ إلى الفجور والأمور المَرْذولة، وله خمسة أنواع:
1 - أشعار النِّياحة على الأموات: وهي التي تُقال عند موت الإنسان؛ لإثارة الأحزان وجَلْب البكاء.

2- أشعار الهجاء؛ ما لَم تَكُن لحقٍّ أو لمصلحة، فإن كانت لحقٍّ أو لمصلحة، فهي جائزةٌ؛ مثل ما رَوى الشَّيخان أن النبِيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال لحسَّان يوم قريظة: ((اهْجُهم، وجبريلُ معك)).
3 - أشعار المَدْح والفخر، ما لم تَكُن بحقٍّ أو لِمَصلحة شرعيَّة؛ مثل مَدْح الإسلام وأهلِه؛ فهي جائزة.



4- الأشعار الشِّركيَّة، وهي التي يُشبَّه فيها المخلوقُ بالخالق، مثل ما قاله بعض مَلْعوني الصُّوفية:
فَمَا الكَلْبُ وَالْخِنْزِيرُ إِلاَّ إِلَهُنَا وَمَا اللهُ إِلاَّ رَاهِبٌ فِي كَنِيسَةِ
وقول ملعونٍ آخَر يَمْدح المعزَّ لدين الله، وهو باطنِيٌّ مَلْعون - أي: المُعز مَا شِئْتَ لاَ مَا شَاءَتِ الأَقْدَارُ
فَاحْكُمْ فَأَنْتَ الوَاحِدُ القَهَّارُ
5 - أشعار الغناء: وهي الخَاصَّة بِمَوضوع البحث، وكلُّ ما ورد من نهيٍ أو ذم، فهو من هذا النَّوع من الشِّعر.
الأدلة على التحريم:
أوَّلاً: من القرآن الكريم:
أ - قال تعالى مخاطبًا إبليس: ﴿ وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا ﴾ [الإسراء: 64].
قلت المدون ما بال الناس يتهافتون علي عبادة البشر ، في التشريع والله تعالي لم يأمرنا أن نعبده إلا بما أنزل من كتاب وسنة صحيحة محكمة وبغض النظر عن حل أو حرمة الغناء فلا يحل لمسلم أن يحرم ما أحل الله تعالي ورسوله أو يُحل ما حرم الله تعالي ورسوله قال الله تعالي {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }

فعلمنا أن التحريم يلزمه بالضرورة نصاً محكماً قاطعاً بالتحريم وتأكد أن كل من يُفسر آية بدليل غير محكمٍ كالذي يُشَرِّع مع الله بهواه ولم أرَ.. تفسيرات من محض الهوي مثلما رأيته هنا في هذا موضوع الغناء بغض النظر عن حرمة الغناء أو حلَّه فأول شيئ يتصدر عملية تحريم الغناء أو حله هو آراء الرجال مثل قال فلان وقال علان .. وهذه في ذاتها مصيبة كبيرة عمت بها البلوي في ضياع دين الله منذ تحول المسلمون في عفلة من أنفسهم إلي نَصْبِ أوثان التشريع في نفوسهم بأقوال البشر مهما كان الأمر والله تعالي لا يعبأ بترهات العباد ولا يتغير عنده وجه الحق لقول فلان وقول علان من دون رسول الله صلي الله عليه وسلم لأن الله تعالي أعطاه حق التشريع المتابع بالوحي ** إن الخطأ الفادح الذي طمس وجه الحق ونبع النور المنبعث من كتاب الله تعالي هو تعلية وثن التقليد البشري للبشر والإعراض عن وجه لحق الأبلج من كتاب الله وسنة رسول ولا شيئ بعد ذلك... إن تصديرات الناس موضوعاتهم الفقهية بأقوال البشر دون رسول الله صلي الله عليه وسلم هي بذرة التحول عن أساس الحق وضياع الدين ستتابع التعقيب يمشية الله تعالي بداية المتابعة للحديث السابق قلت المدون ومما علمناه من معاجم اللغة وروايات الحديث الصحيحة أن
1.قد أجاز النبي محمدا صلي الله عليه وسلم الغناء في مناسبة الأعياد كما عقب علي موقف عمر بن الخطاب بمحتوي ليس فيه خروج علي حدود الأخلاق القرانية والإسلامية وأذيِّل التعقيب في آخر المقال بهوامشه فأنظر نصف الصحة الأخير
﴿ بِصَوْتِكَ ﴾: قال مُجاهدٌ والضَّحَّاك: هو الغناء والمَزامير واللَّهْو.
فتبَيَّن من الآية أنَّ مِن وسائل الشيطان لإضلال آدمَ الغناء والمزامير، وهذا دليلٌ على تَحْريمه.
ب - وقال تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾ [لقمان: 6].
روى الترمذيُّ بِسنَدٍ فيه ضعفٌ عن أبي أُمامة عن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((لا تَبِيعوا القَيْنات، ولا تشتروهنَّ، ولا تُعلِّموهن، ولا خير في تجارةٍ فيهنَّ، وثَمنهُنَّ حرام))، وفي مثل هذا أُنزِلَت هذه الآية: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾ [لقمان: 6].
﴿ لَهْو الحديث ﴾: قال ابن عبَّاس وابنُ مسعودٍ وجابِرُ بن عبدالله ومجاهد: هو الغِناء.
وروى سعيدُ بن جبيرٍ عن أبي الصَّهباء الكَبير، قال: سُئِل ابن مسعودٍ عن قوله تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ... ﴾ [لقمان: 6] الآية، فقال: الغناء، والله الَّذي لا إله إلاَّ هو إنَّه الغناء، ورُوي ذلك عن ابن عمر وعِكْرمة.
جـ - قال تعالى: ﴿ أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ * وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ ﴾ [النجم: 59 - 61].
قال ابن عبَّاس: سامدون؛ أي: مُغنُّون.
ويُقال في اللُّغة: اسْمُد لنا؛ أيْ: غَنِّ لنا، ويُقال للقَيْنة (المُغنِّية): أَسْمِدينا؛ أي: ألْهِينا بالغناء.
وجْهُ الاستدلال: أنَّ الله تعالى عاب على الكُفَّار الغناءَ عند سَماعهم للقرآن.
ثانيًا: السُّنة وما فيها من أدلَّة على تحريم الغناء:
قال ابنُ القَيِّم: الأحاديثُ الواردة في ذَمِّ الغناء وتحريمه متواترةٌ، وعدَدُ رُواتها ثلاثةَ عشر صحابيًّا، وهم: أبو مالكٍ الأشعري، وسهل بن سعد، وعمران بن حُصَين، وعبدالله بن عمرو، وعبدالله بن عباس، وأبو هريرة، وأبو أُمَامة الباهلي، وعائشة، وعلي بن أبي طالب، وأنس بن مالك، وعبدالرحمن بن سابط، والغازي بن ربيعة، وعبدالله بن عمر، وإليك بعض الأحاديث.
روى البخاريُّ، فقال - أي: البخاري -: وقال هشام بن عمار: حدَّثَنا صدَقةُ بن خالد، حدَّثنا عبدالرحمن بن زيدِ بن جابر، حدَّثنا عطيَّةُ بن قيس الكِلابِيُّ، حدثنا عبدالرحمن بن غَنْمٍ الأشعريُّ، قال: حدَّثنا أبو عامر، أو أبو مالكٍ الأشعري، والله ما كذَبَنِي، أنَّه سمع النبِيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((لَيَكونَنَّ من أُمَّتي أقوامٌ يستحِلُّون الحِرَ والحَرير، والخمرَ والمعازِف، وليَنْزِلَنَّ أقوامٌ إلى جنبِ علَمٍ يَروح عليهم بسارحةٍ لهم، يأتيهم - يعني: الفَقير - لحاجةٍ، فيقولونَ: ارجع إلينا غدًا، فيُبيِّتُهم الله، ويضَعُ العَلَم، ويَمْسخ آخرين قِرَدةً وخَنازير إلى يوم القيامة)).
مفردات الحديث:
يَستحِلُّون: قال ابنُ العربي: يَحْتمل أن يكون المعنى أنَّهم يَعْتقدون أنَّها - أيْ: هذه الأصناف الأربعة - حلال، ويَحْتمل أن يكون مَجازًا على الاستِرْسال؛ أي: يَسْترسلون في فِعْلها كالاسترسال في الحلال.
الحِر: هي الفُروج، والمعنى أنَّهم يَزْنون.
المَعازف: قال ابن حجَر: هي آلاتُ المَلاهي.
• قال الذهبِيُّ: هي اسمٌ لكلِّ ما يُعزَف به.
• قال ابنُ القيِّم: هي آلاتُ اللَّهو كلها، بلا خلاف.
• قال القرطبِيُّ نقلاً عن الجوهري: إنَّها الغناء.
وجه الدّلالة على التَّحريم:
لو كانَتْ آلات الملاهي والغناء حلالاً، لمَا ذمَّ النبِيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فاعِلَها، وما قرَنَ استِحْلالَها باستحلال الخَمْر والزِّنا.
ورَوى حديثَ أبي مالكٍ الأشعري الإمامُ ابن ماجَهْ في "سننه"، وساق السَّنَد إلى أبي مالكٍ الأشعري، قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ليَشْرَبنَّ قومٌ - ناس - من أمَّتي الخمرَ يُسمُّونها بغير اسمِها، يُعزف على رؤوسِهم بالمعازف والمُغنِّيات، يَخْسف الله بهم الأرضَ، ويَجْعل منهم قِرَدةً وخَنازير)).
وهذا إسنادٌ صحيح، وقد توَعَّد النبِيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - مَن يَعْزفون بالمعزف بأن يخسف الله بِهم الأرض، ويَمْسخهم قردةً وخنازير.
حديث ثانٍ: روى الترمذيُّ بِسنَده عن عِمْران بن حُصَين قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يَكُون في أمَّتِي قذْفٌ وخَسْف ومَسْخ))، فقال رجلُّ من المسلمين: متَى ذاك يا رسول الله؟ قال: ((إذا ظهَرَت القينات والمعازف، وشُرِبَت الخُمور)).
وجه الدلالة: أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - علَّق عقوبة الله - عزَّ وجلَّ - على ظُهور القيان والمعازف وشُرْب الخمور، ومعلومٌ أنَّ العقوبة لا تُعَلَّق إلا بظهور المعاصي والمُنكَرات والحرام.
حديث ثالث: روى الإمامُ أحمد وأبو داود بإسنادٍ حسَن عن نافعٍ مولى ابن عمر، قال: كنتُ أسير مع ابن عمر، فسمع صوتَ راعٍ يَزْمُر بِزمَّارة، وكنتُ صغيرًا، فوضَع ابنُ عمر إصبعَيْه في أُذنَيْه، وقال: يا نافِعُ أتسمع؟ فقلتُ: لا، فأخرجَ إصبعَيْه من أذنَيْه، وقال: كنتُ مع النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فسمع صوتَ راعٍ (مزمار الراعي)، ففعل مثلَما فعلتُ.
وجه الدلالة: لو لم يكن هذا صوتًا يَحْرم سَماعُه، ما وضَعَ النبِيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - إصبعَيْه في أذنيه.
حديثٌ رابع: روى ابن أبي الدُّنيا عن أبي أُمَامة الباهليِّ عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((إنَّ إبليس لما أُنزِلَ إلى الأرض، قال: يا رب، أنزلتَنِي إلى الأرض، وجعلتَني رجيمًا، فاجعل لي بيتًا، قال: الحمَّام، قال: فاجعَلْ لي مجلسًا، قال: الأسواق ومَجامع الطُّرقات، قال: فاجعل لي طعامًا، قال: كلُّ ما لم يُذكَر اسم الله عليه، قال فاجعل لي شَرابًا، قال: الشعر، قال: فاجعل لي كتابًا، قال: الوشم، قال: فاجعل لي حديثًا، قال: الكَذِب، قال: فاجعل لي رُسلاً، قال: الكهَنة، قال: فاجعل لي مصايد، قال: النِّساء.
قال ابن القيِّم: كلُّ جملةٍ مِن هذا الأثَر لها شَواهِدُ مِن القرآن والسُّنة.
وجه الدلالة: أنَّ المزمار والشِّعر من أساليب الشَّيطان لدعوة بني آدم إلى المعصية، فعلم أنه محرَّم.
أقوال الأئمَّة في تحريم الغناء:
اتَّفق الأئمَّة الأربعة وسلَفُ الأمَّة على تحريم الغناء، وأنَّه لا يتَعاطاه إلاَّ فاسق من السُّفهاء.
أولاً: الإمام أبو حَنيفة 80 - 150هـ:
قرَّر الأحنافُ في كُتبهم أنَّ سماع الغناء فِسْق، والتلَذُّذ به كُفْر، وقال الإمام أبو يوسف، وهو أكبَرُ تلاميذ أبي حنيفة، وكان قاضِيَ القُضاة في زمَن هارون الرَّشيد، قال: إذا سمعتُ الغناء من بيتٍ، فإنِّي أدخل عليهم بغير استِئْذان؛ لأنَّ تَغْيير المنكَر واجب، وهذا مُنكَر.
وورَدَ في كتاب التترخانيَّة - وهو من كتب الأحناف - أنَّ الغناء مُحرَّم في جميع الأوطان.
ثانيًا: الإمام مالك 93 - 179هـ:
سُئِل الإمام مالِكٌ عن الغناء، وما ترَخَّص فيه من أهل المدينة، فقال: إنَّما يفعله الفُسَّاق عندنا.
وسأله رجلٌ مرَّة عن الغناء، فقال للسَّائل: أرأيتَ إذا كان يوم القيامة، أيكون مع الباطل أو مع الحقِّ؟ فقال الرَّجل: يكون مع الباطل، فقال الإمام مالك: والباطل أين؟ أفي الجنَّة أم في النَّار؟ قال الرجل: في النار، فقال الإمام: اذهب، فقد أفتيتَ نَفْسَك.
وقال الإمام مالِكٌ: إذا وقفتَ على بيت غريمٍ لك - مَدِين لك - تنظره لِتَأخذ منه دينَك، وسَمِعت غناءً، فلا يحلُّ لك أن تقف؛ لأنَّ هذا منكَر لا يجوز لك أن تسمعه.
ثالثًا: الإمام الشافعي: 150 - 204هـ:
لَمَّا خرج الشافعيُّ من بغداد إلى مصر، قال: خرجتُ من بغداد، وخلَّفتُ شيئًا ورائي أَحْدَثه الزَّنادقة يُسمُّونه التَّغبير؛ لِيَصدُّوا الناس به عن القرآن.
التغبير: آلةٌ يُعزَف بها تشبه العود.
وقال: إذا جمع الرَّجلُ النَّاسَ لِسَماع جاريته، فهو سفيهٌ مَرْدود الشَّهادة، وهو بذلك ديُّوث.
رابعًا: الإمام أحمد 164 - 241هـ:
قال الخَلاَّل في كتابه "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكَر"، قال عبدالله بن الإمام أحمد: سألتُ أبي عن الغناء، فقال: لا يُعجِبُني، إنَّه ينبت النِّفاق في القلب، كما ينبت الماء البقل.
ملحوظة: قول الإمام أحمد "لا يعجبني" يدلُّ على أنه يحرم الغناء؛ لأنَّ هذا اللفظ - وأيضًا "أَكْرَه" - إذا أطلَقَه أحَدٌ من الأئمة يدلُّ على التحريم، وليس على الكراهة، ولكنهم قالوه من باب الورَع؛ مَخافة أن يكونوا مِمَّن قال فيهم ربُّنا: ﴿ وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ ﴾ [النحل: 116].
ويدلُّ على ذلك ما يأتي: مرَّ على الإمام أحمدَ رجُلٌ ومع الرَّجُل عودٌ، فقام الإمام أحمدُ وكسَرَه، فلو لم يكن الغناء محرَّمًا، ما كسر العود.
• وسئل الإمام أحمد عن رجلٍ مات وترك ولدًا وجارية مغنِّية، فاحتاجَ الصبِيُّ إلى بيعها، قال الإمام: تُباع على أنَّها ساذجة، لا على أنَّها مغنِّية، فقيل له: إنَّها تساوي ثلاثين ألفًا، ولعلَّها إن بيعت ساذجة تساوى عشرين ألفًا، فقال: لا تباع إلاَّ على أنَّها ساذجة.
هذا دليلٌ على أنَّ الغناء مَحْظور ومحرَّم، وإن لم يكن الغناءُ حرامًا، ما جازَ تفويتُ المال على اليتيم.
• قال القرطبيُّ: الغناء محرَّم، والاشتغال به على الدَّوام سفَه، تُرَدُّ به الشهادة.
• قال ابن تيميَّة مُعلِّقًا على حديث البخاريِّ المتقدِّم: ولو استحَلُّوا هذه المحارم "الحِرَ - الحرير - الخمر – المعازف"، مع جَزْمِهم بأنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - حرَّمَها، كانوا كفارًا بهذا الاستحلال، ولو فعلوا ذلك دون استحلال، لأوشَكَ أن يُعذَّبوا بهذه العقوبة، وهي المَسْخ والقذف.
• قال ابن القيم: يَنْبغي لمن شمَّ رائحة العلم ألاَّ يتوَقَّف في تحريم الغناء؛ فأقَلُّ ما فيه أنَّه شعارُ شاربِي الخمور.
وبعد:
فهذه بعض الأدلَّة الثابتة في تحريم الغناء، وهي غيضٌ من فَيْض، وقطرةٌ من بحر، والمؤمن يَكْفيه دليلٌ واحد، وبرغم وضوح الأدِلَّة، وقطعِيَّة دلالتها، وُجِد - كما هو الحال - علماء أفتَوْا بعكس هذا الكلام، وقالوا بإباحة الغناء، فيهم مَن اجتهد فأخطأ، فله أجر، ومنهم من طمسَ الله على قلبِه وبصيرته، فلم يستَطِع أن يُميِّز بين المعروف والمُنكَر، إلاَّ ما أُشرِبَ مِن هواه.
وأَسُوق إليك أخي المسلم ما تعَلَّق به هؤلاء الصِّنف من الناس من شُبهاتٍ والردَّ عليها وتفنيد مزاعمهم، ﴿ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ﴾ [الأنبياء: 18].
الشُّبهة الأولى: وهي إباحة ابنِ حَزْم للغناء:
ونَذْكر أوَّلاً كلامَ ابنِ حزم في هذه المسألة، فقد قال: "إنَّ الغناء مُباح"، ولكنَّه بنَى كلامه على تضعيف حديث أبي مالكٍ الأشعري، وقد اجتهَدَ فأخطأ، وإليك ما قاله في حديث البخاريِّ، والردَّ عليه.
قال ابنُ حزم: إنَّ الحديث منقطِعُ السَّند، فيما بين البخاريِّ وهشام بن عمَّار، والذي جعل ابنَ حزمٍ يَقول هذا الكلام هو أنَّ البخاريَّ أوردَ الحديث بقوله: "وقال هشامُ بن عمَّار: حدَّثَنا صدَقةُ بن خالد"، ولَم يَقُل: عن هشام، والرَّد على ذلك من عدَّة وجوه؛ كما قال أهل العلم:{قلت المدون هذا مصطلح مطاطي لا تقام به الحجج وقد أكثر منه السلف حينما لا يتوفر عندهم الدليل المحاج فيرمون عل أهل العلم ولا يحددون أعيانهم ومع هذا ولو حددوا أعيانهم فلا يحل لأهل العلم أن يشرعون ما لم يأذن به الله فما أحدٌ من الناس إلا وهو مخلوق لم يؤت النبوة غير رسول الله صلي الله عليه وسلم} ومن دونه متبعون لا مشرعون اضغط الرابط🌔 /وسوف نفرد صفحة اعرض ما هو الإشراك بالله عامة وبالأخص الإشراك بالله في التشريع وسنتناول بمشيئة الله الباري من له حق التشريع والفرق المختلط بين الفتيا والتشريع وانزلاق العلماء لمنحدر الفتوي بلا دليل وأن الدليل الأوحد لا شيئ غير القرآن المحكم والسنة النبوية المحكمة في الدلالة وفي الثبوت وما عدا ذلك فهو باطل لا نور فيه ....

قال الشيخ قال الشيخ صاحب مقال الأولوكة الشيخ عادل الشوربجي ينسب ما سيأتي إلي أهل العلم بالمصطلح الفضفاض المطاطي:

1- أن البخاريَّ قد لَقِي هشامَ بن عمَّار، وسمع منه، فإذا قال: "وقال هشام"، فهو بِمَثابة قوله: "عن هشام". ؟؟؟؟
2 - أنَّ كلام ابن حزم يُقبَل إذا كان البخاريُّ مُدلِّسًا، ولم يَصِف أحَدٌ من خَلْق الله البخاريَّ بالتدليس، فبطلَ بذلك كلامُ ابن حزم. {قلت المدون لم يعلم الشيخ منهج البخاري في سياق الأحاديث وأن البخاري رحمه الله له منهجا ثابتا معروفا في إخراجه للحديث وتضمينه كتابه الصحيح ومعلقات البخاري خير من يعرفها ويعتبرها غير متصله الحافظ المحدث ابن حجر العسقلاني مما يشير إلي اجتهاد الشيخ الشيخ عادل الشوربجي الخاطئ}
3 - أنَّ البخاري أدخلَ الحديث في كتابه المُسمَّى بالصَّحيح، فلولا صحَّتُه ما فعل ذلك. قلت المدون أدخله غير متصل كمنهج اتفق عليه لذلك ألف الحافظ ابن حجر كتابا وسماه تغليق التعليق حاول فيه أن يجد طريقا يصل فيه هذه المعلقات
4 - لو سلَّمْنا بصحَّة كلام ابن حزم، فقد رَوى الحديثَ نفسَه أبو داود متَّصِلَ الإسناد؛ ففي كلِّ الحالات الحديث ثابتٌ عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم.
وبعد:
فهذه باختصارٍ جملة ما قالَه ابن حزم - رحمه الله - في الحديث، قلت المدون ليس الأمر بهذا الوصف فقد قطع الكاتب بعض المعروض عند ابن حزم من كثير كثير مما إستدل به الفقيه الحافظ ابن حزم الأندلسي أوردناه في مكانه بهذه الصفحة أسفل العرض }}} وبناء على ذلك أفتى بحلِّ الغناء؛ لِعَدم ثبوت الحديث عنده، وبَعْد أن تبيَّن ما وقعَ فيه ابنُ حزم من وَهْم، وما ردَّ به عليه أهلُ العلم، منهم: الحافظ ابن حجَر، وابن الصَّلاح، وابن القَيِّم، لا يحلُّ لأحدٍ أن يُتابع ابنَ حزم، وقد قال أحَدُهم: والحزم ألاَّ تأخذ برأي ابن حَزْم - أيْ: في تحليله للغناء. {قلت المدون هذا كلام مقتضب غيَّر به الكاتب جوهر ما استدل به بن حزم يتبع بذلك اسلوب تدليس التسوية لرغبة في نفسه يرد بها قول ابن حزم الأندلسي الفقيه الحافظ رحمه الله}
قال الشيخ الشوربجي الشبهة الثانية:
روى البخاريُّ ومسلِم - واللَّفظ لِمُسلمٍ - عن عائشة قالت: دخلَ عليَّ أبو بكر، وعندي جاريتان من جواري الأنصار تُغنِّيان بِما تقاوَلَتْ به الأنصار يوم بُعاث، قالت: وليست بِمُغنيتَيْن، فقال أبو بكر: أَبِمَزمور الشَّيطان في بيت رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -؟! وذلك في يوم عيد، فقال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يا أبا بَكْر، إنَّ لكلِّ قومٍ عيدًا، وهذا عيدنا)). والتعقيب علي ما سيأتي من رد هو وجوب الامتناع عن التعليل والتأويل الذي يحول المقصود النبوي إلي مقصود بشري لا جدوي منه ولا معرفة وإليك ما اجتاز به الشيخ من تأويلات مرفوضة في نهاية أمره فهو رأيه ولا نعبأ بمقصود بشري ونترك مقصود الله ورسوله من التشريع قال الشيخ يتأول فيحرف بتأويله مدلولات النصوص الشرعية الصحيحة :
تعلَّق بهذا الحديث بعضُ مَن سلَبَهم الله الفهمَ الصحيح لِنُصوص الشَّرع المطهَّر، واستدلُّوا به على إباحة الغناء؛ تَعلُّقًا ببعض الألفاظ الواردة فيه، وليس الأمر كما زعموا، ولكن كما قال أهل العلم: ليس في الحديث أيُّ دلالة على إباحة الغناء من وجوه:
الأوَّل: يقول الشيخ الشوربجي قول عائشة: "وعندي جاريتان تغنيان بغناء بُعاث"، فكلمة الغناء كما سبَق في تعريفها تُطلَق على الشِّعْر وعلى غيره، وهي هنا تعني بها الشِّعرَ فقط؛ لِقَرينةٍ، وهي: "بغناء يوم بعاث".{قلت المدون يشرح الشيخ مقصود أم المؤمنين بما تقوله عائشة رضي الله عنها صاحبة البلاغة العلية والمعرفة ببواطن اللغة وأساليب التعبير البديعة دون تأويل أو تجميل كأنه أبلغ منها وأعلم وكأنه علم مقصودها } إن غناء بعاث بلغة أم المؤمنين عائشة هو الغناء الذي يفهمه القاصي والداني والمعروف أداءه والمتعارف عليه بلحن يجذب السامعين دون أداة موسيقية يوم بعاث ولابد من فرق بين الغناء بمعني الشعر والغناء البعاث التي قصدته عائشة أمنا رضي الله عنها وما أسمته عائشة غناءا إلا كونه مصحوبا بلحن يُطرب فاستحق هذا الوصف غناء يوم بعاث




قلت المدون : وكان يوم البعاث آخر الحروب المشهورة بين الأوس والخزرج ، ثم جاء الإسلام واتفقت الكلمة ، واجتمعوا على نصر الإسلام وأهله ، وكفى الله المؤمنين القتال .

وأكثرت الأنصار الأشعار يوم البعاث ، فمن ذلك قول قيس بن الخطيم الظفري الأوسي :
أتعرف رسما كالطراز المذهب لعمرة ركبا غير موقف راكب
ديار التي كانت ونحن على منى
تحل بنا لولا رجاء الركائب تبدت لنا كالشمس تحت غمامة
بدا حاجب منها وضنت بحاجب

ومنها :
وكنت امرأ لا أبعث الحرب ظالما فلما أبوا شعلتها كل جانب
أذنت بدفع الحرب حربا رأيتها عن الدفع لا تزداد غير تقارب
فلما رأيت الحرب تجردت لبست مع البردين ثوب المحارب
مضعفة يغشى الأنامل ريعها كأن قتيريها عيون الجنادب
ترى قصد المران تلقى كأنها تذرع خرصان بأيدي الشواطب
وسامحني ملكاهنين ومالك وثعلبة الأخيار رهط القباقب
رجال متى يدعوا إلى الحرب يسرعوا كمشي الجمال المشعلات المصاعب
إذا ما فررنا كان أسوا فرارنا صدود الخدود وازورار المناكب
صدود الخدود والقنا متشاجر ولا تبرح الأقدام عند التضارب
ظأرناكم بالبيض حتى لأنتم أذل من السقبان بين الحلائب
يجردن بيضا كل يوم كريهة ويرجعن حمرا جارحات المضارب
لقيتكم يوم الحدائق حاسرا كأن يدي بالسيف مخراق لاعب
ويوم بعاث أسلمتنا سيوفنا إلى حسب في جذم غسان ثاقب
قتلناكم يوم الفجار وقبله ويوم بعاث كان يوم التغالب
أتت عصب للأوس تخطر بالقنا كمشي الأسود في رشاش الأهاضب

فأجابه عبد الله بن رواحة :
أشاقتك ليلى في الخليط المجانب_ نعم ، فرشاش الدمع في الصدر غالب
بكت إثر من شطت نواه ولم يقم_لحاجة مخزون شكا الحب ناصب
لدن غدوة حتى إذا الشمس عارضت_أراحت له من لبه كل عازب
نحامي على أحسابنا بتلادنا لمفتقر أو سائل الحق واجب
وأعمى هدته للسبيل سيوفنا وخصم أقمنا بعدما ثج ثاعب
ومعترك ضنك يرى الموت وسطه مشينا له مشي الجمال المصاعب
برجل ترى الماذي فوق جلودهم وبيضا نقيا مثل لون الكواكب
وهم حسر لا في الدروع تخالهم أسودا متى تنشا الرماح تضارب
معاقلهم في كل يوم كريهة مع الصدق منسوب السيوف القواضب
وهي طويلة .

وليلى التي شبب بها ابن رواحة هي أخت قيس بن الخطيم . وعمرة التي شبب بها ابن الخطيم هي أخت عبد الله بن رواحة ، وهي أم النعمان بن بشير الأنصاري .

( بعاث : بضم الباء الموحدة ، وبالعين المهملة ، وقال صاحب كتاب العين وحده : وهو بالغين المعجمة ) .



قال القاضي عياض [قلت المدون سيذكر القاضي عياض رأيه دون استدلال عليه يتأول حديث عائشة فيخرجه عن مضمونه بلا حجة ولم يذكر القاضي عياض هل خلا هذا الغناء التي شبهته عائشة رضي الله عنها عن الإرتجاز يعني الغناء مع العلم بأن كل غناء هو شعر ملحون منغوم يطرب السامعين]:فيقول القاضي عياض: كان الغناء بما هو أشعارُ الحرب، والمُفاخَرة بالشَّجاعة، والظُّهور والغلَبة، وهذا الإنشاء بِرَفْع الصَّوت يُطلَق عليه الغِناء، وبُعاث يومٌ مَشْهور من أيَّام العرَب، كان فيه مقتلةٌ عظيمة بين الأوس والخزرج، والتي تروي لنا الحديث السابق هي أمُّ المؤمنين عائشة، ويروي لنا مَن تعلَّم منها، وهو ابن أخيها القاسم بن محمد بن أبي بكر أنَّه قال: "إنَّ الغناء باطل، والباطل في النَّار"{ قلت المدون: ومع هذا وصفته عائشة بقولها("وعندي جاريتان تغنيان بغناء بُعاث")
قال الكاتب : لذلك لما ذهب أبو حامدٍ الخلفانيُّ للإمام أحمد، وقال: ما تقول في الغناء؟ فقال الإمام للرجل: مثل ماذا؟ فقال الرجل:
إِذَا مَا قَالَ لِي رَبِّي
أَمَا اسْتَحْيَيْتَ تَعْصِينِي
وَتُخْفِي الذَّنْبَ عَنْ خَلْقِي
وَبِالعِصْيَانِ تَأْتِينِي
فقال الإمام أحمد: "ليس بحرام"، ومع ذلك سَمَّاه الرَّجُل غناءً.
فعُلِم من ذلك أنَّ الغناء يطلق على الشِّعر {قلت المدون ويميز عنه بكونه منغوما }
الثاني: سماها أبو بكر مزمار الشيطان، ولَم يُنكِر الرَّسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - ذلك، وقد قال في موطنٍ آخَر لأبي موسى الأشعري: ((لقَدْ أُوتِيتَ مزمارًا من مزامير آل داود))؛ متفق عليه؛ أيْ: صوتًا حسَنًا كصوت داود - عليه السَّلام. قلت المدون راجع تحقيق معناه فيما سيأتي إن شاء الله لاحقا بأسفل الصفحة
قلت المدون سيلجأ الكاتب فيما يأتي إلي مزيد من التحريف بمزيد من التأويل والتأول أكثره باطل لأنه يخرج المعني عن مقصوده

الثالث: أن النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - لم يُنكِر عليهن - أيْ: على عائشة والجاريتَيْن - لأسبابٍ، منها:
1 - أنَّهما جاريتان غير مُكلَّفَتين.
2 - أنَّهما بنصِّ كلام عائشة "ليستا بمغنيتين"؛ أيْ: لا يعرفان الغناءَ كما يعرفه القَيْنات، وقول عائشة هذا "ليستا بِمُغنيتين" يدلُّ على التحَرُّز من الغناء المعتاد عند المشتَهِرين.
3 - كلام الجاريتَيْن؛ أي غناؤُهُما هو ما قيل منهما من شِعْر يوم بعاث.
فائدة:
إنْ قيل: كيف ساغَ للصِّدِّيق إنكارُ شيءٍ أقرَّه - صلَّى الله عليه وسلَّم؟
فالجواب:
أنَّه ورد في بعض روايات الحديث أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان مُغطًّى بثوب، فظنَّ أبو بكرٍ أنَّه كان نائمًا، فبادر بالإنكار.
وأيضًا: أبو بكرٍ أنكرَ عليهم؛ لِما يعلَمُه من الشَّرع، وتقرَّر عنده مِن منع الغناء، وإلاَّ فما كان أبو بكرٍ لِيُنكر أو يمنع من شيءٍ إلاَّ وهو يعلم أنَّه حرام، فبَيَّن له النبِيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - الحُكْم مقرونًا ببيان الحكمة بأنَّه يومُ عيد؛ أي: يوم سُرورٍ شرعي، فلا ينكر فيه، كما لا يُنكَر في الأعراس.
ما يُباح من الغناء:
من سماحة الإسلام وسهولته، ولأنَّه من لَدُنْ حكيمٍ خبير، ولأنَّه مُنَزَّل من الخالق؛ فهو أعلم بأسرار خلقه ﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الملك: 14]، فمَع تحريم الشَّرع للغناء تحريمًا جذريًّا لا يَخْفى على مَن له عقلٌ، فقد رخَّصَت الشريعة فيه في بعض الحالات بشروطٍ معيَّنة، وتحت قيودٍ ثقيلة، فمنها:
أولاً: أيَّام العيدين:
بدليل حديث عائشة المتقدِّم في "الصَّحيحين"، وقد سبق الكلام عنه، وبيَّنَّا ما فيه من فقه؛ فليس لأحدٍ أن يتوسَّع أكثر مِمَّا ورد، وإلاَّ وقع في الحرام، فيكون الكلام من جاريتَيْن صغيرتين، وليستا بِمُغنيتين، وأن يكون الكلامُ خاليًا من كل شائبة.
ثانيًا: في العُرْس "الأفراح":
الدليل: روى البخاريُّ ومسلمٌ وأحمد عن عائشة أنَّها زفَّت امرأة من الأنصار، فقال النبِيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يا عائشة، ما كان معكم من لَهْو؟ فإنَّ الأنصار يعجبهم اللهو)).
روى الترمذيُّ وابن ماجه والنَّسائي عن النبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((فَصْل ما بين الحلال والحرام الدفُّ والصَّوت في النِّكاح)).
فمن هذين النصَّيْن وغيرِهِما من النُّصوص، يُرخَّص في الغناء واللهو في النِّكاح؛ بشروط:
1 - أن يكون في عرس نكاحٍ شرعي.
2 - أن يكون الدفُّ عبارةً عن إطار "غربال" قد جعل عليه جلدٌ فقَطْ، ولا بدَّ أن يكون خاليًا من الجلاجل.
3 - أن يكون الغناء خاليةً ألفاظُه من الفُحْش والبذاءة والزُّور وكلِّ باطل محرَّم.
4 - أن يكون المُغنِّي امرأةً، لا رَجُلاً؛ لأنَّ الرجل إذا تغنَّى فهو ملعون؛ لأنَّه تشبَّهَ بالنِّساء.
5 - ألا يكون مع النِّساء في العرس رجالٌ أجانب؛ لأنَّ اختلاط الأجنبيِّ بالنِّساء حرام.
لِماذا حرَّم الله علينا الغناء؟
للغِناء مَفاسِدُ كثيرة؛ فهو منبت الشَّر، ويُنبِت النِّفاق في القلب، كما يُنبت الماء البقل، ومع كثرة هذه المفاسد يُمكِن جمعها في أمرَيْن اثنين:
1 - الغناء يصدُّ عن ذِكْر الله، قال عثمان: لو طَهُرَت قلوبُنا، ما شَبِعَت من كلام ربِّنا، قال الضحَّاك: الغناءُ مَفْسدةٌ للقلب، مسخطةٌ للرَّب، فالغناء يهيِّج القبائح كسائر المهيجات، ويهيج على طاعة الشَّيطان، وإذا ابتعدَ الإنسانُ عن ذِكْر الله، عشَّش الشيطانُ في قلبه، فهو فيمن قال فيهم ربُّنا: ﴿ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [المجادلة: 19].
2 - الغناء يُثير الشَّهوات، ويُؤدِّي إلى الزِّنا؛ قال الفضيلُ بن عياض: الغناء رُقْية الزِّنا، قال يزيد بن الوليد: يا بَنِي أميَّة، إيَّاكم والغناء؛ فإنَّه ينقص الحياء، ويَهْدم المروءة، ويَزِيد الشَّهوة، ويَنوب عن الخمر، ويَفْعل ما لا يفعله السُّكر.
لذلك لَمَّا نزلَ الحُطَيئة الشَّاعر على رجُل، ومعه ابنتُه، فلمَّا نزلَ الحُطَيئة بدأ الرجل يغني فقام الحُطَيئة هو وابنته، وانصرفَ، فغضب صاحبُ البيت، وقال: مَن اعتدى عليك؟ وماذا رأيتَ منِّي حتَّى خرَجْتَ مِن ضيافتي؟ قال: الغناء الذي سمعته سيُفسد ابنتي عليَّ، إمَّا أن تَسْكت وإمَّا أن أَخْرج.
قال ابن القَيِّم: من المعلوم عند العامَّة والخاصَّة أنَّ فِتْنة سماع الغناء والمعازف أعظمُ من فِتْنة النَّوح بكثيرٍ، والَّذي شاهَدْناه نحن وغيرنا، وعرَفْناه بالتَّجارِب أنَّه ما ظهرَتِ المعازفُ وآلات اللَّهو في قومٍ وفشَتْ فيهم واشتغلوا بها، إلاَّ سلَّطَ الله عليهم العدوَّ، وبُلوا بالقحط والجدب، وَوُلاةِ السُّوء، والواقع خيرُ دليلٍ على كلام ابن القيِّم.
الواجب على المسلم تجاه هذه المعصية:
هذه المعصية ذات شِقَّيْن:
الأوَّل: المغنِّي، المَرْء الذي يغنِّي، أو المرأة التي تُغني.
الثاني: نَفْس الغناء؛ أيْ: سَماع الغناء.
الأوَّل: المُغنِّي: مَن اشتغل بهذا الأمر، ورُزِق منه، وكان هذا عمَلَه، فإنَّ رِزقَه حرام، وهو فاسق مَرْدود الشَّهادة، فلا بُدَّ للمسلم أن يُعامِلَه على هذا الأساس، فلا يكرم بأيِّ نوعٍ من أنواع الكرامة، ولا يستشهد به في أيِّ موضوع، ولا يُجالَس عند معصيته.
قال مكحولٌ الدمشقي: مَن مات وعنده آلةُ غناء أو قَيْنة، أو يُغنِّي، لا يصلَّى عليه؛ لأنَّه يُمسَخ في قبره.
(كلام مكحولٍ من باب التَّعزيز، ومِن باب التخويف لغيره).
ثانيًا: سماع الغناء: بإجماع العلماء والأئمَّة الأربعة، وسلَفِ الأمَّة، هذا لا يجوز مطلقًا، ومَن اعتاد السَّماع وكان دَيْدَنَه، فهو فاسقٌ مردودُ الشَّهادة.
رَوى مسلِمٌ عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ قال: سمعتُ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((مَن رأى منكم مُنكَرًا، فلْيُغيِّرْه بيده، فإنْ لَم يستَطِعْ فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وهذا أضعف الإيمان)).
لذلك يجب على المسلم أن يُزيل هذا المنكر بيده؛ بشرط ألا يترتَّب على ذلك أيُّ ضررٍ له، وقد سبق في البحث أنَّ الإمام أحمد شاهدَ رجلاً ومعه عود، فقام وكسرَ العود، فإن لم يستَطِع التَّغيير باليد، فعليه باللِّسان؛ وذلك عن طريق الوعظ باللِّين والحكمة والموعظة الحسَنة، فإن استَجاب، فالحمد لله، وإن لم يستَجِب، فإلى المَرْتبة الثَّالثة من مراتب تَغْيير المنكَر، وهي لا ينفكُّ عنها مسلمٌ، وهي التغيير بالقلب؛ وذلك يستلزم مغادرةَ المكان - ارجع إلى فتوى الإمام مالكٍ في هذا البحث.
وإليك وقائعَ لسلَفِنا؛ حتَّى تكون على بيِّنة من الأمر - ارجع إلى واقعةِ ابن عُمَر مع نافع:
مرَّ محمَّدُ بن مصعب (توفي سنة 228) بِبَيت، فسَمِع غناء، فدقَّ الباب، فخرجَتْ جارية، فقال لها: مَن أنتِ؟ قالت: جارية، وعندي مولاتي أُغنِّي لها وأدقُّ لها على العود، فقال: أنزلي العود حتَّى أكسره، قالت: انتظر حتَّى أخبر مولاتي، فلمَّا أخبَرَتْها، قالت: هذا شيخٌ أَحْمق، اضربي بالعود، فبدَأَت الجارية تغنِّي، فلما سمع محمد بن مصعب جلس يقرأ القرآن ويَبْكي، فاجتمع النَّاس، وصار لهم ضجيجٌ وصياح، فأشرَفَت المرأةُ مِن النافذة ورأت الحالة، فقالت المرأةُ للجارية: خذي العود حتَّى يكسره وينصرفوا، فكسره محمد بن مصعب، وانصرف ومعه الناس.
ذهب شُعْبة شيخُ المُحدِّثين في زمانه؛ لِيَتلقَّى الحديث عن المِنْهال بن عمرٍو، فسَمِع صوتَ طنبور (عود) لَمَّا اقترب من بيت المنهال، فانصرف شُعبة عن المنهال، وقدح فيه، وقال فيه كل سوء، قال العلماء: المنهالُ بن عمرٍو ثِقَة، من رجال البخاري، ولكن شُعْبة تسَرَّع، وكان الغناء من بيت جارِ المِنْهال.
وهذه الواقعة تدلُّ على شدَّة ورَعِ شُعبة، وحِرصِه على مَن يتعلَّم مِن علمه ودينه.
ورَحْمة الله على الإمام ابن سيرين الَّذي قال: "العلم دين؛ فلْيَنظر أحَدُكم عمَّن يأخذ دينَه".
وبعد:
فهذا ما تيَسَّر جمْعُه من أدلَّة شرعيَّة وأقوالٍ للأئمَّة في تحريم الغناء، فالله أسأل أن يَجْعله خالصًا لوجهه، وأن ينفع به من يَقْرؤه، والحمد لله الَّذي بنعمتِه تتمُّ الصَّالحات.
المصادر والمراجع:
1 - "الجامع لأحكام القرآن"، القرطبِي.
2 - "تَفْسير القرآن العظيم"؛ ابن كثير.
3 - "فَتْح الباري بِشَرح صحيح البُخاري"؛ ابن حجر العسقلاني.
4 - "الزَّواجر عن اقتراف الكبائر"؛ ابن حجر الهَيْتمي.
5 - "حكم الإسلام في الموسيقا والغناء"؛ أبو بكرٍ الجزائري.
6 - "إغاثة اللَّهْفان من مَصايد الشيطان"؛ ابن قيِّم الجوزية.
7 - "محاضرات سمعيَّة"؛ عبدالرحيم الطحَّان.




قلت المدون فما بال الناس يتهافتون علي عبادة البشر ، في التشريع والله تعالي لم يأمرنا أن نعبده إلا بما أنزل من كتاب وسنة صحيحة محكمة وبغض النظر عن حل أو حرمة الغناء فلا يحل لمسلم أن يحرم ما أحل الله تعالي ورسوله أو يُحل ما حرم الله تعالي ورسوله قال الله تعالي {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } فعلمنا أن التحريم يلزمه بالضرورة نصاً محكماً قاطعاً بالتحريم وتأكد أن كل من يُفسر آية بدليل غير محكمٍ كالذي يُشَرِّع مع الله بهواه ولم أرَ.. تفسيرات من محض الهوي مثلما رأيته هنا في هذا موضوع الغناء بغض النظر عن حرمة الغناء أو حلَّه فأول شيئ يتصدر عملية تحريم الغناء أو حله هو آراء الرجال مثل قال فلان وقال علان .. وهذه في ذاتها مصيبة كبيرة عمت بها البلوي في ضياع دين الله منذ تحول المسلمون في عفلة من أنفسهم إلي نَصْبِ أوثان التشريع في نفوسهم بأقوال البشر مهما كان الأمر والله تعالي لا يعبأ بترهات العباد ولا يتغير عنده وجه الحق لقول فلان وقول علان من دون رسول الله صلي الله عليه وسلم لأن الله تعالي أعطاه حق التشريع المتابع بالوحي ** إن الخطأ الفادح الذي طمس وجه الحق ونبع النور المنبعث من كتاب الله تعالي هو تعلية وثن التقليد البشري للبشر والإعراض عن وجه لحق الأبلج من كتاب الله وسنة رسول ولا شيئ بعد ذلك... إن تصديرات الناس موضوعاتهم الفقهية بأقوال البشر دون رسول الله صلي الله عليه وسلم هي بذرة التحول عن أساس الحق وضياع الدين ستتابع التعقيب يمشية الله تعالي بداية المتابعة للحديث السابق قلت المدون ومما علمناه من معاجم اللغة وروايات الحديث الصحيحة أن:
يفيما مضي استمر الكاتب في إخراج النصوص عن مدلولاتها بقصده هو معرضا عن قصد الله ورسوله حيث إباحة الشيئ في مناسبة هي إباحة لأصلها ولا يتعلق الأمر بالسبب لكنه قاعدة والسبب مناسبة إرساء القاعدة بالحل أو الحرمة


1.قد أجاز النبي محمدا صلي الله عليه وسلم الغناء في مناسبة الأعياد كما عقب علي موقف عمر بن الخطاب بمحتوي ليس فيه خروج علي حدود الأخلاق القرانية والإسلامية راجع الآتي مباشرة:::
الأصل في الأشياء الإباحة: ـ
إن الأصل في الأشياء الإباحة لقوله تعالي: (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعًا) (البقرة: 29)، ولا تحريم إلا بنص صحيح صريح من كتاب الله تعالي، أو سنة رسوله – صلي الله عليه وسلم فإذا لم يرد نص أو ورد نص صريح غير صحيح، أو صحيح غير صريح، بتحريم شيء من الأشياء، لم يؤثر ذلك في حله، وبقي في دائرة العفو الواسعة، قال تعالي: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه). (الأنعام: 119).
وقال رسول الله –صلي الله عليه وسلم-: “ما أحل الله في كتابه فهو حلال، وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو، فاقبلوا من الله عافيته، فإن الله لم يكن لينسي شيئا”، وتلا: (وما كان ربك نسيا) (مريم: 64). رواه الحاكم عن أبي الدرداء وصححه، وأخرجه البزار.
وقال: “إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدودًا فلا تعتدوها، وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها” أخرجه الداراقطني عن أبي ثعلبة الخشني. وحسنه الحافظ أبو بكر السمعاني في أماليه، والنووي في الأربعين.
وإذا كانت هذه هي القاعدة فما هي النصوص والأدلة التي استند إليها القائلون بتحريم الغناء، وما موقف المجيزين منها.
أدلة المحرمين للغناء ومناقشتها
استدل المحرمون بما روي عن ابن مسعود وابن عباس وبعض التابعين: أنهم حرموا الغناء محتجين بقول الله تعالي: (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين). (لقمان: 6) وفسروا لهو الحديث بالغناء.
قال ابن حزم: ولا حجة في هذا لوجوه:
أحدها: أنه لا حجة لأحد دون رسول الله -صلي الله عليه وسلم-.
والثاني: أنه قد خالفهم غيرهم من الصحابة والتابعين.
والثالث: أن نص الآية يبطل احتجاجهم بها؛ لأن الآية فيها: (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوًا) وهذه صفة من فعلها كان كافرًا بلا خلاف، إذ اتخذ سبيل الله هزوًا.
ولو أن امرأ اشتري مصحفًا ليضل به عن سبيل الله ويتخذه هزوا لكان كافرًا ! فهذا هو الذي ذم الله تعالي، وما ذم قط عز وجل من اشتري لهو الحديث ليتلهي به ويروح نفسه لا ليضل عن سبيل الله تعالي. فبطل تعلقهم بقول كل من ذكرنا وكذلك من اشتغل عامدًا عن الصلاة بقراءة القرآن أو بقراءة السنن، أو بحديث يتحدث به، أو بنظر في ماله أو بغناء أو بغير ذلك، فهو فاسق عاص لله تعالي، ومن لم يضيع شيئًا من الفرائض اشتغالاً بما ذكرنا فهو محسن. (المحلي لابن حزم (9/60) ط المنيرية). أ هـ.
واستدلوا بقوله تعالي في مدح المؤمنين: (وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه) (القصص: 55). والغناء من اللغو فوجب الإعراض عنه.
ويجاب بأن الظاهر من الآية أن اللغو: سفه القول من السب والشتم ونحو ذلك، وبقية الآية تنطق بذلك. قال تعالي: (وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين) (القصص: 55)، فهي شبيهة بقوله تعالي في وصف عباد الرحمن: (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا). (الفرقان: 63).
ولو سلمنا أن اللغو في الآية يشمل الغناء لوجدنا الآية تستحب الإعراض عن سماعه وتمدحه، وليس فيها ما يوجب ذلك.
وكلمة اللغو ككلمة الباطل تعني ما لا فائدة فيه، وسماع ما لا فائدة فيه ليس محرمًا ما لم يضيع حقًا أو يشغل عن واجب.
روي عن ابن جريج أنه كان يرخص في السماع فقيل له: أيؤتي به يوم القيامة في جملة حسناتك أو سيئاتك ؟ فقال: لا في الحسنات ولا في السيئات؛ لأنه شبيه باللغو، قال تعالي: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم). (البقرة: 225، والمائدة: 89).
قال الإمام الغزالي: (إذا كان ذكر اسم الله تعالي علي الشيء علي طريق القسم من غير عقد عليه ولا تصميم، والمخالفة فيه، مع أنه لا فائدة فيه، لا يؤاخذ به، فكيف يؤاخذ بالشعر والرقص ؟!). (إحياء علوم الدين. كتاب السماع ص 1147 ط دار الشعب بمصر).
علي أننا نقول: ليس كل غناء لغوا؛ إنه يأخذ حكمه وفق نية صاحبه، فالنية الصالحة تحيل اللهو قربة، والمزح طاعة، والنية الخبيثة تحبط العمل الذي ظاهره العبادة وباطنه الرياء: “إن الله لا ينظر إلي صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلي قلوبكم وأعمالكم”. (رواه مسلم من حديث أبي هريرة، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم ظلم المسلم).
وننقل هنا كلمة جيدة قالها ابن حزم في “المحلي” ردًا علي الذين يمنعون الغناء قال: (احتجوا فقالوا: من الحق الغناء أم من غير الحق ؟ ولا سبيل إلي قسم ثالث، وقد قال الله تعالي: (فماذا بعد الحق إلا الضلال) (يونس: 32). فجوابنا وبالله التوفيق: أن رسول الله –صلي الله عليه وسلم- قال: “إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوي” (متفق عليه من حديث عمر بن الخطاب، وهو أول حديث في صحيح البخاري). فمن نوي باستماع الغناء عونًا علي معصية الله فهو فاسق وكذلك كل شيء غير الغناء، ومن نوي به ترويح نفسه ليقوي بذلك علي طاعة الله عز وجل، وينشط نفسه بذلك علي البر فهو مطيع محسن، وفعله هذا من الحق. ومن لم ينو طاعة ولا معصية فهو لغو معفو عنه، كخروج الإنسان إلي بستانه، وقعوده علي باب داره متفرجًا، وصبغه ثوبه لازورديًا أو أخضر أو غير ذلك ومد ساقه وقبضها، وسائر أفعاله). (المحلي. 9/60).
جـ- قلت المدون واستدل المحرمون للغناء بحديث: “كل لهو يلهو به المؤمن فهو باطل إلا ثلاثة : ملاعبة الرجل أهله، وتأديبه فرسه، ورميه عن قوسه” رواه أصحاب السنن الأربعة، وفي الحديث اضطراب وضعف ، والغناء خارج عن هذه الثلاثة.
وأجاب المجوزون للغناء بضعف الحديث، ولو صح لما كان فيه حجة، فإن قوله: “ فهو باطل” لا يدل علي التحريم بل يدل علي عدم الفائدة. فقد ورد عن أبي الدرداء قوله: إني لأستجم نفسي بالشيء من الباطل ليكون أقوي لها علي الحق. علي أن الحصر في الثلاثة غير مراد، فإن التلهي بالنظر إلي الحبشة وهم يرقصون في المسجد النبوي خارج عن تلك الأمور الثلاثة، وقد ثبت في الصحيح. ولا شك أن التفرج في البساتين وسماع أصوات الطيور، وأنواع المداعبات مما يلهو به الرجل، ولا يحرم عليه شيء منها، وإن جاز وصفه بأنه باطل.
قلت المدون واستدلوا بالحديث الذي رواه البخاري -معلقا- عن أبي مالك أو أبي عامر الأشعري -شك من الراوي- عن النبي -عليه السلام- قال: “ليكونن قوم من أمتي يستحلون الحر (الحر: أي الفرج والمعني يستحلون الزني). والحرير والخمر والمعازف”. والمعازف: الملاهي، أو آلات العزف.
والحديث وإن كان في صحيح البخاري، إلا أنه من معلقات البخاري لا من “المسندات المتصلة” ولذلك رده ابن حزم لانقطاع سنده، ومع كون الحديث معلَّقا فقد قالوا: إن سنده ومتنه لم يسلما من الاضطراب، فسنده يدور علي (هشام بن عمار) (انظر: الميزان وتهذيب التهذيب). وقد ضعفه الكثيرون.
ورغم ما في ثبوته من الكلام، ففي دلالته كلام آخر؛ إذ هو غير صريح في إفادة حرمة “المعازف” فكلمة “يستحلون” – كما ذكر ابن العربي- لها معنيان: أحدهما: يعتقدون أن ذلك حلال، والثاني: أن يكون مجازًا عن الاسترسال في استعمال تلك الأمور، إذ لو كان المقصود بالاستحلال: المعني الحقيقي، لكان كفرًا.
ولو سلمنا بدلالتها علي الحرمة لكان المعقول أن يستفاد منها تحريم المجموع، لا كل فرد منها، فإن الحديث في الواقع ينعي علي أخلاق طائفة من الناس انغمسوا في الترف والليالي الحمراء وشرب الخمور. فهم بين خمر ونساء، ولهو وغناء، وخز وحرير. ولذا روي ابن ماجة هذا الحديث عن أبي مالك الأشعري بلفظ: “ليشربن أناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها يعزف علي رؤوسهم بالمعازف والمغنيات يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير”، وكذلك رواه ابن حبان في صحيحه.
هـ- واستدلوا بحديث: “إن الله تعالي حرم القينة (أي الجارية) وبيعها وثمنها وتعليمها”.
والجواب عن ذلك:
أولا: أن الحديث ضعيف.
ثانيا: قال الغزالي: المراد بالقينة الجارية التي تغني للرجال في مجلس الشرب، وغناء الأجنبية للفساق ومن يخاف عليهم الفتنة حرام، وهم لا يقصدون بالفتنة إلا ما هو محظور. فأما غناء الجارية لمالكها، فلا يفهم تحريمه من هذا الحديث. بل لغير مالكها سماعها عند عدم الفتنة، بدليل ما روي في الصحيحين من غناء الجاريتين في بيت عائشة رضي الله تعالي عنها. (الإحياء ص 1148) وسيأتي. قلت المدون البنداري ولا استدل بقول بشر علي الحل أو الحرمة لكن ذلكمن قبيل مقارعة الحجة بالحجة
ثالثا: كان هؤلاء القيان المغنيات يكون عنصرًا هامًا من نظام الرقيق، الذي جاء الإسلام بتصفيته تدريجيًا، فلم يكن يتفق وهذه الحكمة إقرار بقاء هذه الطبقة في المجتمع الإسلامي، فإذا جاء حديث بالنعي علي امتلاك “القينة” وبيعها، والمنع منه، فذلك لهدم ركن من بناء “نظام الرق” العتيد.
واستدلوا بما روي نافع أن ابن عمر سمع صوت زمارة راع فوضع أصبعيه في أذنيه، وعدل راحلته عن الطريق، وهو يقول: يا نافع، أتسمع ؟ فأقول: نعم، فيمضي، حتي قلت: لا. فرفع يده وعدل راحلته إلي الطريق وقال: “رأيت رسول الله يسمع زمارة راع فصنع مثل هذا” رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة.
والحديث قال عنه أبو داود: حديث منكر.
ولو صح لكان حجة علي المحرمين لا لهم. فلو كان سماع المزمار حرامًا ما أباح النبي -صلي الله عليه وسلم- لابن عمر سماعه، ولو كان عند ابن عمر حرامًا ما أباح لنافع سماعه، ولأمر عليه السلام بمنع وتغيير هذا المنكر، فإقرار النبي -صلي الله عليه وسلم- لابن عمر دليل علي أنه حلال.
وإنما تجنب عليه السلام سماعه كتجنبه أكثر المباح من أمور الدنيا كتجنبه الأكل متكئًا وأن يبيت عنده دينار أو درهم …. إلخ.
واستدلوا أيضًا لما روي: “إن الغناء ينبت النفاق في القلب” ولم يثبت هذا حديثًا عن النبي -صلي الله عليه وسلم-، وإنما ثبت قولاً لبعض الصحابة، فهو رأي لغير معصوم خالفه فيه غيره، فمن الناس من قال -وبخاصة الصوفية- إن الغناء يرقق القلب، ويبعث الحزن والندم علي المعصية، ويهيج الشوق إلي الله تعالي، ولهذا اتخذوه وسيلة لتجديد نفوسهم، وتنشيط عزائمهم، وإثارة أشواقهم، قالوا: وهذا أمر لا يعرف إلا بالذوق والتجربة والممارسة، ومن ذاق عرف، وليس الخبر كالعيان.
علي أن الإمام الغزالي جعل حكم هذه الكلمة بالنسبة للمغني لا للسامع، إذ كان غرض المغني أن يعرض نفسه علي غيره ويروج صوته عليه، ولا يزال ينافق ويتودد إلي الناس ليرغبوا في غنائه. ومع هذا قال الغزالي: وذلك لا يوجب تحريمًا، فإن لبس الثياب الجميلة، وركوب الخيل المهلجة، وسائر أنواع الزينة، والتفاخر بالحرث والأنعام والزرع وغير ذلك، ينبت النفاق في القلب، ولا يطلق القول بتحريم ذلك كله، فليس السبب في ظهور النفاق في القلب المعاصي فقط، بل المباحات التي هي مواقع نظر الخلق أكثر تأثيرًا (الإحياء ص 1151) .
واستدلوا علي تحريم غناء المرأة خاصة، بما شاع عند بعض الناس من أن صوت المرأة عورة. وليس هناك دليل ولا شبه دليل من دين الله علي أن صوت المرأة عورة، وقد كان النساء يسألن رسول الله -صلي الله عليه وسلم- في ملأ من أصحابه وكان الصحابة يذهبون إلي أمهات المؤمنين ويستفتونهن ويفتينهم ويحدثنهم، ولم يقل أحد: إن هذا من عائشة أو غيرها كشف لعورة يجب أن تستر.
فإن قالوا: هذا في الحديث العادي لا في الغناء، قلنا: روي الصحيحان أن النبي سمع غناء الجاريتين ولم ينكر عليهما، وقال لأبي بكر: دعهما. وقد سمع ابن جعفر وغيره من الصحابة والتابعين الجواري يغنين.
والخلاصة: أن النصوص التي استدل بها القائلون بالتحريم إما صحيح غير صريح، أو صريح غير صحيح. ولم يسلم حديث واحد مرفوع إلي رسول الله يصلح دليلاً للتحريم، وكل أحاديثهم ضعفها جماعة من الظاهرية والمالكية والحنابلة والشافعية.
قال القاضي أبو بكر بن العربي في كتاب “الأحكام”: لم يصح في التحريم شيء.
وكذا قال الغزالي وابن النحوي في العمدة.
وقال: ابن طاهر: لم يصح منها حرف واحد.
وقال ابن حزم: كل ما رُوي فيها باطل وموضوع.
أدلة المجيزين للغناء:


هذا الجزء مدعوم بالأدلة الشرعية الصحيحة من الأحاديث النبوية وليس من أقوال الرجال
السابق كان أدلة المحرمين، وقد سقطت واحدًا بعد الآخر، ولم يقف دليل منها علي قدميه، وإذا انتفت أدلة التحريم بقي حكم الغناء علي أصل الإباحة بلا شك، ولو لم يكن معنا نص أو دليل واحد علي ذلك غير سقوط أدلة التحريم. فكيف ومعنا نصوص الإسلام الصحيحة الصريحة، وروحه السمحة، وقواعده العامة، ومبادئه الكلية ؟ وهاك بيانها
أولا: من حيث النصوص:
استدلوا بعدد من الأحاديث الصحيحة، منها:
1.حديث غناء الجاريتين في بيت النبي -صلي الله عليه وسلم- عند عائشة، وانتهار أبي بكر لهما، وقوله: مزمور الشيطان في بيت النبي -صلي الله عليه وسلم-، وهذا يدل علي أنهما لم تكونا صغيرتين كما زعم بعضهم، فلو صح ذلك لم تستحقا غضب أبي بكر إلي هذا الحد.
والمعول عليه هنا هو رد النبي -صلي الله عليه وسلم- علي أبي بكر -رضي الله عنه- وتعليله: أنه يريد أن يعلم اليهود أن في ديننا فسحة، وأنه بعث بحنيفية سمحة. وهو يدل علي وجوب رعاية تحسين صورة الإسلام لدي الآخرين، وإظهار جانب اليسر والسماحة فيه.
2. وقد روي البخاري وأحمد عن عائشة أنها زفت امرأة إلي رجل من الأنصار فقال النبي -صلي الله عليه وسلم-: “يا عائشة، ما كان معهم من لهو ؟ فإن الأنصار يعجبهم اللهو”.
3. وروي ابن ماجة عن ابن عباس قال: أنكحت عائشة ذات قرابة لها من الأنصار فجاء رسول الله فقال: “أهديتم الفتاة ؟” قالوا: نعم قال: “أرسلتم معها من يغني ؟” قالت: لا. فقال رسول الله -صلي الله عليه وسلم-: “إن الأنصار قوم فيهم غزل، فلو بعثتم معها من يقول: أتيناكم أتيناكم .. فحيانا وحياكم ؟!
4. وروي النسائي والحاكم وصححه عن عامر بن سعد قال: دخلت علي قرظة بن كعب وأبي مسعود الأنصاري في عرس، وإذا جوار يغنين. فقلت: أي صاحبي رسول الله أهل بدر يفعل هذا عندكم ؟! فقالا: اجلس إن شئت فاستمع معنا، وإن شئت فاذهب، فإنه قد رخص لنا اللهو عند العرس.
5. وروي ابن حزم بسنده عن ابن سيرين: أن رجلاً قدم المدينة بجوار فأتي عبد الله بن جعفر فعرضهن عليه، فأمر جارية منهن فغنت، وابن عمر يسمع، فاشتراها ابن جعفر بعد مساومة، ثم جاء الرجل إلي ابن عمر فقال: يا أبا عبد الرحمن، غبنت بسبعمائة درهم ! فأتي ابن عمر إلي عبد الله بن جعفر فقال له: إنه غبن بسبعمائة درهم، فإما أن تعطيها إياه، وإما أن ترد عليه بيعه، فقال: بل نعطيه إياها. قال ابن حزم: فهذا ابن عمر قد سمع الغناء وسعي في بيع المغنية، وهذا إسناد صحيح لا تلك الأسانيد الملفقة الموضوعة.
6.واستدلوا بقوله تعالي: (وإذا رأوا تجارة أو لهو انفضوا إليها وتركوك قائمًا قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين). (الجمعة: 11). فقرن اللهو بالتجارة، ولم يذمهما إلا من حيث شغل الصحابة بهما -بمناسبة قدوم القافلة وضرب الدفوف فرحًا بها- عن خطبة النبي -صلي الله عليه وسلم-، وتركه قائمًا.
7. واستدلوا بما جاء عن عدد من الصحابة -رضي الله عنهم- أنهم باشروا السماع بالفعل أو أقروه. وهم القوم يقتدي بهم فيهتدي.
8. واستدلوا لما نقله غير واحد من الإجماع علي إباحة السماع، كما سنذكره بعد.
وثانيا: من حيث روح الإسلام وقواعده:
لا شيء في الغناء إلا أنه من طيبات الدنيا التي تستلذها الأنفس، وتستطيبها العقول، وتستحسنها الفطر، وتشتهيها الأسماع، فهو لذة الأذن، كما أن الطعام الهنيء لذة المعدة، والمنظر الجميل لذة العين، والرائحة الذكية لذة الشم … إلخ، فهل الطيبات أي المستلذات حرام في الإسلام أم حلال ؟
من المعروف أن الله تعالي كان قد حرم علي بني إسرائيل بعض طيبات الدنيا عقوبة لهم علي سوء ما صنعوا، كما قال تعالي: (فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرًا. وأخذهم الربا وقد نهو عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل) (النساء: 160، 161). فلما بعث الله محمدًا –صلي الله عليه وسلم- جعل عنوان رسالته في كتب الأولين (الذي يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم). (الأعراف: 157).
فلم يبق في الإسلام شيء طيب أي تستطيبه الأنفس والعقول السليمة إلا أحله الله، رحمة بهذه الأمة لعموم رسالتها وخلودها. قال تعالي: (يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات). (المائدة: 4).
ولم يبح الله لواحد من الناس أن يحرم علي نفسه أو علي غيره شيئًا من الطيبات مما رزق الله مهما يكن صلاح نيته أو ابتغاء وجه الله فيه، فإن التحليل والتحريم من حق الله وحده، وليس من شأن عباده، قال تعالي: (قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حرامًا وحلالاً قل آلله أذن لكم أم علي الله تفترون) (يونس: 59). وجعل سبحانه تحريم ما أحله من الطيبات كإحلال ما حرم من المنكرات، كلاهما يجلب سخط الله وعذابه، ويردي صاحبه في هاوية الخسران المبين، والضلال البعيد، قال جل شأنه ينعي علي من فعل ذلك من أهل الجاهلية: (قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفهًا بغير علم وحرموا ما رزقهم الله افتراء علي الله قد ضلوا وما كانوا مهتدين). (الأنعام: 140).
ولو تأملنا لوجدنا حب الغناء والطرب للصوت الحسن يكاد يكون غريزة إنسانية وفطرة بشرية، حتي إننا لنشاهد الصبي الرضيع في مهده يسكته الصوت الطيب عن بكائه، وتنصرف نفسه عما يبكيه إلي الإصغاء إليه ولذا تعودت الأمهات والمرضعات والمربيات الغناء للأطفال منذ زمن قديم، بل نقول: إن الطيور والبهائم تتأثر بحسن الصوت والنغمات الموزونة حتي قال الغزالي في الإحياء: (من لم يحركه السماع فهو ناقص مائل عن الاعتدال، بعيد عن الروحانية، زائد في غلظ الطبع وكثافته علي الجمال والطيور وجميع البهائم، إذ الجمل مع بلادة طبعه يتأثر بالحداء تأثرًا يستخف معه الأحمال الثقيلة، ويستقصر -لقوة نشاطه في سماعه- المسافات الطويلة، وينبعث فيه من النشاط ما يسكره ويولهه. فتري الإبل إذا سمعت الحادي تمد أعناقها، وتصغي إليه ناصبة آذانها، وتسرع في سيرها، حتي تتزعزع عليها أحمالها ومحاملها) .
وإذا كان حب الغناء غريزة وفطرة فهل جاء الدين لمحاربة الغرائز والفطر والتنكيل بها ؟ كلا، إنما جاء لتهذيبها والسمو بها، وتوجيهها التوجيه القويم، قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: إن الأنبياء قد بعثوا بتكميل الفطرة وتقريرها لا بتبديلها وتغييرها.
ومصداق ذلك أن رسول الله -صلي الله عليه وسلم- قدم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: “ما هذان اليومان؟” قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية: فقال عليه السلام: “إن الله قد أبدلكم بهما خيرًا منهما: يوم الأضحي ويوم الفطر” رواه أحمد وأبو داود والنسائي.
وقالت عائشة: “لقد رأيت النبي يسترني بردائه، وأنا أنظر إلي الحبشة يلعبون في المسجد، حتي أكون أنا التي أسأمه -أي اللعب- فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن الحريصة علي اللهو”.
وإذا كان الغناء لهوا ولعبًا فليس اللهو واللعب حرامًا، فالإنسان لا صبر له علي الجد المطلق والصرامة الدائمة.



عن حنظلةَ الأسيدي رضي الله عنه، وكان مِن كتَّاب[1] رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: لقيني أبو بكر فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ قال: قلتُ: نافَق حنظلة! قال: سبحان الله! ما تقول؟ قال: قلت: نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكِّرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عافَسْنا الأزواج والأولاد والضَّيْعات، فنسينا كثيرًا، قال أبو بكر: فوالله إنا لنلقى مثل هذا، فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: نافَق حنظلة يا رسول الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وما ذاك؟))، قلت: يا رسول الله، نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك عافَسْنا الأزواج والأولاد والضَّيعات، نسينا كثيرًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((والذي نفسي بيده، إن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذِّكر، لصافحتكم الملائكة على فُرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة))، ثلاث مرات؛ رواه مسلم[2].
قال النبي -صلي الله عليه وسلم- لحنظلة -حين ظن نفسه قد نافق لمداعبته زوجه وولده وتغير حاله في بيته عن حاله مع رسول الله -صلي الله عليه وسلم-: “يا حنظلة، ساعة وساعة” رواه مسلم.
ومن أقوال الناس مع العلم بأنها ليست دليلا علي حل أو حرمة الغناء لكنها المقارعة حجة بحجةٍ::
* وقال علي بن أبي طالب: روحوا القلوب ساعة بعد ساعة، فإن القلوب إذا أكرهت عميت.
* وقال كرم الله وجهه: إن القلوب تمل كما تمل الأبدان، فابتغوا لها طرائف الحكمة.
* وقال أبو الدرداء: إني لأستجم نفسي بالشيء من اللهو ليكون أقوي لها علي الحق.
* وقد أجاب الإمام الغزالي عمن قال: إن الغناء لهو ولعب بقوله: (هو كذلك، ولكن الدنيا كلها لهو ولعب … وجميع المداعبة مع النساء لهو، إلا الحراثة التي هي سبب وجود الولد، وكذلك المزح الذي لا فحش فيه حلال، نقل ذلك عن رسول الله -صلي الله عليه وسلم- وعن الصحابة.
وأي لهو يزيد علي لهو الحبشة والزنوج في لعبهم، فقد ثبت بالنص إباحته. علي أني أقول: اللهو مروح للقلب، ومخفف عنه أعباء الفكر، والقلوب إذا أكرهت عميت، وترويحها إعانة لها علي الجد، فالمواظب علي التفكر مثلاً ينبغي أن يتعطل يوم الجمعة؛ لأن عطلة يوم تساعد علي النشاط في سائر الأيام، والمواظب علي نوافل الصلوات في سائر الأوقات ينبغي أن يتعطل في بعض الأوقات، ولأجله كرهت الصلاة في بعض الأوقات، فالعطلة معونة علي العمل، اللهو معين علي الجد ولا يصبر علي الجد المحض، والحق المر، إلا نفوس الأنبياء عليهم السلام، فاللهو دواء القلب من داء الإعياء، فينبغي أن يكون مباحًا، ولكن لا ينبغي أن يستكثر منه، كما لا يستكثر من الدواء. فإذًا اللهو علي هذه النية يصير قربة، هذا في حق من لا يحرك السماع من قلبه صفة محمودة يطلب تحريكها، بل ليس له إلا اللذة والاستراحة المحضة، فينبغي أن يستحب له ذلك، ليتوصل به إلي المقصود الذي ذكرناه. نعم هذا يدل علي نقصان عن ذروة الكمال، فإن الكامل هو الذي لا يحتاج أن يروح نفسه بغير الحق، ولكن حسنات الأبرار سيئات المقربين، ومن أحاط بعلم علاج القلوب، ووجوه التلطف بها، وسياقتها إلي الحق، علم قطعًا أن ترويحها بأمثال هذه الأمور دواء نافع لا غني عنه) انتهي كلام الغزالي (الإحياء: كتاب السماع ص 1152، 1153)، وهو كلام نفيس يعبر عن روح الإسلام الحقة.
القائلون بإجازة الغناء:
تلك هي الأدلة المبيحة للغناء من نصوص الإسلام وقواعده، فيها الكفاية كل الكفاية ولو لم يقل بموجبها قائل، ولم يذهب إلي ذلك فقيه، فكيف وقد قال بموجبها الكثيرون من صحابة وتابعين وأتباع وفقهاء ؟
وحسبنا أن أهل المدينة -علي ورعهم- والظاهرية- علي حرفيتهم وتمسكهم بظواهر النصوص
قال الإمام لشوكاني في “نيل الأوطار”: (ذهب أهل المدينة ومن وافقهم من علماء الظاهر، وجماعة الصوفية، إلي الترخيص في الغناء، ولو مع العود واليراع. وحكي الأستاذ أبو منصور البغدادي الشافعي في مؤلفه في السماع: أن عبد الله بن جعفر كان لا يري بالغناء بأسًا، ويصوغ الألحان لجواريه، ويسمعها منهن على أوتاره. وكان ذلك في زمن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه.
وحكي الأستاذ المذكور مثل ذلك أيضًا عن القاضي شريح، وسعيد بن المسيب، وعطاء بن أبي رباح، والزهري، والشعبي) .
وقال إمام الحرمين في النهاية، وابن أبي الدنيا: (نقل الأثبات من المؤرخين: أن عبد الله بن الزبير كان له جوار عوادات، وأن ابن عمر دخل إليه وإلي جنبه عود، فقال: ما هذا يا صاحب رسول الله ؟! فناوله إياه، فتأمله ابن عمر فقال: هذا ميزان شامي ؟ قال ابن الزبير: يوزن به العقول !) .
وروي الحافظ أبو محمد بن حزم في رسالة في السماع بسنده إلي ابن سيرين قال: (إن رجلاً قدم المدينة بجوار فنزل علي ابن عمر، وفيهن جارية تضرب. فجاء رجل فساومه، فلم يهو فيهن شيئًا. قال: انطلق إلي رجل هو أمثل لك بيعًا من هذا. قال: من هو ؟ قال: عبد الله بن جعفر .. فعرضهن عليه، فأمر جارية منهن، فقال لها: خذي العود، فأخذته، فغنت، فبايعه ثم جاء ابن عمر … إلخ. القصة) .
وروي صاحب “العقد” العلامة الأديب أبو عمر الأندلسي: أن عبد الله بن عمر دخل علي ابن جعفر فوجد عنده جارية في حجرها عود، ثم قال لابن عمر: هل تري بذلك بأسًا ؟ قال: لا بأس بهذا، وحكي الماوردي عن معاوية وعمرو بن العاص: أنهما سمعًا العود عند ابن جعفر، وروي أبو الفرج الأصبهاني: أن حسان بن ثابت سمع من عزة الميلاء الغناء المزهر بشعر من شعره.
وذكر أبو العباس المبرد نحو ذلك. والمزهر عند أهل اللغة: العود.
وذكر الأدفوي أن عمر بن عبد العزيز كان يسمع جواريه قبل الخلافة. ونقل ابن السمعاني الترخيص عن طاووس، ونقله ابن قتيبة وصاحب الإمتاع عن قاضي المدينة سعد ابن إبراهيم بن عبد الرحمن الزهري من التابعين. ونقله أبو يعلي الخليلي في الإرشاد عن عبد العزيز بن سلمة الماجشون مفتي المدينة.
وحكي الروياني عن القفال أن مذهب مالك بن أنس إباحة الغناء بالمعازف، وحكي الأستاذ أبو منصور الفوراني عن مالك جواز العود، وذكر أبو طالب المكي في قوت القلوب عن شعبة أنه سمع طنبورًا في بيت المنهال بن عمروا المحدث المشهور.
وحكي أبو الفضل بن طاهر في مؤلفه في السماع أنه لا خلاف بين أهل المدينة في إباحة العود.
قال ابن النحوي في العمدة: (وقال ابن طاهر: هو إجماع أهل المدينة. قال ابن طاهر: وإليه ذهبت الظاهرية قاطبة. قال الأدفوي: لم يختلف النقلة في نسبة الضرب إلي إبراهيم بن سعد المتقدم الذكر وهو ممن أخرج له الجماعة كلهم.
وحكي الماوردي إباحة العود عن بعض الشافعية، وحكاه أبو الفضل بن طاهر عن أبي إسحاق الشيرازي، وحكاه الإسنوي في “المهمات” عن الروياني والماوردي، ورواه ابن النحوي عن الأستاذ أبي منصور وحكاه ابن الملقن في العمدة عن ابن طاهر، وحكاه الأدفوي عن الشيخ عز الدين بن عبد السلام، وحكاه صاحب الإمتاع عن أبي بكر بن العربي، وجزم بالإباحة الأدفوي.
هؤلاء جميعًا قالوا بتحليل السماع مع آلة من الآلات المعروفة -أي آلات الموسيقي- بشرط أن تكون كلمات الغناء ليس فيها ابتزال وخروج عن الحق وأما مجرد الغناء من غير آلة فقال الأدفوي في الإمتاع: إن الغزالي في بعض تآليفه الفقهية نقل الاتفاق علي حله، ونقل ابن طاهر إجماع الصحابة والتابعين عليه، ونقل التاج الفزاري وابن قتيبة إجماع أهل الحرمين عليه، ونقل ابن طاهر وابن قتيبة أيضًا إجماع أهل المدينة عليه، وقال الماوردي: لم يزل أهل الحجاز يرخصون فيه في أفضل أيام السنة المأمور فيها بالعبادة والذكر. قال ابن النحوي في العمدة: وقد روي الغناء وسماعه عن جماعة من الصحابة والتابعين، فمن الصحابة عمر -كما رواه ابن عبد البر وغيره- وعثمان- كما نقله الماوردي وصاحب البيان والرافعي -وعبد الرحمن بن عوف- كما رواه ابن أبي شيبة- وأبو عبيدة بن الجراح- كما أخرجه البيهقي- وسعد بن أبي وقاص- كما أخرجه بن قتيبة- وأبو مسعود الأنصاري- كما أخرجه البيهقي- وبلال وعبد الله بن الأرقم وأسامة بن زيد- كما أخرجه البيهقي أيضا- وحمزة كما في الصحيح- وابن عمر- كما أخرجه ابن طاهر- والبراء بن مالك- كما أخرجه أبو نعيم- وعبد الله بن جعفر- كما رواه ابن عبد البر- وعبد الله بن الزبير- كما نقل أبو طالب المكي- وحسان- كما رواه أبو الفرج الأصبهاني- وعبد الله بن عمرو- كما رواه الزبير بن بكار- وقرظة بن كعب- كما رواه ابن قتيبة- وخوات بن جبير ورباح المعترف- كما أخرجه صاحب الأغاني- والمغيرة بن شعبة- كما حكاه أبو طالب المكي- وعمرو بن العاص- كما حكاه الماوردي- وعائشة والربيع- كما في صحيح البخاري وغيره.
وأما التابعون فسعيد بن المسيب وسالم بن عبد الله بن عمر وابن حسان وخارجة بن زيد وشريح القاضي وسعيد بن جبير وعامر الشعبي وعبد الله بن أبي عتيق وعطاء بن أبي رباح ومحمد بن شهاب الزهري وعمر بن عبد العزيز وسعد بن إبراهيم الزهري.
وأما تابعوهم فخلق لا يحصون منهم الأئمة الأربعة وابن عيينة وجمهور الشافعية) . انتهي كلام ابن النحوي. هذا كله ذكره الشوكاني في نيل الأوطار (جـ 8/264-266) .
قيود وشروط لابد من مراعاتها:
ولا ننسي أن نضيف إلي هذه الفتوي قيودًا لابد من مراعاتها في سماع الغناء.
فقد أشرنا في أول البحث إلي أنه ليس كل غناء مباحًا، فلابد أن يكون موضوعه متفقًا مع أدب الإسلام وتعاليمه.
فالأغنية التي تقول: “الدنيا سيجارة وكاس” مخالفة لتعاليم الإسلام الذي يجعل الخمر رجسًا من عمل الشيطان ويلعن شارب “الكأس” عاصرها وبائعها وحاملها وكل من أعان فيها بعمل. والتدخين أيضًا آفة ليس وراءها إلا ضرر الجسم والنفس والمال.
والأغاني التي تمدح الظلمة والطغاة والفسقة من الحكام الذين ابتليت بهم أمتنا، مخالفة لتعاليم الإسلام، الذي يلعن الظالمين، وكل من يعينهم، بل من يسكت عليهم، فكيف بمن يمجدهم ؟!
والأغنية التي تمجد صاحب العيون الجريئة أو صاحب العيون جريئة أغنية تخالف أدب الإسلام الذي ينادي كتابه: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم … وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن) (النور: 30، 31). ويقول –صلي الله عليه وسلم- يا علي : “لا تتبع النظرة النظرة، فإن لك الأولي وليست لك الآخرة”.
ثم إن طريقة الأداء لها أهميتها، فقد يكون الموضوع لا بأس به ولا غبار عليه، ولكن طريقة المغني أو المغنية في أدائه بالتكسر في القول، وتعمد الإثارة، والقصد إلي إيقاظ الغرائز الهاجعة، وإغراء القلوب المريضة- ينقل الأغنية من دائرة الإباحة إلي دائرة الحرمة أو الشبهة أو الكراهة من مثل ما يذاع علي الناس ويطلبه المستمعون والمستمعات من الأغاني التي تلح علي جانب واحد، هو جانب الغريزة الجنسية وما يتصل بها من الحب والغرام، وإشعالها بكل أساليب الإثارة والتهيج، وخصوصًا لدي الشباب والشابات.
إن القرآن يخاطب نساء النبي فيقول: (فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض) . فكيف إذا كان مع الخضوع في القول الوزن والنغم والتطريب والتأثير ؟!
ومن ناحية ثالثة يجب ألا يقترن الغناء بشيء محرم، كشرب الخمر أو التبرج أو الاختلاط الماجن بين الرجال والنساء، بلا قيود ولا حدود، وهذا هو المألوف في مجالس الغناء والطرب من قديم. وهي الصورة المائلة في الأذهان عند ما يذكر الغناء، وبخاصة غناء الجواري والنساء.
وهذا ما يدل عليه الحديث الذي رواه ابن ماجة وغيره: “ليشربن ناس من أمتي الخمر، يسمونها بغير اسمها، يعزف علي رؤوسهم بالمعازف والمغنيات، يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير”.
وأود أن أنبه هنا علي قضية مهمة، وهي أن الاستماع إلي الغناء في الأزمنة الماضية كان يقتضي حضور مجلس الغناء، ومخالطة المغنين والمغنيات وحواشيهم، وقلما كانت تسلم هذه المجالس من أشياء ينكرها الشرع، ويكرهها الدين.
أما اليوم فيستطيع المرء أن يستمع إلي الأغاني وهو بعيد عن أهلها ومجالسها، وهذا لا ريب عنصر مخفف في القضية، ويميل بها إلي جانب الإذن والتيسير.
هذا إلي أن الإنسان ليس عاطفة فحسب، والعاطفة ليست حبًا فقط، والحب لا يختص بالمرأة وحدها، والمرأة ليست جسدًا وشهوة لا غير، لهذا يجب أن نقلل من هذا السيل الغامر من الأغاني العاطفية الغرامية وأن يكون لدينا من أغانينا وبرامجنا وحياتنا كلها توزيع عادل، وموازنة مقسطة بين الدين والدنيا وفي الدنيا بين حق الفرد وحقوق المجتمع، وفي الفرد بين عقله وعاطفته، وفي مجال العاطفة بين عواطف الإنسانية كلها من حب وكره وغيره وحماسة وأبوة وأمومة وبنوة وأخوة وصداقة … إلخ فلكل عاطفة حقها.
أما الغلو والإسراف والمبالغة في إبراز عاطفة خاصة فذلك علي حساب العواطف الأخري، وعلي حساب عقل الفرد وروحه وإرادته، وعلي حساب المجتمع وخصائصه ومقوماته، وعلي حساب الدين ومثله وتوجيهاته.
إن الدين حرم الغلو والإسراف في كل شيء حتي في العبادة فما بالك بالإسراف في اللهو وشغل الوقت به ولو كان مباحًا ؟!
إن هذا دليل علي فراغ العقل والقلب من الواجبات الكبيرة، والأهداف العظيمة، ودليل علي إهدار حقوق كثيرة كان يجب أن تأخذ حظها من وقت الإنسان المحمود وعمره القصير، وما أصدق وأعمق ما قال ابن المقفع: (ما رأيت إسرافًا إلا وبجانبه حق مضيع) وفي الحديث: “لا يكون العاقل ظاعنًا إلا لثلاث: مرمة لمعاش، أو تزود لمعاد، أو لذة في غير محرم”، فلنقسم أوقاتنا بين هذه الثلاثة بالقسط ولنعلم أن الله سائل كل إنسان عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه ؟
وبعد هذا الإيضاح تبقي هناك أشياء يكون كل مستمع فيها فقيه نفسه ومفتيها، فإذا كان الغناء أو نوع خاص منه يستثير غريزته، ويغريه بالفتنة، ويسبح به في شطحات الخيال، ويطغي فيه الجانب الحيواني علي الجانب الروحاني، فعليه أن يتجنبه حينئذ، ويسد الباب الذي تهب منه رياح الفتنة علي قلبه ودينه وخلقه فيستريح ويريح.
تحذير من التساهل في إطلاق التحريم:
ونختم بحثنا هذا بكلمة أخيرة نوجهها إلي السادة العلماء الذين يستخفون بكلمة “حرام” ويطلقون لها العنان في فتواهم إذا أفتوا، وفي بحوثهم إذا كتبوا، عليهم أن يراقبوا الله في قولهم ويعلموا أن هذه الكلمة “حرام” كلمة خطيرة: إنها تعني عقوبة الله علي الفعل وهذا أمر لا يعرف بالتخمين ولا بموافقة المزاج، ولا بالأحاديث الضعيفة، ولا بمجرد النص عليه في كتاب قديم، إنما يعرف من نص ثابت صريح، أو إجماع معتبر صحيح، وإلا فدائرة العفو والإباحة واسعة، ولهم في السلف الصالح أسوة حسنة.
قال الإمام مالك رضي الله عنه: ما شيء أشد علي من أن أسأل عن مسألة من الحلال والحرام؛ لأن هذا هو القطع في حكم الله، ولقد أدركت أهل العلم والفقه ببلدنا، وإن أحدهم إذا سئل عن مسألة كأن الموت أشرف عليه، ورأيت أهل زماننا هذا يشتهون الكلام في الفتيا، ولو وقفوا علي ما يصيرون إليه غدًا لقللوا من هذا، وإن عمر بن الخطاب وعليًا وعامة خيار الصحابة كانت ترد عليهم المسائل -وهم خير القرون الذين بعث فيهم النبي -صلي الله عليه وسلم- فكانوا يجمعون أصحاب النبي -صلي الله عليه وسلم- ويسألون، ثم حينئذ يفتون فيها، وأهل زماننا قد هذا صار فخرهم، فبقدر ذلك يفتح لهم من العلم قال: ولم يكن من أمر الناس ولا من مضي من سلفنا الذين يقتدي بهم، ومعول الإسلام عليهم، أن يقولوا: هذا حلال وهذا حرام، ولكن يقول: أنا أكره كذا وأري كذا، وأما “حلال” و “حرام” فهذا الافتراء علي الله. أما سمعت قول الله تعالي: (قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حرامًا وحلالاً قل آلله أذن لكم أم علي الله تفترون) يونس: 59؛ لأن الحلال ما حلله الله ورسوله والحرام ما حرماه.
ونقل الإمام الشافعي في “الأم” عن الإمام أبي يوسف صاحب أبي حنيفة قال:
(أدركت مشايخنا من أهل العلم يكرهون في الفتيا أن يقولوا: هذا حلال وهذا حرام، إلا ما كان في كتاب الله عز وجل بينا بلا تفسير.
وحدثنا ابن السائب عن ربيع بن خيثم -وكان أفضل التابعين- أنه قال: إياكم أن يقول الرجل: إن الله أحل هذا أو رضيه، فيقول الله له: لم أحل هذا ولم أرضه، ويقول: إن الله حرم هذا فيقول الله: كذبت لم أحرمه ولم أنه عنه ! وحدثنا بعض أصحابنا عن إبراهيم النخعي أنه حدث عن أصحابه أنهم كانوا إذا أفتوا بشيء أو نهوا عنه، قالوا: هذا مكروه، وهذا لا بأس به، فأما أن يقولوا: هذا حلال وهذا حرام فما أعظم هذا) .
هذا ما ذكره القاضي أبو يوسف، ونقله الشافعي، ولم ينكر عليه هذا النقل ولا مضمونه بل أقره، وما كان ليقر مثله إلا إذا اعتقد صحته.
وقال الله تعالي: (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا علي الله الكذب إن الذين يفترون علي الله الكذب لا يفلحون). (النحل: 116).
قلت المدون وفي غزوة الخندق ارتجز رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال اللهم اغفر للانصار والمهاجره
3880 حدثني أحمد بن عثمان حدثنا شريح بن مسلمة قال حدثني إبراهيم بن يوسف قال حدثني أبي عن أبي إسحاق قال سمعت البراء بن عازب يحدث قال لما كان يوم الأحزاب وخندق رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيته ينقل من تراب الخندق حتى وارى عني الغبار جلدة بطنه وكان كثير الشعر فسمعته يرتجز بكلمات ابن رواحة وهو ينقل من التراب يقول



اللهم لولا أنت ما اهتدينا

ولا تصدقنا ولا صلينا

فأنزلن سكينة علينا

وثبت الأقدام إن لاقينا

إن الأُلى قد بغوا علينا

وإن أرادوا فتنة أبينا






اللهم لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا فأنزلن سكينة علينا
وثبت الأقدام إن لاقينا إن الألى قد بغوا علينا وإن أرادوا فتنة أبينا
قال ثم يمد صوته بآخرها

وبعد فهذا غاية ما علمت والواضح أن تقوي الله هي التي يتمايز بها الأمر وضوابط الارتجاز والغناء يرجع مسؤوليتها لتقوي رب العالمين ولا مانع ان كان هناك شبهة في الغناء فتقوي الله أهم وأقسط وليغور ويبعد كل شيئ يُبعِدُ المرء عن ذكر الله وتقواه فالله والاخرة هو الباقي للإنسان وسوف يبعث كل فرد ليسأله ربه ماذا قدم وماذا عمل هذا والله أعلم فانظر أيهم تختار اعتقد تقوي الله وخشيته هما الخيار الاوحد والله نسأله أن يدخلنا الجنة ويمتعنا فيا بأصوات غناء الحور العين امين