سلسلة
دروس في أصول الفقه
(الدرس الثالث)
القسم الثاني : الأحكام الوضعية
تعريف الحكم الوضعي:
هو خطاب الله تعالى المتعلق بجعل الشيء سبباً لشيء ، أو شرطاً له ، أو مانعاً منه ، أوصحيحاً ، أو فاسداًً
ومعنى هذا: أن الله تعالى شرع أشياء ونصبها أدلة على إثبات حكم أو نفيه ،فالحكم يوجد بوجود سببه ، وتوفر شرطه، وانتفاء مانعه، وينتفي بانتفاء سببه ، أو تخلف شرطه، أو وجود مانعه.
وسمي وضعياً ، لأنه موضوع من قبل الشارع فهو الذي قرر مثلاً أن السرقة سبب لقطع اليد ، والوضوء شرط لصحة الصلاة، وقتل الوارث مورثه مانع من الإرث.
أقسام الأحكام الوضعية:
ينقسم الحكم الوضعي إلى
خمسة أقسام هي : ــ
القسم الأول : السبب .
القسم الثاني : الشرط .
القسم الثالث : المانع .
القسم الرابع : الصحة .
القسم الخامس : الفساد .
القسم الأول : السبب
السبب لغة : كل شيء يتوصل به إلى غيره.
السبب اصطلاحاً : هو ما يلزم من وجوده الوجود ويلزم من عدمه العدم . أي أن السبب إذا وجد وجد الحكم، وإذا تخلف تخلف الحكم . مثل دخول وقت الصلاة فإنه سبب في وجوبها فيلزم من دخول الوقت وجوب الصلاة متى ما توفرت الشروط وانتفت الموانع , ويلزم من عدم دخول الوقت عدم وجوب الصلاة.
وكالسرقة هي سبب لقطع اليد، فإذا لم يسرق لم تقطع يده ، وإذا سرق قطعت يده .
وكشهود رمضان جعله الله سبباً لإيجاب الصوم، قال تعالى: { فمن شهد منكم الشهر فليصمه} .
القسم الثاني : الشرط
الشرط لغة : العلامة .
قال تعالى : (فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها}سورة محمد :الآية18 . أي علاماتها .
والشرط اصطلاحاً هو: ما
يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود . كاستقبال
القبلة للصلاة فإنه شرط لصحتها ، فيلزم من عدم استقبالها عدم صحة الصلاة ، ولا
يلزم من وجدها وجود الصلاة .
وكالطهارة للصلاة، شرط في صحتها ، قال تعالى: { يأيها الذين ءامنوا إذا قمتم
إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى
الكعبين }
سورة المائدة : الآية 6 .
فإذا انعدمت الطهارة لم تصح الصلاة ، وإذا وجدت الطهارة لا يلزم من وجودها وجود الصلاة .
القسم الثالث : المانع
المانع لغة : الحائل أي الذي يحول بينك وبين الشيء .
والمانع اصطلاحاً هو: ما يلزم من وجوده العدم ولا يلزم من عدمه وجود . كالحيض فإنه يلزم من وجوده عدم صحة الصلاة ولا يلزم من عدمه صحة الصلاة ولا عدمها.
فلا بد في وجود الحكم
الشرعي من توفر ثلاثة أمور وهى :-
(1) وجود السبب (2) وجود الشرط (3) انتفاء المانع .
فإذا تخلف أمر من هذه الأمور انتفى الحكم الشرعي
.
مثاله: إذا قتل الأب ابنه عمداً فإنه لا يقتص منه، لأنه قد
قام مانع منه، وهو الأبوة فإنها مانعة من القصاص.
القسم الرابع : الصحة
الصحة:
تعريفها لغــة: السلامة.
واصطلاحاً : ما ترتبت أثار فعله عليه شرعاً في العبادات أو العقود.
إطلاقات الصحة:
تطلق الصحة على أمرين:
صحة في العبادات.
صحة في العقود.
فالصحة في العبادات :
المراد بها: كل عبادة أديت امتثالاً لأمر الشارع وسقط بها القضاء.
دليلها: حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد} رواه مسلم .
قال ابن رجب رحمه الله تعالى: فهذا الحديث بمنطوقه يدل على أن كل عمل ليس عليه أمر الشارع فهو مردود ، ويدل بمفهومه على أن كل عمل عليه أمره فهو غير مردود والمراد بأمره ههنا دينه وشرعه، ثم قال: فمن كان عمله جارياً تحت أحكام الشريعة موافقاً لها فهو مقبول ، ومن كان عمله خارجاً عن ذلك فهو مردود.
فمن أدى الصلاة في وقتها ، تامة شروطها، وأركانها، وواجباتها ، فهي صحيحة.
الصحة في العقود :
المراد بها : ترتب الأثر المقصود من العقد عليه.
فمن اشترى بيتاً في ذلك شروط صحة البيع فقد صح البيع وترتب عليه أثره من انتقال الملك إلى المشتري ، واباحة انتفاعه به ، وتصرفه. فيه.
أي أن الصحة لا تتم إلا بتمام الشروط وانتفاء الموانع ، فلو تمت الشروط وانتفت الموانع إلا مانعا واحدا فلا يصح ، وبالأمثلة سيتضح الأمر .
مثال فقد الشرط في العبادة : أن يصلي بلا طهارة .
أي أنه لو صلى صلاة مكتملة الأركان مستوفية الشروط إلا الطهارة لم تصح لأنه أخل بشرط من شروط صحتها لأن من شرط صحة الصلاة الطهارة لها كما قال تعالى :{يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق}. سورة المائدة : الآية6.
وما جاء من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول صلى الله عليه وسلم: {لا يقبل الله صلاة بغير طـهور} رواه مسلم .
ومثال فقد الشرط في العقد : أن يبيع ما لا يملك .
أي أن يبيع شخص ما لا يملك البيع ، فلو باع بيعاً مستوفياً الشروط إلا أنه ليس المالك ولا أذن له المالك فإن هذا العقد لا يصح .
ومثال وجود المانع في العبادة : أن يتطوع بنفل مطلق وقت النهي .
فلو تطوع إنسان بصلاة نفل تطوعا لله مستوفيا شروطه وأركانه لكن في وقت نهي كبعد صلاة العصر، فإنه لا يصح لأجل وجود مانع من الصحة وهو : وقت النهي .
ومثال وجود المانع في العقد : أن يبيع من تلزمه الجمعة شيئا ًبعد نداء الجمعة الثاني فلا يصح بيعه إلا على وجه يباح وهو كل ما دعت الضرورة إليه ، لوجود مانع من صحة البيع وهو النداء الثاني للجمعة وهو الذي يكون بعد صعود الخطيب المنبر لأن البيع في هذا الوقت منهي عنه .
القسم الخامس : الفساد
الفساد لغة : هو تغير الشيء عن حالته السليمة إلى حالة السقم.
والفساد اصطلاحاً : ما لا
تترتب آثارفعله عليه في العبادة أو العقود.
إطلاقات الفساد:
يطلق الفساد على أمرين:
فاسد في العبادات.
فاسد في العقود.
فالفساد في العبادات : وهو ما لا تبرأ به الذمة ولا يسقط به الطلب فكل عبادة أديت بخلل في شروطها أو أركانها أو لم تنتف موانعها فإنها تكون فاسدة ، فلا تبرأ ذمة فاعلها ، ويظل مطالبا بأدائها .مثال : الصلاة قبل وقتها ، فإنها فاسدة بالرغم منه قد يكون صلى صلاة تامة من حيث الأركان مستوفيا ً الركوع والسجود وكل الأركان لكنها فاسدة لإخلاله بشرط من شروط صحة الصلاة وهو دخول الوقت .
والفاسد في العقود : ما لا تترتب آثاره عليه ، كبيع المجهول .فإنه بيع فاسد لأن النبي صلى الله عليه وسلم {نهى عن بيع الغرر}رواه أبي داود كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
الفرق بين الباطل والفساد:
ذهب جمهور العلماء إلى عدم التفريق بين الفاسد والباطل وأنهما سواء إلا في مسألتين هما:
الأولى : في الإحرام : فالفاسد ما وطئ فيه المحرم قبل التحلل الأول ، والباطل ما ارتد فيه عن الإسلام نسأل الله السلامة والعافية.
الثانية : في النكاح: فالفاسد ما اختلف العلماء في فساده كالنكاح بغير ولي ، والباطل ما أجمع العلماء على بطلانه كزواج الرجل أخته من الرضاع ، أو نكاح المعتدة فإنه باطل بإجماع العلماء قال تعالى : { ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله } سورة البقرة : الآية 235.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق