لغة : التخلية . يقال : ناقة طالق أي مخلّاة .
واصطلاحاً : حل قيد النكاح أو بعضهِ [ لأن النكاح ربط
بين الزوجين ] فإن كان بائناً فهو حل لكله ، وإن كان رجعياً فهو لبعضه .
· والطلاق ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
النوع الأول : الطلاق البائن بينونة كبرى ، وهو الطلاق
الثلاث ، ( المستكمل للعدد ) .
فإذا كان الرجل قد طلق زوجته مرتين سابقتين ثم طلقها
الثالثة فنقول : إن هذا الطلاق بائن بينوة كبرى ، فلا تحل له إلا بعد زوج .
النوع الثاني : طلاق بائن بينونة صغرى .
وهو الطلاق الذي لا يستطيع فيه المطلِّق ارجاع زوجته
بإرادته المنفردة كما كان له ذلك في الطلاق الرجعي ،
والفرق بينه وبين الطلاق البائن بينوة كبرى ، أن في
الطلاق البائن بينوة صغرى لا يمكن أن ترجع إليه إلا بعقد جديد ، بخلاف البينوة
الكبرى فإنها لا تحل إلا بعد زوج
.
كالطلاق على عوض ، والفسخ إذا حصل فسخ بموجب [ فقد شرط
أو وجود عيب ]، والرجعية إذا خرجت من العدة ، والطلاق قبل الدخول والخلوة .
انظر ما في القائمة
الاتية :
====================
النوع الثالث : الطلاق الرجعي قال صاحب المقال:.
وهو : إذا طلق دون مالَه من العدد ، كأن يطلق مرة أو
مرتين ، وسمي رجعياً لأنه يستطيع فيه الزوج خلال فترة العدة التي يجب على المرأة
أن تبقى في بيت زوجها مراجعتها وإعادة الحياة الزوجية .
م / والأصل فيه : قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ
إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ) .
------------------
أي : أن الأصل في جوازه الكتاب والسنة والإجماع .
قال تعالى (الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ
بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ) .
وقال سبحانه ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا
طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ... ) .
وقال
r لابن عمر ( … ثم إن شاء أمسك وإن شاء طلق .. ) .
وفي سنن أبي داود ( أن النبي r طلق حفصة وراجعها ) .
وقد نقل ابن قدامة في المغني إجماع الناس على جواز
الطلاق .
· الطلاق تجري فيه الأحكام التكليفية الخمسة :
يكره : إذا كان بلا سبب يدعوه إلى ذلك ولم تكن هناك حاجة
إليه .
وقد جاء في الحديث ( أبغض الحلال إلى الله الطلاق ) رواه
أبوداود وهو ضعيف .
وحديث جابر . قال : قال رسول الله r ( إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم
يبعث سراياه ، فأدناهم منزلة أعظمهم فتنة ، فيجيء أحدهم فيقول : فعلت كذا وكذا ،
فيقول : ما صنعتَ شيئاً ، قال : ثم يجيء أحدهم فيقول : ما تركتـه حتى فرقت بينه
وبين امرأتـه ، قال : فيدنيه منه ويقول : نعم أنت ) رواه مسلم .
ولأنه به تزول المصالح المترتبة على النكاح . ( من الولد
، وكثرة النسل ، والألفة ، وعفة الزوجين ) .
ولما فيه من تشتيت الأسرة ، وكسر قلب المرأة .
ويستحب : إذا كانت الزوجة مقصرة في حق الله ، أو كان في
دوام النكاح ضرر على المرأة أو لكونها غير راغبة في الزوج ، فيؤجر الزوج في فراقها
، في الحديث ( لا تصاحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي ) وفي الحديث الآخر ( من ترك شيئاً
لله عوضه الله خيراً منه ) .
ويحرم في ثلاث أحوال : ( يحرم للبدعة ) .
الحالة الأولى : طلاقها في الحيض .
لحديث ابن عمر ( أن النبي r طلق زوجته وهي حائض فأمره النبي r بمراجعتها )
متفق عليه .
الحالة الثانية : أن يطلقها في طهر مسها فيه .
الحالة الثالثة : أن يطلق الرجل زوجته ثلاث تطليقات بلفظ
واحد .
ويباح : إذا كانت الزوجة فيها بعض القصور في أداء بعض
حقه ، وكذلك إذا ساءت العشرة بينهما ولم يستطع على الإصلاح ، وإذا كان لا يستطيع
الصبر على امرأته .
وهذا يدخل فيه كل ما يتصور منه القصور في النساء :
الجسماني والخلقي والخَلقي ، لكن يحث الزوج على إمساك المرأة وإن كانت سيئة الخلق
وفيها شيء من القصور ، فهذا خير من أن يطلقها ، وقد قال تعالى : ( فَإِنْ
كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ
خَيْراً كَثِيراً ) .
ويجب : في الإيلاء ( وهو أن يحلف الزوج على ترك وطء
زوجته أكثر من أربعة أشهر ) . [ وسيأتي مباحثه ] .
فهنا تضرب له أربعة أشهر ، فإن فاء ورجع عن يمينه يكفر
عن يمينه والنكاح باق، وإن لم يرجع فإنه يقال له : إما أن ترجع أو تطلق ، الطلاق
هنا – إن لم يرجع - واجب ، فيطلِّق عليه الحاكم ، لأن فيه دفعاً للضرر الحاصل على
الزوجة ، وكذلك يجب الطلاق إذا كانت تفعل الفاحشة ولم يمكنه الإصلاح ويمنعها ،
لأنه لو لم يفعل صار ديوثاً .
· لا يكون الطلاق إلا بعد نكاح .
لقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا
نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ ) .
فذكر الله النكاح قبل الطلاق ، فمن قال : إذا تزوجت
فلانة فهي طالق فقوله لا يعتبر ولا تقع به طلقة ولا غيرها .
ولحديث المسور مرفوعاً ( لا طلاق قبل نكاح ) رواه ابن
ماجه وحسنه ابن حجر .
· لا يصح الطلاق إلا من :
زوج : فغير الزوج لا يصح طلاقه ، إلا إذا قام مقام الزوج
بالوكالة .
عاقل : فالمجنون لا يصح طلاقه ، لحديث : ( رفع القلم عن
ثلاث : وعن المجنون حتى يفيق )
.
بالغ : فالصبي الغير المميز لا يقع طلاقه بالاتفاق ، أما
المميز فيه قولان :
الجمهور على أنه لا يقع طلاقه .
لحديث : ( رفع القلم عن ثلاثة : ... وعن الصبي حتى يبلغ ) .
· طلاق السكران : له حالتان :
الحالة الأولى : أن يقع السكر عن غير عمد .
كأن يشرب الخمر يظنها عصيراً ، فهذا لا يقع الطلاق
بإجماع .
الحالة الثانية : أن يتعمد السكر ، ففيه قولان :
القول الأول : يقع الطلاق .
وهذا المذهب
.
قال في المغني : وهو مذهب سعيد بن المسيب ، وعطاء ،
ومجاهد ، ومالك ، والشافعي ، وأبي حنيفة .
لقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا
تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى ) .
فنهاهم حال السكر من قربان الصلاة ، وهذا يقتضي عدم زوال
التكليف .
القول الثاني : لا يقع طلاقه .
وهو قول عثمان ، ومذهب عمر بن عبد العزيز ، واختاره ابن
تيمية .
قال ابن المنذر : هذا ثابت عن أمير المؤمنين عثمان .
وهذا القول هو الصحيح الذي رجع إليه الإمام أحمد حيث كان
يقول بطلاق السكران فرجع عنه .
لقوله تعالى : ( لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ
سُكَارَى ) .
فهذه الآية دلت على أن السكران غير مكلف ، لأن الله أسقط
الصلاة عنه حال السكر .
لقول علي ( كل طلاق جائز إلا طلاق المعتوه والمغلوب على
عقله ) رواه البخاري .
ولأن السكران زائل العقل كالمجنون فهو لا يدري ما يقول .
ولأن النبي
e لم يؤاخذ حمزة لما سكر فقال : وهل أنتم إلا عبيد أبي ،
وهذا القول هو الصحيح .
م / وطلاقهن لعدتهن فسره حديث ابن عمر حيث طلق زوجته وهي
حائض ، فسأل عمر t رسول الله e
عن ذلك فقال (مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ
لْيَتْرُكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ ثُمَّ إِنْ شَاءَ
أَمْسَكَ بَعْدُ وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ فَتِلْكَ الْعِدَّةُ
الَّتِى أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ ) . وفي رواية
(مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لْيُطَلِّقْهَا طَاهِراً أَوْ حَامِلاً ) . وهذا
دليل على أنه لا يحل أن يطلقها وهي حائض ، أو في طهر وطىء فيه إلا أن تبين حملُها .
-----------
أراد المصنف – رحمه الله – أن يبين أنه ينبغي أن تطلق
المرأة لعدتها كما أمر الله بذلك في الآية السابقة (فَطَلِّقُوهُنَّ
لِعِدَّتِهِنَّ ) .
والتطليق للعدة : أن يطلقها وهي طاهر من الحيض ، وأن
يطلقها في طهر لم يجامعها فيه .
وقد دل حديث ابن عمر الذي ذكره المصنف – رحمه الله – على
تحريم طلاق الزوجة وهي حائض .
· الحديث دليل على تحريم الطلاق حال الحيض وفاعله عاصٍ
لله إذا كان عالماً بالنهي ، ويؤخذ هذا الحكم من وجهين :
أولاً : أنه جاء في رواية في الحديث ( فتغيظ رسول الله e ) ومعلوم أن
النبي e لا يتغيظ إلا على أمرٍ محرم.
ثانياً : أن النبي e أمر ابن عمر
بإمسـاكها بعد المراجعـة ثم تطليقها في الطهر ، فدل على أن تطليقها في الحيض
محرماً ، إذ لو لم يكن محرماً لأقر النبي e التطليق في الحيض ويغني عن الطلقة
التي تأتي في الطهر .
وقد نقل جماعة من العلماء : الإجماع على أن الطلاق حال
الحيض محرم (ابن المنذر – ابن قدامة – النووي).
وهذا التحريم خاص بالمدخول بها ، أما غير المدخول بها
فيجوز تطليقها مطلقاً حائضاً أو طاهراً ، لأن غير المدخول بها ليس عليها عدة .[
وهذا مذهب الأئمة الأربعة ] .
· ويسستثنى : ما إذا كان الطلاق على عوض ( فيجوز أن
يخالعها وهي حائض ) .
· اختلف العلماء في الحكمة من تحريم الطلاق حال الحيض :
قيل : هي خشية تطويل العـدة على المرأة ، لأن من المعلوم
أن بقيـة الحيضة التي طلقت فيها غير داخلة في العدة .
وقيل : إن الحيض حال نفرة وزهد وما يدري هذا الزوج الذي
طلق حال الزهد أن يندم في زمان الطهر عند توقان النفس للجماع .
وقيل : إن الحكمة تعبدية .
· الحديث يدل على تحريم طلاق الزوجة وهي حائض ، وهذا
يسمى طلاق بدعي .
فالطلاق ينقسم إلى قسمين :
أولاً : الطلاق السني :
o أن يطلقها طاهراً غير حائض .
لقوله
e : ( ... فليطلقها قبل أن يمسها ... ) .
o أو أن يطلقها حاملاً .
لقوله
e : ( ... فليطلقها حائلاً أو حاملاً ) .
o أو أن يطلقها مرة واحدة في طهر لم يجامعها فيه .
لقوله
e : ( ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض وتطهر ، ثم إن شاء
طلقها قبل أن يمس ) .
ثانياً : الطلاق البدعي المحرم .
o أن يطلقها في الحيض .
لحديث الباب ، فإن النبي e تغيظ وأمر بمراجعتها .
o أن يطلقها في طهر مسها فيه .
لقوله
e : ( مره فليراجعها ، ثم يمسكها حتى تطـهر ، ثم تحيض ،
ثم تطهر ، ثم إن شاء أمسك ، وإن شاء طلق ) .
o أن يطلق امرأته ثلاث تطليقات بلفظ واحد .
· فطلاق الحائض حرام ، لكن اختلف العلماء هل يقع أم لا ؟
على قولين :
القول الأول : أنه يقع .
وهذا مذهب جماهير العلماء .
قال ابن قدامة : فإن طلقها للبدعة ، وهو أن يطلقها
حائضاً ... وقع طلاقه في قول عامة أهل العلم .
لقوله تعالى ( الطلاق مرتان .... ) .
وقوله تعالى ( فإن طلقها فلا تحل ..... ) .
وجه الدلالة : أن الآيات عامة تدل على وقوع الطلاق في أي
وقت ممن له حق وقوعه ، فلم يفرق بين أن يكون الطلاق في حال الحيض أو الطهر ، ولم
يخص حالاً دون حال توجب حمل الآيات على العموم .
ولحديث الباب ، قال e : ( ... مره فليراجعها ... ) فهذا
دليل على أن الطلاق يقع ، إذ لا تكون المراجعة إلا بعد الطلاق الذي يعتد به .
وروى البخاري عن سعيد بن جبير عن ابن عمر قال : ( حسبت
علي تطليقة ) .
وفي رواية للدار قطني : ( أن عمر قال : يا رسول الله ،
فيحسب بتلك التطليقة ؟ قال : نعم
) .
وعن نافع عن ابن عمر : ( أنه طلق امـرأته وهي حائض ،
فأتى عمر النبي e وذكر ذلك له فجـعلها واحدة ) رواه الدار قطني
قال الحافظ في الفتح : وهو نص في موضع الخلاف ، فيجب
المصير إليه .
أن ابن عمر مذهبه الاعتداد بها ، وهو صاحب القصة ، وصاحب
القصة أعلم .
القول الثاني : لا يقع .
وهذا قول الظاهرية ، واختيار شيخ الإسلام ، ونصره ابن القيم .
لقوله تعالى ( فطلقوهن لعدتهن ) .
وجه الدلالة : أن المطلق في حال الحيض لا يكون مطلقاً
للعدة ، لأن الطلاق المشروع المأذون فيه أن يطلقها في طهر لم يمسها فيه ، وما عدا
هذا لا يكون طلاقاً للعدة في حق المدخول بها .
واستدلوا بما رواه أبو داود من حديث أبي الزبير عن ابن
عمر – حديث الباب - : ( أنه طلق امرأته وهي حائض على عهد رسول الله e ، فسأل عمر رسول الله e ... قال عبد الله : فردها عليّ ولم
يرها شيئاً ) .
والجواب عن هذا :
أن قوله ( ولم يرها شيئاً ) بأنها لا تصح ، فإن أبا
الزبير خالف في روايته رواية الجمهور ، وهي أكثر عدداً وأثبت حفظاً ، فروايتهم
أولى من روايته .
قال ابن عبد البر : قوله : ( ولم يرها شيئاً ) منكر ، لم
يقله غير أبي الزبير ، وليس بحجة فيما خالفه فيه مثله ، فكيف فيمن هو أثبت منه .
قال الخطابي :لم يرو أبو الزبير حديثاً أنكر من هذا .
المراد بالمراجعة هنا إمساكها على حالها ، لان المراجعة
لها معنى أعم من إعادة المطلقة
.
والراجح القول الأول .
· قوله
e : ( مره فليراجعها ) . قال النووي : أجمعوا على أنه
إذا طلقها يؤمر برجعتها .
لكن هل الرجعة واجبة أم مستحبة ؟
اختلف العلماء على قولين :
فقيل : مستحبة .
وهذا مذهب جمهور العلماء ، كما نقله النووي والشوكاني .
قالوا : لأن ابتداء النكاح لا يجب ، فاستدامته كذلك ،
فكان القياس قرينة على أن الأمر للندب
.
وقيل : واجب
.
فمن طلق زوجته وهي حائض وجب مراجعتها .
وهو قول جماعة من العلماء كداود وغيره .
للأمر به ( مره فليراجعها ) .
وقالوا : لما كان الطلاق في حال الحيض محرماً كان
استدامة النكاح واجبة .
وقالوا : لأن المراجعة تتضمن الخروج من المعصية .
والراجح الوجوب للأمر به في قوله ( مره ... ) .
· الحكمة من الأمر برجعتها وإعادتها إلى عصمتها :
قيل : لأجل أن يقع الطلاق الذي أذن الله فيه في زمن
الإباحة ( وهو زمن الطهر الذي لم يجامعها فيه ) .
وقيل : عقوبة المطلق الذي طلق في زمن الحيض ، فعوقب
بنقيض قصده .
وقيل : ليزول المعنى الذي حرم الطلاق في الحيض لأجله (
وهو تطويل العدة ) .
· قوله : ( ثم ليمسكها ) هل يجوز أن يطلق في الطهر الذي
يلي هذه الحيضة ؟
جاء في رواية : ( ثم ليمسكها حتى تطهر ، ثم تحيض ، ثم إن
شاء ... ) .
في هذه الرواية أنه ينتظر إذا أراد أن يطلق إلى طهرتان .
وجاء في رواية : ( مره فليراجعها ، فإذا طهرت فأراد أن
يطلقها فليطلقها ) .
ففي هذه الرواية أن للرجل أن يطلق امرأته في الطهر الأول
بعد الحيضة التي طلقها فيها وراجعها ، ولا يلزمه الانتظار إلى الطهر الثاني .
وقد اختلف العلماء في هذه المسألة في الانتظار للطهر
الثاني :
فذهب جماعة منهم : إلى وجوب الانتظار إلى الطهر الثاني .
منهم الإمام مالك ، كما نقله عنه الصنعاني واستدل
بالرواية الأولى .
وذهب جماعة من العلماء : إلى أن الانتظار إلى الطهر
الثاني مستحب وليس بواجب .
وهذا مذهب أبي حنيفة وأحمد .
وهذا القول أصح .
لأننا إذا أخذنا بهذا القول عملنا بجميع الروايات .
· قوله
e : ( وإن شاء طلق قبل أن يمس ) هذا يدل على النوع
الثاني من الطلاق البدعي المحرم ، وهو الطلاق في طهر جامعها فيه .
والرواية الأخرى : ( فليطلقها طاهراً ) أي غير حائض ،
وفي رواية ( من قبل أن يجامعها
) .
وجه التحريم : من المحتمل أن ينشأ من هذا الجماع حمل .
استثنى العلماء مسالة : وهي إذا ظهر حملها لرواية مسلم (
أو حاملاً ) .
ولأنه إذا طلق وهي حامل فهذا دليل على رغبته بالطلاق .
اختلف العلماء في وقت الطهر ( حتى تطهر ) وقوله ( ثم
ليطلقها طاهراً ) هل لابد من الاغتسال أم يكفي الطـهر ولو لم تغتسل ؟
فقيل : المراد بالطهر انقطاع الدم .
وهذا مذهب الشافعي وأحمد .
قالوا لأن انقطاع دم الحيض دليل على الطهر ، وهي وإن لم
تغتسل فهي في حكم الطاهرات بدليل أنها تصوم ولو لم تغتسل
وقيل : المراد بالطهر التطهر بالغسل .
وهذا قول المالكية .
واستدلوا برواية عند النسائي ( فإذا اغتسلت من حيضتها
الأخرى فلا يمسها حتى يطلقها )
.
قال ابن القيم : هذا مفسر لقوله ( فإذا طهرت ) .
والراجح هو القول الثاني .
· الحديث دليل على إثبات الرجعة: وهي إعادة مطلقة غير
بائن إلى عصمة النكاح بغير عقد .[وسيأتي البحث بها]
م / ويقع الطلاق بكل لفظٍ دل عليه من صريح : لا يفهم منه
سوى الطلاق ، كلفظ ( الطلاق ) وما تصرف منه ، وما كان مثلَه ، وكناية : إذا نوى
بها الطلاق ، أو دلت القرينة على ذلك
.
------------
ذكر المصنف – رحمه الله – الألفاظ التي يقع بها الطلاق ،
وقد ذكر أن ألفاظ الطلاق تنقسم إلى قسمين :
القسم الأول : ألفاظ صريحة .
وهي الألفاظ الموضوعة له التي لا تحتمل غيره . ( وهو لفظ
الطلاق وما تصرف منه ) .
حكمه : يقع الطلاق بمجرد نطقه به ولو لم ينوه ، لأنه
فراق معلق على لفظ فحصل به ، وليس عملاً يتقرب به الإنسان إلى ربه حتى نقول : إنما
الأعمال بالنيات . [ قاله الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ] .
مثل : أنتِ طالق ، أنتِ مطلقة ، طلقتك ، فلو قال رجل
لزوجته : أنت طالق ، فإنها تطلق ولو لم ينوه .
· لو قال الزوج: أنا أقصد بقولي: أنتِ طالق، طالق من
وثاق، فهل يقبل؟ فيه تفصيل : أما حكماً فلا يقبل، بمعنى أن الزوجة لو حاكمته عند
القاضي فلا يقبل، لأن هذا اللفظ صريح في الطلاق لا يحتمل غيره، لكن إن ديّنته
الزوجة (وكلته إلى دينِه) فلا يقع في الظاهر، فلها ذلك (فالزوجة تخير) فإن كان
زوجها معروفاً بالصدق فلتدينه، وإن كان معروفاً بالكذب والفجور فيجب أن تديّنه .
القسم الثاني : ألفاظ كنائية .
وهي الألفاظ التي تحتمل الطلاق وغيره .
مثال : كأن يقول الحقي بأهلك ، أنت حرة ، أنت خلية ،
اذهبي .
حكمه : لا يقع به الطلاق إلا مع نية أو قرينة .
فإنه إذا قال الحقي بأهلك فإنه يحتمل مجرد الطلب إليها
أن تذهب إلى أهلها ، ويحتمل إرادة الطلاق .
مع النية : أن يقول لها : الحقي بأهلك ، وينوي أنه طلاق .
القرينة : كأن يكون جواباً لسؤالها [ كأن تقول له طلقني
فيقول : الحقي بأهلك ] أو خصومة بين الزوجين ، فهنا تكون الكناية مقام الصريح .
وذهب بعض العلماء إلى أن الكناية لا يقع بها الطلاق إلا
بنية ، حتى لو وقع جواباً لسؤالها أو في حالة خصومة لقوله e ( إنما الأعمال بالنية ) .
فائدة : والزوج إذا قال لزوجته : أنتِ طالق ، فلا يخلو
من ثلاث حالات :
الحالة الأولى : أن ينوي الطلاق ، فيقع .
الحالة الثانية : أن ينوي غير الطلاق ، كأن يقول : أنت
طالق ، وقال قصدي طالق من وثاق ، فهنا لا يقبل حكماً .
الحالة الثالثة : ألا ينوي شيئاً ، فالأكثر على وقوعه ،
لأنه أتى بلفظ صريح موضوع للطلاق
.
م / ويقع الطلاقُ منجزاً .
--------------
أي : ويقع الطلاق منجزاً ، والطلاق المنجز هو الذي يقع
في الحال ، كأن يقول : هي طالق ، فتطلق من الآن ، أي : يقع الطلاق في الحال .
م / أو معلقاً على شرط كقوله : إذا جاء الوقت الفلاني
فأنت طالق ، فمتى وجد الشرط الذي علق عليه الطلاق وقع .
-------------
ذكر المصنف – رحمه الله – تعليق الطلاق ، وتعليق الطلاق
ينقسم إلى أقسام :
أولاً : أن يكون تعليقاً محضاً . ( سمي محضاً لأنه لا
اختيار للزوج فيه ) .
كأن يقول : إذا طلعت الشمس فأنتِ طالق ، فيقـع الطلاق
إذا طلعت الشمس . (فطلوع الشمس لا تملك منعه ) .
ومثله : إذا دخل رمضان فأنت طالق ، وإذا غربت الشمس فأنت
طالق .
ثانياً : أن يعلق الطلاق على فعل زوجته أو فعله هو ، كأن
يقول لزوجته : إن دخلت دار فلان فأنت طالق ، أو ذهبت لبيت أختك فأنت طلاق :
أ- فهذه إن قصد إيقاع الطلاق بالفعل إذا حصل المعلق
عليه فإن هذا الطلاق يقع عند حصول ما عُلق عليه قولاً واحداً بلا خلاف .
ب- وإن لم يقصد الطلاق ولكنه يريد بذلك حملها على فعل
أو منعها من فعل ، فهذه اختلف فيها العلماء على قولين :
القول الأول : يقع الطلاق إذا حصل المعلق عليه .
وهذا مذهب الأئمة الأربعة .
القول الثاني : أنه لا يقع الطلاق إذا حصل ما علق عليه ،
وإنما فيه كفارة يمين .
وهذا مذهب داود الظاهري وجماعة وهو اختيار شيخ الإسلام
ابن تيمية .
· الشك في الطلاق له عدة صور :
الصورة الأولى : أن يشك في وقوع أصل الطلاق – يشك هل طلق
أم لم يطلق : الأصل عدم الطلاق ، لأن النكاح متيقن والطلاق مشكوك فيه والشك لا يعارض
اليقين ( اليقين لا يزول بالشك
) .
الصورة الثانية : أن يشك في عدد الطلاق ، بأن يتيقن بأنه
طلق امرأته لكنه شك هل طلقها واحدة أو اثنتين أو ثلاثة ، فاليقين الأقل وهو واحدة
، وما زاد على الواحدة مشكوك فيه
.
الصورة الثالثة : أن يشك في وجود الشرط وعدمه ، هل طلاق
زوجته كان معلقا أو كان منجزاً ، فالأصل عدم الشرط .
الصورة الرابعة : الشك في تحقق الشرط وجوداً أو عدماً ،
تيقن أنه طلق وأنه علق زوجته على شرط لكن يشك بحصول الشرط ، كأن يقول : إن فعلتُ
كذا فزوجتي طالق ، وشك هل حصل الأمر أم لا ، فالأصل عدم الوقوع .
الطلاق البائن والرجعي
سبق تعريف الطلاق البائن بنوعيه والطلاق الرجعي ، وسيذكر
المصنف – رحمه الله – بعض المسائل المتعلقة بهما ، وقد تقدم أكثرها .
م / ويملكُ الحرُّ ثلاث طلقات .
----------------
أي : من كان كله حر أو بعضه حر يملك ثلاث تطليقات ، حرةً
كانت زوجته أو أمَة ، لأن الطلاق معتبر بالرجال .
والدليل على أنه يملك ثلاث تطليقات قوله تعالى
(الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ....
إلى قوله تعالى (فَإِنْ طَلَّقَهَا ) يعني الثالثة ( فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ
بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ) .
ج- وقوله ( يملك الحر ثلاث تطليقات ) مفهومه أن العبد
ليس كذلك ، فالعبد يملك تطليقتين ، فقد ورد عن عمر أنه قال ( ينكح العبد امرأتين ،
ويطلق تطليقتين ) أخرجه الدارقطني ، ولأن العبد على النصف من الحر ، ولم يُجعل
الطلاق طلقة ونصف لأن الطلاق لا يتنصف
.
م / فإذا تمت له لم تحل له حتى تنكح زوجاً غيره بنكاح
صحيح ويطأها ، لقوله تعالى (الطَّلاقُ مَرَّتَانِ .. .... إلى قوله تعالى (فَإِنْ
طَلَّقَهَا ) يعني الثالثة ( فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً
غَيْرَهُ ) .
-------------
ذكر المصنف – رحمه الله – متى تبين الزوجة بينونة كبرى ،
وهي إذا طلقها زوجها آخر ثلاث تطليقات ، فلا تحل له بعد ذلك حتى تنكح زوجاً غيره
نكاح رغبة ويجامعها الثاني ، وقد تقدمت المسألة وشروط رجوعها لزوجها الأول في باب
المحرمات في النكاح .
م / ويقع الطلاق بائناً في أربع مسائل .
------------
أي : ويقع الطلاق ويكون بائناً بينونة كبرى أو صغرى في
مسائل سيذكرها المصنف – رحمه الله – منها .
م / هذه منها
.
----------
أي : إذا طلقها زوجها الطلقة الثالثة فإنها تبين منه
بينونة كبرى كما سبق .
م / وإذا طلق قبل الدخول لقوله تعالى (يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ
قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا ) .
----------
أي : إذا طلق الرجل زوجته قبل الدخول والخلوة بها، فإنها
تبين منه، ولا تحل له إلا بعقد جديد برضاها، لأنه لا عدة عليها .
والدليل على ذلك الآية التي ذكرها المصنف – رحمه الله –
فغير المدخول بها من حين ما يقول لها زوجها : أنت طالق ؛ تبين منه .
م / وإذا كان في نكاح فاسد .
----------------
أي : وتبين منه إذا كان في نكاح فاسد ، لأن أصل هذا
النكاح غير صحيح ، وأمرنا له بالطلاق من باب الحيطة ، كأن يتزوجها بلا ولي ، فإنها
تبين منه ولا رجعة له عليها .
م / وإذا كان على عوض .
---------------
أي : وتبين الزوجة من زوجها إذا كان الطلاق على عوض ،
كالخلع ، فإذا كان بعوض فلا للزوج الرجعة إلا بعقد جديد ، لأن العوض فداء ، فهي
افتدت نفسها ، ولو قلنا للزوج الرجوع لم يكن لهذا الفداء فائدة .
باب الرجعة
م / وما سوى ذلك فهو رجعي .
----------
أي : ما سوى ما مضى فإن الطلاق يكون رجعياً يحق للزوج
ارجاع زوجته ولو كرهت .
تعريف الرجعة : إعادة مطلقة غير بائن إلى ما كانت عليه
بغير عقد ما دامت في العدة ( وسيأتي محترزات هذا التعريف بعد قليل ) .
مثال : رجل قال لزوجته أنت طالق ، فتطلق ، فله الحق ما
دامت في العدة أن يراجعها ، لكن لها شروط ستأتي أدلة مشروعية الرجعة :
قوله تعالى ( وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي
ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحاً ) . والمراد بالبعل هنا الزوج .
وقال تعالى (الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ
بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) . فقوله (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ ) هو الرجعة
مع المعروف (أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) وهو تطليقها .
وفي قصة ابن عمر حينما طلق زوجته قال e لعمر ( مره
فليراجعها ) .
وثبت في سنن أبي داود ( أن النبي r طلق حفصة ثم راجعها ) .
وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله e ( ثلاث جِدهن جد وهزلهن جد : النكاح
والطلاق والرجعة ) رواه أبوداود
.
وأجمع العلماء على مشروعية الرجعة .
م / يملك الزوج رجعةَ زوجتهِ ما دامت في العدة لقوله
تعالى (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا
إِصْلاحاً ) .
-------
أي : يملك الزوج إرجاع زوجته التي طلقها تطليقة واحدة أو
اثنتين أن يرجعها لعصمته ولو لم ترضى بشرط أن يكون ذلك في العدة ، وهذا أحد شروط
إرجاع الزوجة الرجعية :
فالشرط الأول : أن يكون ذلك في العدة .
فإن راجعها بعد انتهاء العدة فلا رجعة ، لقوله تعالى
(وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ ) . أي : في العدة .
فعلم من الآية أنه لا حق للأزواج بعد انتهاء العدة .
قال القرطبي : وأجمع العلماء على أن الحرّ إذا طلق زوجته
الحرة ، وكانت مدخولاً بها تطليقة أو تطليقتين أنه أحق برجعتها ما لم تنقض عدتها ،
وإن كرهت المرأة ، فإن لم يراجعها المطلّق حتى انقضت عدتها فهي أحق بنفسها ، وتصير
أجنبية منه لا تحل له إلا بخطبة ونكاح مستأنف بولي ، وهذا إجماع من العلماء .
الشرط الثاني : أن يكون الفراق بلا عوض، فإن كان بعوض (
وهو الخلع ) فلا رجعة إلا بعقد جديد، لأن العوض الذي دفعته فداء ، تفدي نفسها منه .
الشرط الثالث : أن يكون مدخولاً بها ( قد جامعها زوجها
أو خلا بها ) أما غير المدخول بها فلا رجعة ، لأنها تبين بمجرد ما يقول لها : أنت
طالق ( تقدمت المسألة ) .
الشرط الرابع : أن يكون الطلاق دون ما له من العدد وهو
ثلاثة ، فإن كان آخر ما له من العدد فلا رجعة لقوله تعالى (الطَّلاقُ مَرَّتَانِ
... إلى قوله تعالى (فَإِنْ طَلَّقَهَا ) يعني الثالثة ( فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ
بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ) .
م / والرجعية حكمها حكم الزوجات إلا في وجوب القسْم .
--------
أي : أن المطلقة الرجعية – ما دامت في العدة – حكمها حكم
الزوجات من وجوب النفقة والكسوة والمسكن، ويرث كل منهما صاحبه إذا مات في العدة .
لكن يستثنى شيء واحد ذكره المصنف – رحمه الله – فقال :
م / إلا في وجوب القسْم .
-------
أي : لو كان له زوجات أُخَر ، فليس لها حق في القسْم ،
لأنها مطلقة .
م / والمشروع إعلانُ النكاح والطلاق والرجعة والإشهاد
على ذلك .
-----------
أي : ويشرع إعلان النكاح ( وسبقت المسألة في كتاب النكاح ) .
قوله ( والطلاق ) أي ويشرع إعلان الطلاق لقوله تعالى
(فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ
بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ ) .
والحكمة والفائدة من الإشهاد على الطلاق :
أولاً : مسألة الإرث ، فإن كان أشهد على الطلاق ثم مات
بعد انقضاء العدة فإنها لا ترث
.
ثانياً : أن هذه المرأة يمكن خطبتها . ( وسبق من المعتدة
التي تخطب تعريضاً ) .
ثالثاً : أن الطلاق إذا ثبت بالشهادة لا يتمكن الزوج من
الإنكار .
قوله ( والرجعة ) أي : ويشرع الإشهاد على الرجعة ، وقد
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين :
القول الأول : أنه واجب .
وهو قول الشافعي في القديم وابن حزم ونقله ابن كثير عن
عطاء .
لقوله تعالى ( فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ
بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ ) والضمير يعود
على الطلاق والرجعة .
ولما يترتب على ذلك من المصلحة ، من عدم الإنكار ، فإذا
كان الزوج قد أشهد على الرجعة فلا تستطيع الزوجة أن تنكر .
القول الثاني : أنه مستحب .
وهذا قول الجمهور مالك وأبي حنيفة .
لحديث ابن عمر ( مره فليراجعها ) ولم يذكر الإشهاد
والمقام مقام بيان .
والراجح القول بالاستحباب ، والقول بالوجوب قول قوي :
أ- لأن فيه قطعاً للنزاع فيما لو ادعت الزوجة أنه لم
يراجع .
ب- ولأن فيه احتياطا والنكاح ينبغي فيه الاحتياط .
· بما تحصل الرجعة ؟
تكون بالقول ، و هذا محل اتفاق بين العلماء .
واختلفوا في حصول الرجعة بالفعل وهو الوطء . يعني لو وطء
زوجته الرجعية دون أن يتلفظ هل مجرد الوطء يكون رجعة قولان :
القول الأول : إن الرجعة لا تحصل بالفعل ، فلا تحصل إلا
بالقول .
وهذا قول الشافعي وهو قول ابن حزم .
لان إعادة الزوجية بعد الطلاق إنشاء للزواج من وجه ، فلا
بد من القول .
القول الثاني : إنها تحصل بالوطء .
وهذا قول مالك وأبي حنيفة .
لكن حصل بينهم اختلاف هل يشترط أن ينوي مراجعتها أو لا
يشترط :
فقيل : لا تحصل بالوطء إلا مع النية
وهذا قول مالك وأحمد ، لعموم ( إنما الأعمال بالنيات ) .
وقيل : إن مجرد الوطء يكفي سواء نوى المراجعة أم لا .
وهو قول أبي حنيفة .
والراجح تحصل بالوطء مع نية المراجعة ، واختاره ابن
تيمية .
· إذا فرغت من عدتها ولم يرتجعها بانت منه .
وقد أجمع العلماء على أن المرأة إذا طلقها زوجها فلم
يرتجعها حتى انقضت عدتها أنها تبين منه فلا تحل له إلا بنكاح جديد .
قال تعالى ( وبعولتهن أحق بردهن ) أي في العدة ، فمفهوم
الآية أنها إذا فرغت عدتها لم تبح إلا بعقد جديد بشرطه .
أ- إذا طلق الزوج زوجته الرجعية ثم أرجعها فإنها تعود
إليه بما بقي من طلاقها ، بلا خلاف
.
مثال : طلق رجل زوجته تطليقة واحدة ، ثم راجعها بالعدة ،
فإنه يبقى له تطليقتان .
ب- وإذا طلقها تطليقة وخرجت من العدة ، ثم تزوجها بعقد
جديد فإنها أيضاً ترجع بما بقي لها من طلاقها .
مثال : رجل طلق زوجته تطليقة، ولم يرجعها حتى خرجت من
العدة، ثم عقد عليها بعقد جديد ، وتزوجها، فإنه يبقى له تطليقتان .
ج- وإذا طلقها تطليقة وخرجت من العدة ، وتزوج زوج آخر ،
ثم هذا الزوج طلقها ، ثم تزوجها زوجها الأول ، فقولان للعلماء :
قيل : تعود إليه على ما بقي من الثلاث .
وهذا قول أكثر الصحابة ، وهو قول مالك والشافعي وآخرين .
ولأن وطء الثاني لا يحتاج إليه في الإحلال للزوج الأول ،
فلا يغير حكم الطلاق .
قال الشيخ ابن عثيمين مرجحاً هذا القول : لأن نكاح
الثاني إذا كان الزوج الأول لم يطلق ثلاثاً لا أثر له ، لأنها تحل لزوجها الأول
سواء تزوجت أم لم تتزوج .
وقيل : أنها ترجع إليه على طلاق ثلاث ، فيكون الزوج
الثاني قد هدم الطلاق .
وهذا قول ابن عمر وغيره .
والراجح الأول .
د- وإذا طلقها ثلاثاً فنكحت غيره ووطئها ، ثم تزوجها
الأول ، فإنها تعود إليه بطلاق ثلاث إجماعاً .
م / وفي الحديث ( ثَلَاثٌ جِدُّهنَّ جِدٌّ ,
وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ : اَلنِّكَاحُ , وَالطَّلَاقُ , وَالرَّجْعَة ) رَوَاهُ
اَلْأَرْبَعَةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ
---------------------
ذكر المصنف – رحمه الله – حديث أبي هريرة . قال : قال e (ثَلَاثٌ
جِدُّهنَّ جِدٌّ , وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ : اَلنِّكَاحُ , وَالطَّلَاقُ , وَالرَّجْعَة )
ليستدل به على وقوع طلاق الهازل
.
[ ثلاث ] أي : ثلاث خصال . [ هزلهن جد ] الهزل : أن يقول
أو يفعل شيئاً على سبيل اللعب والمزاح لا يريد حقيقته .
· الفرق بين الجاد والهازل : الجاد قصد اللفظ والحكم ،
والهازل : قصد اللفظ دون الحكم
.
وقد اختلف العلماء هل يقع طلاق الهازل أم لا على قولين :
القول الأول : أنه يقع .
وهذا قول الأكثر ، وهو قول الحنفية والشافعية .
فإذا تلفظ ولو هازلاً بصريح لفظ الطلاق فإن الطلاق يقع ،
لحديث الباب .
ولو قلنا لا يقع لصار مفسدة ، وهي أن كل إنسان يطلق
امرأته ثم يقول : إنه لم ينوِ .
القول الثاني : أن طلاق الهازل لا يقع .
وهو قول جماعة من العلماء .
واستدلوا بقوله تعالى (وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ
فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) فدل على اعتبار العزم ، والهازل لا عزم له .
قالوا : ولأن الهازل لم يرد الطلاق ولا نوى معناه ، فكيف
يترتب عليه مقتضاه ؟
والراجح القول الأول .
م / وفي حديث ابن عباس مرفوعاً (إِنَّ اَللَّهَ تَعَالَى
وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي اَلْخَطَأَ , وَالنِّسْيَانَ , وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ). رَوَاهُ اِبْنُ
مَاجَهْ
--------------------
ذكر المصنف – رحمه الله – حديث ابن عباس عَنْ
اَلنَّبِيِّ r قَالَ : ( إِنَّ اَللَّهَ تَعَالَى وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي اَلْخَطَأَ ,
وَالنِّسْيَانَ , وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ ) رَوَاهُ اِبْنُ مَاجَهْ ,
وَالْحَاكِم ، ليستدل به على عدم وقوع طلاق المكره ، وقد اختلف العلماء في وقوع طلاق
المكره على قولين :
القول الأول : أنه لا يقع .
وهذا مذهب جماهير العلماء .
لقوله تعالى (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ
إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ ) وجه
الدلالة : أن الإنسان إذا أكره على الكفر وتلفظ به ظاهراً فلا يكون كافراً ، وهذا
في العقيدة ، فلئلا يقع طلاقاً عند الإكراه على الطلاق من باب أولى وأحرى .
ولحديث الباب ( ... وما استكرهوا عليه ) .
ولحديث عائشة قالت . سمعت رسول الله e يقول (لا طلاق
ولا عتاق في إغلاق) رواه أبو داود ، والإغلاق هو الإكراه .
ولأن المكرَه لم يكن قاصداً وقوع الطلاق ، وإنما قصد دفع
الأذى والضرر عن نفسه .
القول الثاني : أنه يقع طلاقه .
وهذا مذهب الحنفية .
معللين ذلك بأنه طلاق من مكلف في محل يملكه فوقع .
والراجح الأول .
باب الإيلاء
م / فالإيلاء أن يحلفَ على ترك وطء زوجتهِ أبداً أو مدة
تزيد على أربعة أشهر .
---------
الإيلاء لغة : الحلف .
واصطلاحاً : حلف زوج على ترك وطء زوجته أكثر من أربعة
أشهر .
مثال : كأن يقول لزوجته : والله لا أطأكِ خمسة أشهر .
· فقوله ( حلف ) أن يحلف بالله أو بصفة من صفاته على ترك
الوطء .
· فإن حلف على ترك الوطء بغير ذلك ، مثل أن يحلف بالطلاق
أو العتق كأن يقول : إن وطئـتك فأنتِ طالق ، أو فلله عليّ صوم شهر ، فقد اختلف
العلماء هل يكون مولٍ أم لا ؟ والجمهور أنه يكون إيلاء ، وقد روي عن ابن عباس أنه
قال ( كل يمين منعت جماعاً فهي إيلاء
) .
· وقوله ( على ترك وطء ) هذا الشرط الثاني ، أن يحلف على
ترك الجماع في القبل ، فلو حلف أن لا يباشر زوجته لمدة سنة ونيته المباشرة دون
الفرج ، فليس بمولٍ .
· وقوله ( زوجته ) هذا الشرط الثالث ، وهو أن يكون
المحلوف عليها زوجته ، سواء كانت مدخولاً بها أم غير مدخول ، لقوله تعالى
(لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ) ولأن غير الزوجة لا حق لها في وطئه فلا
يكون مولياً عنها ، فلو حلف على ترك وطء أجنبية ثم نكحها لم يكن مولياً لذلك .
· قوله ( أكثر من أربعة أشهر ) هذا الشرط الرابع ، وهو
أن يحلف على ترك الوطء أكثر من أربعة أشهر ، ولا خلاف في ذلك أنه إيلاء ، فإن حلف
على أربعة أشهر فما دونها لم يكن مولياً ، ولا يتعلق به أحكام الإيلاء ، لقوله
تعالى (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ) فجعل الله للزوج
تربص أربعة أشهر ، فإذا حلف على أربعة أشهر فما دونها فلا معنى للتربص ، لأن مدة
الإيلاء تنقضي قبل ذلك أو مع انقضائه، وتقدير التربص بأربعة أشهر يقتضي كونه في
مدة يتناولها الإيلاء، وهو ما كان أكثر من أربعة أشهر .
واختار بعض العلماء – ومنهم الشيخ ابن عثيمين رحمه الله
– أنه إذا حلف على ترك الوطء أربعة أشهر أو أقل فإنه يعتبر إيلاء ، لأن الله قال
(لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ) فأثبت الله الإيلاء ، لكن جعل المدة
التي ينظرون فيها أربعة أشهر ، فلو قال : والله لا أجامع زوجتي ثلاثة أشهر ، فإن
هذا مولٍ ، لأنه حلف أن لا يجامعها ، ولكننا لا نقول له شيئاً الآن ، لأنه إذا تمت
المدة انحلت اليمين
.
· حكم الإيلاء :
إن كان فوق أربعة أشهر فإنه حرام
وإن كان دونها فهو جائز للمصلحة . وقد ثبت في البخاري عن
أنس ( أن النبي e آلى من نسائه شهراً
) .
ومعنى إيلاء النبي e هنا : اعتزال نساءه شهراً .
م / فإذا طلبت الزوجة حقَّها من الوطء أُمِرَ بوطئِها .
---------------
أي : إذا طلبت الزوجة حقها من الوطء ، فإنه يؤمر بذلك .
لأن في عدم ذلك إضراراً بالزوجة .
م / وضربت له أربعة أشهر .
-------
أي : إذا رفض الرجوع والفيئة للوطء ، وطلبت المرأة حقها
، فإن القاضي يضرب له أربعة أشهر
.
لقوله تعالى (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ
تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) .
وقد اختلف العلماء متى تبدأ مدة الإيلاء ؟
فقيل : تبدأ من المطالبة .
وقيل : تبدأ من الإيلاء ، وهذا هو الصحيح .
لقوله تعالى (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ
تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ) فجعل الله التربص مقروناً بالوصف وهو الإيلاء ،
ويثبت هذا الوصف من اليمين ، لأنه من حين أن يحلف يصدق عليه بأنه مولي .
مثال : فإذا آلى في اليوم (27) من شهر محرم ، ولم تطالبه
إلا في (27) من شهر ربيع الأول ، فيكون مضى عليه شهران، فهل تبدأ المدة من (27)
محرم أو من (27) ربيع الأول ؟ تبدأ من (27) محرم ويكون بقي له شهرين .
م / فإذا وطئ كفّر كفارة يمين .
--------
أي : إذا مضت المدة وهي أربعة أشهر ، ورجع وفاء وجامع ،
فإنه يكفر كفارة يمين عن يمنيه
.
لقوله (فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
) (فَإِنْ فَاءُوا ) أي رجعوا إليهن بالجماع .
· فإن وطئ في الدبر فما فاء ، لأن الوطء في الدبر حرام ،
ولا يسمى جماعاً ، لأنه لا يحصل به كمال الاستمتاع .
· أو بما دون الفرج كالفخذين فما فاء ، لأن هذا ليس
جماعاً تحصل به كمال اللذة .
م / وإن امتنع ألزم بالطلاق .
--------
أي : بعد مضي أربعة أشهر - إن لم يرجع للجماع - يأمره
القاضي بالطلاق إذا طلبت الزوجة ذلك ، لأن الحق لها ، وأما إذا لم تطلب المرأة
الطلاق فلا يجوز للحاكم أن يأمره
.
· جمهور العلماء إلى أن الزوجة لا تطلق بمجرد مضي المدة
، وإنما يخير بين الرجوع أو الطلاق إذا طلبت الزوجة ، وذهب بعض العلماء إلى أنه
بمجرد مضي المدة تطلق المرأة من زوجها ، وهذا القول ضعيف .
فائدة : إن ترك الوطء إضراراً بها بلا يمين ولا عذر .
فقال بعضهم : يعتبر إيلاء ، وهذا قول مالك .
وقال أبو حنيفة والشافعي ، لا يكون مولياً ، وهذا القول
هو الصحيح .n